الحجامة".. سحب للأموال بدلاً من "الدم الفاسد" أحياناً!
- سؤال من متضرِّرين: هل يعرف مسؤولو "الصحة" شيئاً عن شارع "الحجّامين" في "شميسي الرياض"؟
- 15 طبيباً سورياً توصّلوا إلى نتائج مذهلة بعد فحص دم وريدي قبل وبعد إجراء "الحجامة"
- طبيب بريطاني: كريات الدم البيضاء ترتفع بعد "الحجامة" بحدوث تنشيط لنخاع العظم
سعد سالم – سبق- الرياض: المسافة بين المعرفة وادعائها "شعرة"، تكفي لجر المصائب، حتى إن كان ادعاء المعرفة بقصد فعل الخير للآخرين.
قد ينطبق هذا الحال، على وقائع متعددة تحدث في عالم ممارسي الطبي الشعبي، وخصوصاً بالنسبة لأعمال الحجامة، التي تختص بشفط الدم الفاسد بطرق محددة، إذ إن الأمر لا يخلو من تتالي الفرص السانحة لتوالد الميكروبات، والولوج إلى أمراض أخرى لا تخطر على بال أو خاطر، ولعلها تكون حينئذ أكثر صعوبة من المرض الذي من أجله جاء طالب الحجامة.
هاتفني أحد الأصدقاء، حيث سبق له أن عمل "الحجامة"، وأكد أنه منذ شهر لم يجد الفائدة المرجوَّة من اللجوء إليها، كما هو معروف ومنتشر عنها.. التقيت بــ"عبدالرحمن"، فكشف لي عن المواضع التي أجريت فيها تلك "الحجامة، ابتداء من الرأس وحتى القدمين.. في الحقيقة أن ما أُجري له ليس بالحجامة الحقيقية، حيث يبدو بأن من نفّذ العملية، إما رجل جزار محتال أو شخص مبتدئ لا يعلم كيف تُستخدم أدوات الحجامة.
أكد عبدالرحمن أنه قام بالاتصال على رقم وجده منشوراً في أحد مواقع الإنترنت، وحدد معه موعداً للقيام بالحجامة، ومن ثم حدث ما حدث، فقد تسببت له تلك الجروح بمضاعفات كادت تؤدي إلى "غرغرينا" قاتلة، لولا أنه تدارك الأمر وذهب لطبيب مختص في الطب الشعبي أجرى له الفحوصات اللازمة، ومن ثم أعاد له عملية الحجامة مرة أخرى وبالطريقة السليمة المتعارف عليها.
قرار الدخول للمهمة
فكرت في التعرف على من نفّذ الحجامة لصديقي عبدالرحمن، من خلال موقع الإنترنت الذي أخذت عنوانه. وددت فعلاً التعرف على الحجامة قبل تنفيذها، حيث قال لي ذلك "المحتال" عقب أن سألته عن مؤهلاته وعن التصريح الرسمي من وزارة الصحة: "إنني أترزق الله"، مؤكداً امتلاكه خبرة في الحجامة لا تستدعي حصوله على مؤهل يؤهله للقيام بها. خضت معه في حديث طويل عن علم الحجامة، حدثني بكل ثقة عن عالمها، وما تؤديه من راحة لجسم الإنسان، وما تعود عليه بالنفع، ذاكراً أدلة من الكتاب والسنة تنصح بالقيام بالتحجم.
لقد بدا لي أنه على الرغم من عدم حصوله على شهادات علمية تمكِّنه من ممارسة الحجامة، أنه شخص مطلع ومبحر في هذا العلم والطب الشعبي المعروف.
قررت حينها أن أقتحم عالم الحجامة والبحث فيها والجلوس مع أطبائها، ومشاهدة كل تلك الأدوات التي تستخدم لاستخراج "دم فاسد"، وسط تجاهل رقابي من جهات الاختصاص لما آلت إليه الأمور في شارع الشميسي في الرياض، الذي يشتهر بالحجّامين من جميع الأطياف وبأدواتهم التي كساها "الصدأ".
البداية كانت بوضع إعلان في أحد المراكز التجارية الكبرى شرق الرياض، بالإضافة إلى توزيعه على بعض "مكائن الصرافة"، نظراً لتعدد الفئات السنية التي ترتادها. كتبت على ورقة الإعلان: "للباحثين عن الراحة والاسترخاء – حجامة في أقل من ساعة وبطريقة شرعية- الاتصال على رقم.....". في الحقيقة كان التوقع مخالفاً للواقع، فما هي سوى ساعات قليلة حتى توالت الاتصالات على الحجّام (محرر "سبق")، حيث تنوعت فئات المتصلين، فمنهم الشيخ الكبير الذي يعاني من آلام في العظام، والمرأة الباحثة عمن يقوم بـ"تحجيم" ابن لها، وشاب في مقتبل العمر يعاني وعكات صحية متتالية ونصحه أقرانه بعمل الحجامة.
من هنا، بدأت رحلة طويلة استمرت 4 أيام من استقبال الاتصالات العديدة من المواطنين والوافدين كذلك، الذين تركزت أسئلتهم عن سعر الحجامة، متجاهلين السؤال الأهم وهو المؤهل العلمي الذي مكنني من ممارسة هذا الطب الشعبي، أو حتى التصريح الرسمي لمزاولة هذه المهنة.
استقبال الحالات
في اليوم الأول، وتحديداً منذ استقبال أول اتصال الساعة السابعة مساءً، بدأت الطلبات، وتواصلت حتى الساعة الحادية عشرة من اليوم الثاني، استقبلت خلالها 78 اتصالاً، جميعها تطلب الحجامة بشكل فوري، دون التحقق من إمكانيات "الحجّام" أو عن مؤهلاته وتصريح وزارة الصحة.
في الحقيقة كانت جملة "أنا خارج مدينة الرياض لمهمة عمل"، هي السبيل الوحيد للنجاة من الوقوع في إشكالية مع أحد المتصلين، حيث لم يتم تحديد أي موعد مع أي متصل.
في اليوم الرابع، الذي سجل معدل اتصالات ضخمة تجاوز 118 اتصالاً، اشترط بعض المتصلين الساعين للحصول على "حجامة" سريعة، تخفيض السعر، بعد أن حددت لهم مبلغ 280 ريالاً، ولم تراع الاستفسارات السؤال الأهم عن المؤهلات والتصاريح الرسمية من وزارة الصحة.
عملية "حجامة" بمبلغ 280 ريالاً في 4 أيام لعدد قد يتجاوز 120 متصلاً، كانت كفيلة بضخ مبلغ يقارب 30 ألف ريال، فقط توفير مشرط وفوطة صحية وبعض مستلزمات الحجامة، للظفر بوظيفة تغني عن أي عمل آخر!.
كان الغرض من الإعلان والقيام بهذه المهمة -التي أوقعت المحرر في حرج كبير مع عدد من المتصلين لاسيما أنه كان منهم بعض الشخصيات- الوصول إلى معرفة مدى ثقافة المواطن واطلاعه على مثل هذه العمليات، التي قد تتسبب بمضاعفات وأمراض، كتلك التي كادت أن تتسبب لعبدالرحمن بـ"الغرغرينا".
هنا يبرز السؤال الذي لابد من الإجابة عنه من قبل الجهات المختصة: أين الدور الرقابي لوزارة الصحة وعملها في حماية المواطنين من جهل وجشع هؤلاء الحجّامين؟ ومتى يعي المواطن خطورة التعامل مع هؤلاء على صحته؟.
طيلة 4 أيام تمكنت من الكشف عن طريقة سهلة في الخداع والدجل وادعاء المعرفة بالطب الشعبي.
أنهيت مهمتي وأنا أرأف بحال بعض المواطنين الذين يسهل خداعهم والنصب عليهم، إضافة إلى دفعهم مبالغ مالية كبيرة من أجل البحث عن الراحة وطرد السموم من الجسم.
اعترافات مواطنين
سعد السبيعي أحد مرتادي "الحجّامين" بشكل مستمر، قال معترفاً: "عانيت مراراً وتكراراً من هؤلاء الحجّامين، الذين لا يحملون تصريحاً رسمياً لمزاولة الحجامة، وتنقلت بين كثير منهم طلباً لحجامة نظيفة وفعالة في ذات الوقت، لكن مع الأسف وبحكم تجاربي الكثيرة والعديدة معهم بشتى جنسياتهم، وجدت أنهم لا يسعون إلا للأرباح دون الاهتمام بسلامة المريض سواء مواطناً سعودياً أو مقيم". وأردف السبيعي: "هناك حجامون أصبحوا يتقاضون على حجامة الموضع الواحد مبلغ 100 ريال، وهنا قد تصل مواضع الحجامة في الجسم الواحد إلى 9 مواضع"، مشيراً إلى عدم اهتمام بعض الحجّامين بالنظافة العامة سواء النظافة الجسدية أو حتى نظافة بعض معداتهم الخاصة بالحجامة، وأضاف: "كما أنهم لا يوفرون مكاناً مخصصاً وآمناً من التلوث.
وأتذكر هنا قصة أحد الأصدقاء من شمال السعودية، حيث كان الحجام معه في السيارة، وكان هاتفه النقال لا يتوقف عن اتصال الزبائن؛ ما جعله يقول لصديقي إن "منزلك يبدو بعيداً، دعني أجري لك الحجامة هنا في السيارة"، وهذا دليل على عدم اهتمامهم بالمكان المناسب الخالي من التلوث، حيث يسعون للمال فحسب.
وناشد السبيعي المسؤولين في وزارة الصحة بضرورة التدخل، ومنع تجار الحجامة من التمادي في خداعهم وسعيهم الحثيث للمال على حساب المواطنين وغيرهم من المقيمين، كما طالب بوضع آلية تحد من خطورتهم، من خلال وضع ضوابط وشروط لمن يرغب في مزاولتها، وتساءل قائلاً: "لم لا يتم فتح مجال لدراسة هذا العلم من علوم الطب الشرعي في كليات الطب بالجامعات؟، حتى يكون مزاول هذه المهنة صاحب شهادة وخبرة وتحت مظلة وزارة الصحة".
رأي اختصاصي
من ناحيته أكد الدكتور عبدالله القشيري اختصاصي الطب الطبيعي والتكميلي والبديل، أن المقصود من الحجامة "سحب الدم من باطن الجسم إلى سطح الجلد بواسطة محاجم أو كاسات مختلفة الأشكال والأحجام. وبعدها يتم إخراج الدم عبر خدوش سطحية فيما يُعرف بـ"الحجامة الكاملة أو الدموية"، وقد يُترك الدم المحصور تحت الجلد ليمتصّه الجسم مرة أخرى فيما يُعرف بـ"الحجامة الجافة".
وأضاف الدكتور القشيري: "أشارت الدراسات والأبحاث الحديثة إلى فوائد الحجامة في عدد من الحالات المرضية مثل: احتكاك المفاصل وآلام العضلات, التهاب المفاصل (الروماتويد), الصداع النصفي, حب الشباب، الإكزيما, السمنة البسيطة، الإمساك، وغيرها، بالإضافة إلى دور الحجامة كمعتقد ديني راسخ, في الشعور بالتوازن الروحي والعقلي للمريض".
وعن تاريخ الحجامة، أكد الدكتور القشيري أنها تعود إلى أكثر من خمسة آلاف عام، حيث كانت أحد أهم الوسائل العلاجية لكثير من حضارات العالم، حيث استخدمتها حضارات آشور وبابل ووجدت رسوم فرعونية تدل على الحجامة وسحب الدم من سطح الجلد عبر الكأس في معبد كوم أمبو ومقبرة الملك توت عنخ آمون، كما جاء ذكرها في بردية أيبرز، التي تعود لعام 1550 قبل الميلاد، وتعد أقدم المراجع الطبية المعروفة".
وأضاف: "في الطب الصيني تعتبر الحجامة- خاصة الجافة- من أساسيات العلاج، وذُكرت في كتاب الأمراض الداخلية للإمبراطور الأصفر الذي حكم عام 2500 قبل الميلاد. كما كان الهنود في الطب الأيورفيدي، الذي يعود إلى 5000 سنة، يستخدمون القرون المجوفة لبعض الحيوانات أو أغصان شجر البامبو أو كؤوس الفخار، ومن ثم الزجاج، لسحب الدم وتفريغ الهواء وإخراج الدم من الجسم. كما استخدمت الحجامة في عهد الفيلسوف اليوناني أبوقراط، الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، ثم الرومان، إلى أن جاء الإسلام وأقرها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعملها وأمر بها، فروى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشفاء في ثلاث: شربة عسل, وشرطة محجم , وكية بنار وأنا أنهى أمتي عن الكي". وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "احتجم وأعطى الحجّام أجره". وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم ثلاثاً: واحدة على الكاهل (أعلى الظهر) واثنتان على الأخدعين (أعلى العنق)". وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له بصاعين من طعام، وكلّم مواليه فخففوا عنه من ضريبته وقال: خير ما تداويتم به الحجامة".
وحث الدكتور القشيري الجهات التنظيمية المسؤولة، بالمسارعة في تسنين الضوابط والتشريعات المنظمة لممارسة الحجامة في المجتمع.
دراسات عن الحجامة
كشفت العديد من الأبحاث والدراسات التي أجريت حول الحجامة، أن لها فوائد عظيمة يجهلها الكثير من الناس، فالحجامة تؤدي دوراً مهماً في تفعيل وظائف مختلف أعضاء الجسم وتقيها من الأمراض, فتخرج التالف والهرم من الكريات والشوائب، فتزيد التروية الدموية لكل الأنسجة والأعضاء؛ ما يخفف عن الكبد عبئاً كبيراً فينشط لتأدية وظائفه بوتيرة عالية. كما أن هناك أبحاثاً ودراسات عن الحجامة توصلت إلى نتائج جيدة عند الأطفال المصابين بالشلل الدماغي، وأيضاً التجارب والنجاحات المبشرة في علاج البدانة والأمراض المتعلقة بضعف المناعة في البدن وفي علاج حب الشباب المعقد.
وفي الدراسات العربية، أجرى الحجامة فريق طبي سوري من خمسة عشر طبيباً من كلية الطب بجامعة دمشق لأكثر من ثلاثمائة شخص، اعتمدوا فيها على أخذ عينات من الدم الوريدي قبل وبعد الحجامة، وبعد إخضاع هذه العينات لدراسة مخبرية كاملة تم التوصل إلى نتائج مذهلة، لوحظ فيها اعتدال في ضغط الدم والنبض، وانخفاض في كمية السكر في الدم، وارتفاع عدد كريات الدم الحمراء بشكل طبيعي وارتفاع عدد كريات الدم البيضاء وزيادة الصفائح الدموية، كما لوحظ اعتدال شوارد الحديد بالدم وانخفاض الكولسترول عند الأشخاص المصابين في ارتفاعه. وينقل الدكتور أيمن الحسيني عن عدد من الباحثين خلاصة دراستهم العميقة للارتكاسات الإيجابية الجيدة التي تحصل نتيجة الحجامة، فقد قام فريق طبي بدراسة مخبرية لدم الحجامة، ومن الطريف أن أغلب الكريات الحمراء هرمة وشاذة وكانت نسبة الكريات البيضاء محدودة نسبياً، وكأن الحجامة تحفظ بذلك خلايا الدم السويّة بينما تخلص البدن من الخلايا الشاذّة.
أما الطب الغربي - خصوصاً الفرنسي- فهو يعترف بفوائد الحجامة في الأمراض الجلدية، وخاصة الذئبة السلية والذئبة الحمامية والأكالات الحادة. وينقل عن الطبيب الفرنسي كانتيل توصُّله لحقيقة مفادها أن الأشخاص الذين أجريت لهم الحجامة، تزيد عندهم قدرة الكريات البيضاء على إنتاج الأنترفيرون بمعدل عشرة أضعاف قدرتها بعد عمل الحجامة، مقارنة بقدرتها على إنتاجه عند الأشخاص غير المحجومين، ومادة الأنترفيرون هذه هي مادة بروتينة تصنعها الكريات البيضاء، ولها مفعول قوي ضد الفيروسات التي يمكن أن تغزو الجسم، وبالتالي فإن زيادة الأنترفيرون تعني زيادة مناعة الجسم ضد العدوى والمرض.
كما يؤكد الدكتور كانتيل من جامعة كامبردج أن عدد الكريات البيضاء في الدم ترتفع بعد الحجامة، ويفسر ذلك بحدوث تنشيط لنخاع العظم المنتج للكريات البيضاء بعد الحجامة، وكأنه قد أفاق وتخلص من تعبه بعد تخليص الدم من الشوائب والأخلاط الغريبة.
وعن خلاصة لدراسة أمريكية يكتب الدكتور الحسيني: "إن التهاب الكبد الفيروسي في حالاته الشديدة يزيد من القابلية للإصابة بسرطان الكبد، وتضيف الدراسة أن نسبة حدوث هذا السرطان عند الرجال حوالي (74%)، بينما تنخفض النسبة عند النساء إلى حوالي (6%)"، واعتبرت الدراسة أن أهم أسباب هذا الفارق الكبير في نسبة الإصابة بسرطان الكبد بين الجنسين هو تميز النساء بالمحيض، معتبرين أن خروج دم الحيض ينقي الجسم ويريح الأعضاء وكأنه حجامة طبيعية.
وفي هولندا، أجري بحث على نسبة خمائر الكبد المرتفعة في كل الحالات المرضية، وتبين أنها تعود إلى حالتها الطبيعية بعد الحجامة
منقول من سبق