لم يذهب الملك العادل لجازان ليشعل الحروب، والانقلابات، أو العبث بحدود دولة شقيقة، وإنما ذهب ليكون سحابة تمطر العواطف وبناء عشرة آلاف وحدة سكنية للمهجّرين، وليرى كيف حال أفراد قوة دفاعه عن الحدود، وهذا ما لا نجده عند بلدان أخرى تصادر جنسيات مواطنيها وتمنعهم من حرية التنقل داخل بلدانهم، ونزع صفة المواطنة التي تشمل مختلف الحقوق المعترف بها إنسانياً وقانونياً..
هذه الخطوة جاءت بعد أيام من مأساة حوادث جدة، وهي روح القائد الذي باعد بين الأفكار الخيالية، والوعود والأماني التي لا تتحقق، والتطبيق العملي لأي مشاريع طارئة، كأحوال جازان، أو مخطط لها مسبقاَ ضمن خرائط واعتمادات، وكلها تعود لمصلحة المواطن الذي أصبح همّ خادم الحرمين الشريفين الأساسي وكحق طبيعي يراه في مختلف الظروف، ولذلك جاءت مبادرته في إنشاء المشروع الكبير دون إنشاء لجان، أو تقديم قوائم، أو اعتبار إصدار القرار السريع كسباً للأضواء الإعلامية تنقله بصوره المعاكسة للواقع، بل إنها جاءت من داخل المواقع ليعلن هبّته الكريمة، مع الإصرار لأنْ تكون مدة التنفيذ عاماً واحداً، وذلك حسماً لئلا يكون على حدودنا أو أرضنا لاجئون، أو من رأيناهم يسكنون مدن الصفيح أو العشش انتزاعاً لكرامتهم وإنسانيتهم في بلدان أخرى، وهذا التقيد بالالتزام من رجل كبير بقامة الملك عبدالله، يؤكد على أبوته وتلاحمه مع قلوب ونفوس شعبه..
جنودنا في ساحة المعركة يمثلون مبادئ المواطنة الكاملة في روحهم واستشهادهم ، ومن حقنا أن نضعهم في أعلى سلالم البطولة عند أدائهم واجباتهم، لكن على الجانب الآخر نرى التقصير مخجلاً من رجال الأعمال والشركات والبنوك عندما تحدث كارثة بحجم ما حدث في جدة، أو مهجّري الاعتداء على حدودنا، ولا نجد المبادرات الإنسانية في المساعدات الغذائية، والإيواء، والتبرع بالأدوية، أو إجماع على إيجاد صندوق مساعدات ترعاه الغرف التجارية، بل وجدنا متفرجين يشهدون الحادثة ولا يتفاعلون معها، وكأننا في مشهد يحدث خارج حدودنا بآلاف الأميال، وهي طبيعة الرأسمال الطفيلي، الذي نجده يباشر برفع الأسعار وتهريب العملات، والتهرب من توظيف المواطن، والاستثمار بالخارج، وفق مبررات يجدون لها منافذ لمنافعهم فقط..
المواطنة ليست استعارة لحمل الهوية فقط ولا خداعاً للنفس، ولعل الاختبار الصعب عندما تظهر الأزمات ونجد من يبادر أو يمانع، وهي حالات لا تفسير لها، إلا أن الدولة غنية، وعليها أن تقوم بواجبها، وكأن العمل الوطني هو مجرد فرض كفاية إذا قامت به الدولة سقط عن الباقين، ولعل الذين قاموا بإيواء الأفراد والعائلات، أو من أنقذوا الغرقى، أو ساهموا بأي عمل آخر، هم من يحملون حقيقة المواطنة الصحيحة، ومثلهم أفراد قواتنا المسلحة الذين تفاعلوا مع واجباتهم، وكانوا مثالاً للتضحية..
المهم أننا رأينا التجربة ، والاختبارات، فكان الملك عبدالله وحده من ملأ الفراغ وسدّد كل الحسابات..