بكاء الاحشاء
ويقول الدكتور عدنان فضلي استشاري الطب النفسي: نعم، نحن ننصح المريض أو أي فرد يتعرض لمواقف محزنة أو مؤلمة ان يعبر عن شعوره بالبكاء، فمن خلال البكاء يشعر الانسان بالارتياح من ثقل يتعب كاهله، وان الكبت قد يؤدي الى نتائج وخيمة والمصابون بالاكتئاب هم أكثر الناس عرضة للبكاء حيث يجد المريض متنفسا لهمومه، غير انه في حالات الاكتئاب الشديدة تستعصي الدموع حيث يتمنى المريض لو انه يستطيع البكاء.. حتماً ان البكاء يخفف من حدة التوتر والضغوط النفسية والنساء هن أسرع في البكاء من الرجال بحكم تكوينهن البيولوجي، فكثير من الرجال «يبكون بصمت»! فطالما سألت رجالا يعانون من الاكتئاب، هل تنتابهم نوبات بكاء فيجيبوا بإباء وشمم كما يقولون «عيب على الرجل ان يبكي»! عندما فجعت شاعرتنا العربية الخنساء بأخيها صخر ملأت الدنيا صراخا وبكاء، وهي التي قالت لولا هذا البكاء سواء منفردة أو مع الآخرين لحاولت الانتحار!! ومن الناس ممن يتألمون او يحزنون يلجأون لتناول المهدئات أو الخمر للتغلب على مظاهر الأسى والحزن وهذا نوع من الكبت، والذي قد يظهر فيما بعد على شكل اضطراب نفسي شديد ولو بعد حين، ان كبت مشاعر الحزن وعدم التعبير عنها قد يؤدي إلى ظهور مجموعة من الأمراض العضوية كتقرح الامعاء أو قرحة المعدة، وذلك بسبب التوترات والضغوط المتواصلة ويمكن تلخيصها بمقولة أحد الاطباء النفسانيين: ان الدموع التي لا تجد لها منفذاً من العيون تجعل الأحشاء تبكي!! ويقول الدكتور يوسف عبدالفتاح طبيب نفسي: بكاء الأطفال أحد مظاهر الطفولة النمائية فقد ارتبط البكاء بالطفولة، حيث شاع القول لمن يبكي من الكبار انه يبكي مثل الأطفال.
كما ارتبط البكاء بالانفعالات لدى علماء التربية وعلماء النفس مهما اختلفت طبيعة هذا الانفعال أقصد ان الانفعالات السارة قد تجعل المرء يبكي مثلها مثل الانفعالات غير السارة فكثيراً ما نسمع عن دموع الفرح مقابل دموع البكاء لدى الأطفال بحالة انفعالية غير سارة ناجمة عن الاحباط الذي قد يتعرض له الطفل من الوالدين أو الكبار المحيطين به فيما يتعلق بتلبية حاجاته أو الضوابط الاجتماعية التي يتعرض لها مثل منعه من اللعب الخطر أو في أوقات معينة.. إلخ.
ويؤدي البكاء وظيفة سيكولوجية مهمة بالنسبة للطفل فهو بمثابة التنفيس الانفعالي والتعبير السلوكي عن مشاعر الغضب أو الحزن أو الرفض لما يتعرض له ويشعر به وهذا أمر لازم وضروري لاخراج هذه الطاقة الانفعالية المكبوتة، ويرى علماء النفس ان البكاء شأنه شأن سلوكيات أخرى تستخدم للتنفيس الانفعالي أو تفريغ الشحنة الانفعالية الكامنة في الشخصية فالبكاء والصياح والصوت الحاد المرتفع وتخريب الألعاب أو الممتلكات والتململ كلها وسائل تعبيرية عن حالة انفعالية مرتبطة بالغضب أو الحزن، ولما كان الاحباط الذي يتعرض له الطفل يولد شحنة نفسية عدوانية فإن البكاء يعد بمثابة التعبير عن هذه الشحنة والتخلص منها، وكف البكاء أو عدم البكاء قد يكون مؤشراً لكبت هذه الشحنة الانفعالية في النفس، وقد تنتقل إلى اللاشعور حيث ينساها الطفل لكنها لا تختفي تماما وتبقى لتعبر عن نفسها في الكبر بأساليب رمزية أو مرضية كالقلق والعدوان المدمر الظاهر كلما اتيحت الفرصة للطفل للتعبير عن ذلك من خلال اللعب أو أداء بعض الأعمال أو التنافس غير المتكافئ.
شيء فطري
ويواصل: وأنصار النظرية البيولوجية يؤكدون ان البكاء هو استجابة غير متعلمة أي لم يتعلمها الطفل عقب الولادة وإنما يولد مزوداً بها.
وفي المقابل يرى أنصار نظرية التعليم الاجتماعي ان البكاء سلوك متعلم تدعمه المواقف الاجتماعية حين يبكي الطفل فيلبي الكبار حاجاته فيرتبط البكاء بتلبية الحاجات وبالتكرار تتكون عادة البكاء لدى الطفل، وهناك وجهة نظر ثالثة تنادي بأن البكاء ليس محكوماً بقوى داخلية أو مثيرات خارجية محيطة، ولكن الظروف الاجتماعية هي التي تعمل على اثارة هذا السلوك أو التعبير بالبكاء ويرى انصار هذا الرأي ان تغيير الظروف المحيطة بالطفل باستمرار يقلل من الميل للبكاء أو استخدامها كوسيلة للتعبير الانفعالي.
كما ان للثقافة دوراً كبيراً في تكريس هذا السلوك حيث لا يسمح للذكور بالبكاء في حين يسمح للاناث بذلك، ويفسر البعض نزعات العدوان لدى الذكور اكثر منها لدى الاناث نظراً لأن الاناث أكثر تعبيراً عن انفعالاتهن بالبكاء من الذكور.
وقد وجد حديثاً ان هناك علاقة وثيقة بين الوظائف الفسيولوجية والسيكولوجية للانفعالات عموماً، ووسائل التعبير عنها، سواء بالبكاء أو غيره من الأساليب، فقد تبين مثلاً ان البكاء ينشط الغدد الدمعية ويغسل مقلة العين ويطهرها ويقلل من الضغط الذي نتعرض له، كما تبين انه يؤثر على الأجهزة الفسيولوجية الأخرى مثل الشرايين والأعصاب التي تصبح متوترة في حالة الانفعال، كما تزداد ضربات القلب ومعدل النبض والتعرق ويزيد افراز الادرينالين من الكليتين، وهي من المؤشرات الفسيولوجية للقلق والاضطراب الانفعالي لدى الطفل الذي لا تلبث ان تخف حدتها بعد نوبة البكاء وتفريغ الطاقة والشحنة الانفعالية التي لدى الطفل، لذلك يجب ألا ينزعج الآباء والأمهات من بكاء اطفالهم باعتباره أحد وسائل التنفيس كما ذكرنا وبالتعلم الاجتماعي تقل نوبات البكاء لدى الطفل حين يعرف أن البكاء وحده ليس كافياً لتحقيق ما يريد وتغيير العالم المحيط به .