حتى لا يفقد الوطن إرادة الشباب
الشباب اليوم، إذا أرادوا أن يكونوا سبباً وكتلة مؤثرة في مسيرة نهضة بلادهم وتطورها ومجدها ورقيها، عليهم أن يلتفتوا إلى ما بداخلهم من طاقات وعزيمة وصلابة إرادة لا ترهبها هيمنة التقليد وجمود الأفكار
الإرادة هي قائد الرغبات والأفكار والخواطر الإنسانية إلى الفعل الإيجابي، وهي أن تريد شيئاً وتحدد ملامحه وترسم طريقاً لتحقيقه والوصول به إلى غاياته، والإرادة رحلة.. ومثلها مثل كل الرحلات تحتاج إلى زاد تستعين به على الوصول إلى غاياتها.. وأول ما تحتاجه رحلة الإرادة الفاعلة المنتجة هو وقود بالغ الأهمية والضرورة اسمه الحرية، والحرية بمفهومها الإيجابي المنتج المرغوب فيه هو الذي يمكن الإنسان من التحرر من كل المعوقات.. أن يتحرر من الخوف والطمع والخضوع لغرائزه ونزواته وشهواته، وتكون لديه القدرة على كبحها وترويضها والوقوف في وجهها حين يوسوس لها الخبثاء والشياطين لاستدراجها إلى حيث التدمير والتخريب والفساد والإفساد.
والمسيرة الإنسانية تؤكد أن الذين تركوا أثراً بارزاً هم المتحررون من سطوة غرائزهم، فأصحاب الرسالات الكبرى من الأنبياء والمصلحين حين "أرادوا" أن يحققوا رسالاتهم ومهامهم تحرروا من اليأس والقنوط والحسابات الضيقة التي لا تضع حساباً لقوة تأثير الإصرار على الحق ومواجهة الباطل والتخلي عن الطمع في ما لدى الآخرين.. وتحرروا من الخوف على الأبناء والمال وخسارة المكتسبات التي تخضع لها الأكثرية وتورث الجبن وتزرع الخنوع في النفوس وتسد الأفق في وجه البصيرة وتفسد صفاء العقول التي بها تشرق الأفكار وتتجمع الإرادات الخيرة.
أصحاب الأعمال الكبرى التي غيرت وجه التاريخ وعدلت مسارات الأمم من الكشوف الجغرافية والاكتشافات العلمية تحرروا من الرتابة والخضوع للمعهود والسائد والأفكار والعادات والتقاليد.. تحرروا من "إرهاب" المجهول وسطوته ومحتوياته، وحين أرادوا تجاوز المتعارف عليه وجدوا أنفسهم وقد تحررت من قيود الاستسلام لمعارف عصرهم والتسليم لغير ما يرون.
قادة الفكر ومنجزو التغيرات الاجتماعية الكبرى حين أرادوا تجاوز خطوط وقيود مجتمعاتهم المقيدة لأفكارهم والتقدم نحو الآفاق الجديدة الواسعة تحرروا من رهبة المعهود والخوف من القبضة الغليظة وابتزاز المال وسلطان الدعة والرفاهية وتطلعوا إلى الخلود في تعريف الإنسانية وهي الجائزة التي لم ينلها الخاملون ولا الخائفون ولا الطامعون.
والشباب اليوم إذا أرادوا أن يكونوا سبباً وكتلة مؤثرة في مسيرة نهضة بلادهم وتطورها ومجدها ورقيها عليهم أن يلتفتوا إلى ما بداخلهم من طاقات وعزيمة وصلابة إرادة لا ترهبها هيمنة التقليد وجمود الأفكار.. إذا أرادوا أن يكونوا شيئاً مذكوراً في تاريخ وطنهم وفي خريطة الإنسانية أن يتحرروا من متعة الاسترخاء والاتكاء على أعذار الضعف وقلة الحيلة، فالأعمال الكبرى والإنجازات المؤثرة والخطوات الواسعة لا يخطوها المترددون المتكاسلون المتراخون بل يمشيها أصحاب الطموح والهمم الكبرى الذين "أرادوا" أشياء وتحرروا من كل القيود التي تحول دون تحقيق أهدافهم. وبلادنا بخير.. فيها الثروة والمال والرجال والتاريخ المشرف وإذا أراد أبناؤها - كغيرهم من شباب العالم – أن يحققوا شيئاً فعليهم التحرر من الخوف والتردد ليمضوا في طريق ما يريدون.
تسليط الضوء على النوازع الخيرة في الإنسان وتجديد الحديث عنها وعن آثارها الإيجابية على حياة وتطور وتقدم المجتمع مسألة لا تحتاج إلى "مناسبات"، فهي طاقة متجددة متفاعلة مع الوقائع والأحداث.. ومن النوازع التي تستحق الرعاية والتغذية والحماية " إرادة التغيير" لدى الشباب، فهي قوة دفاقة ونبع من العطاء لا ينقطع متى ما أحسن استغلاله والاحتفاء به وتوجيهه نحو الأصلح والأصوب دون فقدان احترام استقلاله أو التهوين من قدرته على رؤية المسار الصحيح.
وحديثنا اليوم عن قيمة "إرادة الشباب" باعثه الاهتمام الملحوظ من الأمير خالد الفيصل بالشباب ورغبته الجادة في إشراكهم ليكونوا عاملا فاعلا في وضع وتنفيذ الخطة الإستراتيجية العشرية لمنطقة مكة المكرمة والدفع بهم إلى المساهمة في مجالس المنطقة بالرأي والمشورة. في الأسبوع الماضي اجتمع الأمير مع مجموعة من الشباب واستمع إلى آرائهم ومقترحاتهم وخرج مبتهجاً مسروراً لما سمع.. وقد قال في أحد لقاءاته مع المثقفين والإعلاميين : إن "كوارث" جدة غيرت نظرته إلى الشباب، إذ برهنت على أنهم ليسوا "غافلين" عن قضايا الوطن ولا غائبين عن همومه، بل هم في القلب منه، يعرفون أوجاعه ويحسون آلامه وينزعون إلى دفع كل ما يتهدده من أضرار.. ولا شك في أن تلك الكارثة الأليمة أظهرت معدن الشباب، فحين اجتاحت جدة السيول المدمرة تدافع الشباب.. بنين وبنات.. إلى التطوع، تدفعهم مشاعرهم الإنسانية وطاقاتهم الوطنية، وأدوا أعمالا أدهشت الكثيرين، خاصة أولئك الذين انتابهم القلق من حياة الدعة البادية على بعض شباب المدن وإقبالهم على مظاهر الترف حتى كادت سمات الجدية تختفي من على وجوههم وأجسادهم.
تحتاج التنمية إلى طاقات الشباب ورغبتهم في الحياة واستعدادهم للبذل وقدرتهم على العطاء، وهذا لا تنضج ثماره إلا في ظل المشاركة الحقيقية، بل وإعطائهم القيادة في بعض المواقع ليوظفوا علمهم ومهاراتهم في التعامل مع وسائل العصر. سيكون من المفيد أن تفتح الأبواب الموصدة في وجه حيوية الشباب وتمكينهم من تكوين جمعيات تطوعية توحد جهودهم وتنسق رغباتهم، حتى لا تهدر في تكرار الجهود. ومما يطمئن في هذا الاتجاه أن أمير المنطقة يقود هذا التوجه، ولم يبق إلا أن تمتد كل الأيدي لدعم الشباب، حتى لا يفقد الوطن إرادتهم الخيرة.
محمد المختار الفال.....الوطن