( لأدهم شرقاوي )
عندما كان فيها مستشفيات أقل وصحة أكثر!
محاكم أقل وعدلٌ أكثر!
وسائد أقل ونومٌ أكثر !
غزل أقل وحُبٌّ أكثر !
شعراء أقل وشِعرٌ أكثر !
دعاة أقل وإيمانٌ أكثر !
اتصالات أقل وتواصلٌ أكثر !
عندما كانت البنتُ إذا تزوّجتْ بكيناها في العرس كأننا في مأتمٍ لهول ما ينتظرنا من وجع الفقد ، وكان الشّاب إذا تزوّج زففناه كأنما نُشيّعه ، لأننا كنا ندري أننا لم نشبعْ من بعض ٍ! كنا إخوةً وأخواتٍ ولم نكن كاليوم نعيشُ في بيتٍ واحدٍ وقلوبنا شتى، كل ما يجمعنا مفتاح لذات الباب !
عندما كانت الأحاديثُ دافئة وكنا نتحدّثُ وجهاً لوجه ٍ، وقلباً لقلبٍ، فلم يكن هناك «واتسآب» نرسلُ فيه ابتسامةً وفي القلب غصّة، ونرسلُ فيه باقة وردٍ وفي اليد سكينٌ ، ونرسل فيه وجهاً دامعاً من شدّة الضحك وفي القلب قنبلة !
عندما كنا نعيشُ لأنفسنا ، فلم نكن نشتري ثياباً جديدة «للفيس بوك» ، ولم نكن نطبخ «لانستغرام» !
عندما كان عندنا معارف أقل وأصدقاء أكثر ! صار عندنا ألوف يعرفوننا عن بعد ، مجرد كائناتٍ افتراضيّة إذا مرضنا لا يعودنا منهم أحد ، وإذا تعثّرنا لا يمسك بأيدينا منهم أحد ، وإذا حزنّا نكتشف أن الألوف لا يساوون يداً كانت تربت علينا أو كتفاً كنا نبكي عليها !
عندما كانت الحماة أماً ثانية ، والعم أباً ثانيا ً، ولم يكن الأقاربُ عقارب !
عندما كان اليوم يمشي على مهل، وكان عندنا وقتٌ للالتفات للأشياء الصغيرة ، صارت الحياة سباقاً مع الوقت ، نركض فيها لننجز الأشياء الكبيرة ، دون أن ندري أن الأشياء الصغيرة كسؤال ولد عن مدرسته ، وبنت عن جامعتها ، وزوجة عن يومها ، هي الأشياء الكبيرة حقا ً!
عندما كان الناس يتركون ألف سبب للخصام ويبحثون عن سبب واحد للوفق ، صاروا يتركون ألف سبب للوفق ويبحثون عن سبب واحد للخصام !
عندما كان للناس خصوصية ، وللبيوت أسرار ! وكان الزوجان يختصمان فلا ينتبه الأولاد ، اليوم صارا يختصمان في «الفيس بوك» ونصلح بينهما بـ «كومنت» ، عندما كانت الزوجة إذا ذاقت المر في بيت زوجها توهم أهلها أنها تعيش في العسل، اليوم إذا قال لها طعامك مالح جمعت ثيابها وذهبت لبيت أهلها ! وعندما كان الزوج يمسك يد زوجته ويعبر بها الشارع كأنها ابنته التي تعلّمت المشي حديثا ً، صار يتركها تعبرُ الحياة وحدها !
عندما كان البشر يعيشون وفي طريقهم يجمعون شيئاً من المال لتصبح معيشتهم أسهل ، صاروا يريدون حياةً أطول ليجمعواً مالاً أكثر وتصبح حياتهم أصعب ! وعلى مشارف الموت يتذكرون أنهم نسوا أن يعيشوا !