تصدق على فقراء الأخلاق
آذى رجلا الإمام الشافعي عليه رحمة الله فقال له
" إن استطعت أن تغير خلقك بأفضل من هذا فافعل وإلا فسيسعك من أخلاقنا ما ضاق عنا من خلقك "
فما أجمله من خُلق عندما تتصدق على فقراء الأخلاق
كم قابلنا في الحياة
قلوبا مختلفة
ألسنة مختلفة
قلوبا أحبتنا وأحببناهم
وقلوبا حملت لنا مشاعر الكره و الحسد
أما الألسنة
ألسنة سمعنا منها كل الخير
و ألسنة عانينا منهم
ألسنة سعت لتفسد علينا حياتنا
ألسنة أظهرت ما خبأت في قلوبها تجاههنا
فأساءت لنا بأقوالها و أفعالها
فمشت بالنميمة و الغيبة و السوء لنا و علينا
ألسنة تمنت زوال الخير عنا
و أمام هذه القلوب و الألسنة
نقف أحيانا حائرين .. متألمين .. و متأملين لتصرفاتهم
و نتساءل ؟؟
لما هذه المعاملة السيئة ؟؟
لما هذا الحسد و الحقد و تمني السوء لنا ؟؟
لما قلوبهم عميت و أبصارهم قد غطاها دخان سوء أخلاقهم ؟؟
فنجد أنفسنا أمام طريقين
طريق اتباع هوى النفس
أن نعاملهم بمعاملتهم .. ونملأ قلوبنا كره لهم ونحذو حذوهم و نصنع صنيعهم
أو طريق التصدق ؟؟؟؟؟
فلنسلك جميعا الطريق الثاني وهو التصدق على فقراء الأخلاق
فهؤلاء لو حسنت أخلاقهم .. لحسنت قلوبهم
وملأها الإيمان الصادق .. حب العفو والخير للغير
و لما كان هذا فعلهم
و لكن لما وجدنا منهم ذلك
فعلينا أن نلزم أنفسنا و قلوبنا الطريق الثاني ..
طريق النجاة و الفلاح بحول الله و قوته ..
(( طريق التصدق عليهم ))
فنكسب نحن رضا ربنا
و نحافظ به على قلوبنا
من أن تُلوث بالانشغال بالرد عليهم والنظر لأفعالهم والتألم لفعلهم وقولهم
فنملأ قلوبنا بالعفو عنهم
والتغاضي عن سوء أفعالهم
بل
و التصدق عليهم بحسن فعلنا وأخلاقنا
(( ولا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) (فصلت:34).
فيا كل من قابل قلوبا وألسنة أساءت إليه
تصدق على فقراء الأخلاق
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حث يوما على الصدقة فقام علبة بن زيد فقال: ما عندي إلا عرضي فإني أشهدك يا رسول الله أني تصدقت بعرضي على من ظلمني. ثم جلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : (أين علبة بن زيد؟) قالها مرتين أو ثلاثا فقام علبة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أنت المتصدق بعرضك؟ قد قبل الله منك).
الحديث صححه الشيخ الألباني في فقه السيرة(ص: 405).
وذكر ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين أن الجود عشر مراتب سابعها الجود بالعرض
كجود الصحابي أبي ضمضم رضي الله عنه كان إذا أصبح قال: (اللهم لا مال لي أتصدق به على الناس وقد تصدقت عليهم بعرضي فمن شتمني أو قذفني فهو في حل). فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : (من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم).
وقال ابن القيم رحمه الله:
يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لا يعلمها إلا هو..
وإنك تحب أن يغفرها لك الله، فإذا احببت أن يغفرها لك فأغفر أنت لعباده..
وإذا أحببت أن يعفوها عنك فأعفو أنت عن عباده..
تعفو هنا يعفو هناك.. تنتقم هنا ينتقم هناك.. تطالب بالحق هنا يطالبك بالحق هناك..
لهذا عود نفسك أن تقول كل ليلة: (اللهم أيما عبد أو أمة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يحبني ويدعو لي فأسألك له الفردوس الأعلى) فيرد عليك ملك ويقول ولك مثل ذلك -أي لك الفردوس الأعلى-..
ثم تقول: (اللهم أيما عبد أو أمة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم اغتابني أو ظلمني أو بهتني أو قذفني أو قال في ما ليس في فإني قد عفوت عنه وتركتها له)
فيرد عليك ملك ويقول ولك مثل ذلك
-أي لك العفو من الله .
فلنحرص على أن نكون كعلبة بن زيد رضي الله عنه وكأبي ضمضم رضي الله عنه ونتأسى بهم ونحذو حذوهم ونعفو ونسامح كل من ظلمنا أو قذفنا أو اغتابنا ولنحتسب الأجر على الله
قال تعالى: (فمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)(الشورى40).
ولعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عفونا عن من ظلمنا واغتابنا سببا في أن يسخر لنا قلب كل من ظلمناه أو اغتبناه فيعفو عنا ويسامحنا جزاء ما فعلنا مع غيرنا.
اللهم آمين