كاتب المقال :عبدالله المديفر
قبل عشر سنوات تقريباً ذهبت لأحد المسؤولين لأناقشه في عدم فسح أحد المنتجات التي تصدرها الجهة التي كنت أعمل معها ، وبعد نقاش طويل قال لي : ( لو فسحت يمكن يقال لي : ليش فسحت ، ولو منعت ما في أحد بيقولك : ليش منعت ) ، كانت عبارته صادمة لي ومثيرة للتأمل في نفس اللحظة ، فمبدأ السلامة على طريقة "مانت ملزوم" تطيل عمر المسؤول وتقلل من الأخطاء ولكنها في ذات الوقت تقلل من الانجازات الحقيقية ، ومن العبارات الجميلة للشيخ محمد بن راشد -حاكم دبي- والتي تعبر عن فلسفة جميلة في القيادة قوله : ( أنا لا أحاسب شخصًا يعمل خطأ، فمن يعمل لابد وأن يخطئ ، ونحن نقف مع الشخص الذي يحاول ويبتكر وإن أخطأ ) .
إننا بحاجة لضمان هامش الخطأ في حياتنا ، فالخطأ قرينة ملازمة للانجازات الناجحة في مسيرتنا ، ولا يمكن أن نتقن فنون الصواب إلا عبر مضائق الخطأ ، وهنا أتذكر أقصر مقابلة صحفية مفيدة لرئيس شركة ناجحة وكان من طبعه رفض مقابلة الصحفيين ، وفي احدى المرات النادرة سأله صحفي ذكي سؤالاً مفتوحاً : ماسر نجاحك ؟ فأجابه الرئيس : ( قرارات جيدة ) وصمت ، فقال له الصحفي : كيف تعلمت اتخاذ القرارات الجيدة ؟ قال له الرئيس : ( بالخبرة ) وصمت ، فبادره الصحفي مجدداً : وكيف اكتسبت الخبرة ؟ ، قال الرئيس : ( بالقرارات السيئة ) ، وهنا انتهت أهم مقابلة قصيرة اطلعت عليها لأني تعلمت منها طريق صناعة الخبرة .
مشكلتنا مع الأخطاء أننا ننشغل في الدفاع عنها أكثر من التعلم منها ، ويغيب عنا أن الأخطاء مدرسة ملهمة في تعلم الصواب وجامعة لاكتساب الخبرة ، ولذلك يقول دينيس ويتلي : ( مجموع أخطائك هو ما نسميه الخبرة ) .
في تربيتنا مع أطفالنا نمنعهم من عمل أشياء كثيرة حتى لا يقعوا في الخطأ ، وإذا وقعوا في الخطأ نعاقبهم بقسوة ، وغاب عنا أن الذي يخطئ ويعاقب لن يكرر المحاولة ، والعقاب الحقيقي يجب أن يوجه للذي لا يحاول حتى لا يقع في الخطأ ، وسياسة (بادر وتعلم من أخطائك) هي من أفضل قواعد التربية ، ولن تحقق ثمارها ما لم تعط المساحة الكافية للخطأ .
في لحظات الخطأ نشعر بالألم ، ويسيطر علينا شعور التدارك والتبرير ، ولو وجهنا هذه الشحنات السلبية إلى طاقة حفز تعليمي لخرجنا بمكتسبات أفضل .
راجع هوامش الخطأ في حياتك وأعد تدويرها في مصانع الصواب.