البكاء.. عين تدمع وبدن يتعافى ؛؛؛
«البكاء ينقي الجسم من السموم» مقولة اكتشفها المتخصصون مؤخراً بيد اننا نمارسها منذ امدٍ بعيد في الحرب والسلم، في الامن والخوف، في الحل والترحال، في الفراق واللقاء،
في الحزن والفرح، انه القوت اليومي للبؤساء والزاد الدائم للفقراء، والملجأ الاول لاصحاب البلاء ولو احصيت دموعنا التي ذرفناها على عتبات التاريخ وبواباته الى يومنا لاغرقتنا بسبب ما اصابنا من ظلم واضطهاد، وفقر وفاجعة وحزن وشوق.
اسباب اثارت مكامن الدموع ورقة النفس البشرية لدينا، اما فوائد هذه الدموع، وعملها في الانسان من الناحية الفيزيولوجية فهي محط نقاش واكتشاف، واما من الناحية النفسية فهي جلاء للهموم والتماس للراحة ورقة للقلب ونقاوة للنفس وهي بالنهاية ملجأ كل مصاب يسلو اليها ويرى عزاءه فيها.
غير ان منه الصادق ومنه دون ذلك.
يقول الدكتور عادل الشافعي: البكاء هو نعمة من الله. لانه اصدق تعبير عن المشاعر الانسانية فالطفل الصغير يبكي فنلبي حاجته وهنا البكاء اداة تعبير وحيدة تعوضه عن الكلام والحركة حتى يتمكن من التواصل مع الاخرين. اما بالنسبة للكبار فالامر يختلف. عندما نحزن نبكي. وعندما نفرح نبكي.. فما هو البكاء؟ من الناحية الطبية هو خروج ما تفرزه الغدد الدمعية لوسط العين ويصاحبه سيلان مائي بالانف والبلعوم وتقلص للعضلات العينية مع قبض عضلات الوجه والبطن وارتفاع بالحجاب الحاجز.
واحياناً يرافقه سعال خفيف. هذا ما يحدث للجسم فهل له فائدة طبية.. نعم ـ البكاء كالمطر ـ لان البكاء يحدث نتيجة شحن العواطف بالانفعالات النفسية فتعمل على حث المراكز السمباثوية بالجهاز العصبي فترسل اشارات للغدد الدمعية بالتحضير والانقباض وارتخاء القنوات الدمعية فتندفع الدموع خارج الغدة للعين فتغسلها وتنقيها تماماً من اي ميكروبات او افرازات اخرى وبعض من هذه الدموع يصل للأنف عن طريق قناة توصل بينهم مما يساعد على تطهير الانف ونزول السائل منها فالسائل الدمعي يحتوي على سائل نقي به بعض الاملاح والمواد التي تفرز من الغدد الدمعية لذا فهو ذو طعم مالح قليلاً مما يساعده على تعقيم العين والملتحمة.
وهذا ما يحدث للمطر حين تحتقن السماء بالغيوم والسحاب فتأتي الرياح فتحركها ليسقط المطر الذي يغسل الاشجار والطرق وكل ما على الارض فترى الاماكن كأنها غسلت من جديد.. هذا ما يحدث للانسان بعد البكاء يستلقي ويهدأ ويبدأ من جديد.
ويضيف اما من الناحية النفسية؛ فالبكاء المخرج الافضل لكل التوترات النفسية والانفعالات لانه لو اخفى الانسان هذه التغيرات النفسية والعصبية بداعي الرجولة والخوف من الضعف امام الاخرين او الشعور بالانهزامية. فهنا تكمن الخطورة. حيث سيعاني من العقد والمشكلات التي يزخر بها الطب النفسي، او الطبية حيث سيؤدي ذلك لارتفاع ضغط الدم المنتشر كثيراً هذه الايام وربما لاظهار داء السكري اذا كانت عنده ميول او تاريخ اسري للسكري. كذلك حبس البكاء والمشاعر كثيراً ما يؤدي الى تقرح بالمعدة وامراض القولون العصبي ولهذا نجد ان النساء وهن اكثر قدرة على البكاء بسبب الاختلاف الفسيولوجي والهرموني عن الرجال ولأن البكاء ربما يكون مظهراً مقبولاً من السيدة كتعبير عن الرقة او الضعف او الشفافية لهذا نجد انهن اقل عرضة لكثير من الامراض التي تنجم عن عدم البكاء. لذلك علينا الا نحرم انفسنا رجالاً ونساءً من البكاء ان طاب لنا ترطيباً للنفس وحرصاً على الصحة حتى ولو من وراء حجاب.
حماية القرنية
ومن جهته يقول الدكتور سمير جمال (طبيب عيون): لا يشكل البكاء غسولا للعين فقط وإنما للنفس ايضا ولفهم فوائد البكاء بتفصيل أكبر لابد من التحدث قليلا عن ماهية الدمع ووظائفه حيث انه يشكل المادة الأساسية للبكاء وهو سائل كالبلازما الدموية (المصورة) دون وجود كريات دم وهو غني بالبوتاسيوم (أربعة أضعاف تركيزه في الدم) ويحتوي على عناصر مناعية دفاعية وهي الجلوبولينات المناعية وخاصة Iga (200 ملغ/ل) وكذلك Igm وige ودورها معروف في الدفاع عن الجسم ضد الاخطار الخارجية كالجراثيم والفيروسات وكذلك على خميرة انزيم الليزوزيم (15 جرام/لتر) وهي خميرة ذات قدرة كبيرة مضادة للبكتيريا وذلك بحلها للغلاف الخلوي لبعض الجراثيم «موجبة الجرام» لاحتوائها على مورامينيدايز.
وكذلك يحتوي الدمع على اللاكتوفيرين وهي مادة بروتينية ذات خاصية جذب عالية لعنصر الحديد الضروري لنمو البكتيريا، وبالتالي تلعب دورا أساسيا في مقاومة البكتيريا وكذلك دورا في تعديل الجذور الحرة وخاصة جذر الهيدروكسي الضار لخلايا الجسم وايضا تلعب دورا مثبطا للمتممة وهذا يمنح الدمع دورا مضادا للالتهابات ايضا.
وكذلك الشوارد المغذية الأخرى والاوكسجين والجلوكوز. والافراز الدمعي نوعان أساسيان يمثلهما الشريط الدمعي (بسمك 8 ميكرونات) المؤلف من ثلاث طبقات من الخارج الى الداخل، دهنية.. مائية.. مخاطية ويلعب رفيف الاجفان دورا أساسيا في تكوينه ويفرز من قبل غدد الدمع الملحقة بالاجفان وهو ثابت وموجود دائما لحماية القرنية والملتحمة.
والنوع الثاني للافراز الدمعي هو الانعكاسي وهو ناجم عن افراز مائي غزير للغدة الدمعية الأساسية الموجودة في أعلى وخارج جوف الحجاج أو مركزي وذلك بتنبيه العصب الدمعي المفرز للغدة الوارد عن طريق العصب السابع، ويجري الدمع من الزاوية أعلى وخارج العين (اللحاظ) الى الزاوية الداخلية (الموق) حيث يزول ثلاثة ارباعه عن طريق نقطتين صغيرتين في الاجفان نحو قنينتين دمعيتين فكيس الدمع ثم القناة الدمعية الأنفية نحو تجويف الانف بآلية فاعلة لوجود مضخة ماصة للدمع.
ويواصل: أما ربع الدمع فيطرح عن طريق التبخر وفي الحالة الطبيعية تستوعب العين الرتوج الملتحمة وسطح القرنية الملتحمة والطرق المفرغة بحدود (30 ميكرولترات) من الدمع وكل ما يزيد على ذلك يفيض ويسيل خارج الأجفان وهو ما نسميه بالدماع، وهذا ما يخلص العين من الاجسام العالقة كالغبار في حال تخريشها، إذن نستطيع ان نلخص فوائد الدمع بأشكال الحماية المختلفة التي يؤمنها للعين كالحماية الميكانيكية والبصرية وهو يشكل حاجزا مقاوما وسطحا انزلاقيا ممتازة أو مرطبا دائما للعين وحافظا للحرارة السطحية يحميها من الجفاف ويؤمن سطحا بصريا منتظما.
وبوجود المخاطية في الشريط الدمعي يلتقط الجزيئات الغريبة والبكتيريا العالقة حيث يؤمن رفيف الاجفان طرحها خارجا، ومن الحمايات ايضا حماية مضادة للبكتيريا وحماية فيزيائية بتغيير درجة حمض الدمع مما يجعلها وسطا غير ملائم لنمو الجراثيم الممرضة وحماية كيميائية كوجود عناصر ليزوزيم والاكتوفيرين معدلة الديفانات المفرزة من قبل بعض الجراثيم، وحماية مناعية دفاعية وحماية علاجية، حيث يشكل الشريط الدمعي وسطا ممتازا لاستقبال الادوية الموضعية وحماية غذائية حيث يغذي القرنية والملتحمة باستمرار فهو وسط تبادلي فعال للاوكسجين والجولوكوز والشوارد وبقية العناصر.
ونجد مما سبق ان للدمع فوائد جمة بشكليه الأساسي والانعكاسي كحال البكاء والضحك أو أية شدة نفسية وما فائض الدمع لأي سبب كان الا عاملا مهما يخلّص العين ليس فقط من السموم ولكنه يساعد البدن ايضا على طرح سمومه وبالتالي راحة النفس ويبقى الضحك خير من البكاء.