غلاء الأسعار.. التلاعب ،الاحتكار ،التضخم والارتباط بالدولار
من الواضح أن هناك عوامل داخلية، وأخرى خارجية متداخلة لها تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على ما يشهده السوق السعودي من ارتفاع حاد في الأسعار، اثر إلى حد كبير على دخول ومستوى المعيشة والحياة للغالبية الساحقة من المواطنين، وتحديدا ذوي الدخل الثابت، و المحدود، وشرائح واسعة من الطبقة الوسطى، حيث شمل الغلاء وارتفاع الأسعار كافة السلع الاساسية، مثل المواد الغذائية بكافة أنواعها، ومواد التشييد والبناء، إضافة إلى أسعار العقار والإيجارات، إلى جانب السلع الاستهلاكية والكمالية الأخرى.
ومع تضارب التصريحات حول مسببات ذلك الارتفاع، وردها في البداية إلى عوامل خارجية، ثم ما رشح مؤخرا من تصريحات وانتقادات، من رئيس وأعضاء في مجلس الشورى، وتحذيرات وزير التجارة والصناعة، التي تفيد إلى أن هناك عوامل داخلية، تتمثل في التلاعب والاحتكار من قبل بعض التجار و الوكلاء والموزعين للمواد والسلع الأساسية، مثل المواد الغذائية (الخضروات واللحوم والأرز والتمور والعصائر والمعلبات بكافة انواعها) والعلف الحيواني، ومواد البناء (السباكة والكهرباء والاسمنت) والرعاية الطبية، و وسائط النقل، وغيرها، والتي يفاقمها استمرار ارتفاع تكلفة الخدمات (كهرباء، هاتف، مياه) إضافة إلى العوامل والمسببات الأخرى، التي تتمثل في التضخم، وانخفاض العملة السعودية نتيجة ارتباطها بالدولار، حيث سجل معدل الأسعار أعلى مستوياته في غضون السبع سنوات الماضية، كما ارتفع التضخم إلى قرابة 4%. والتضخم كما هو معروف يعني زيادة مستمرة في الأسعار نتيجة الاختلال ما بين العرض والطلب، ووجود كمية واسعة من الأموال التي تتجاوز القدرة على تثميرها واستيعابها في الاقتصاد الوطني على الوجه الأمثل، وهنا نشير إلى ارتفاع الإنفاق الحكومي والطلب الكلي، وتوفر فوائض أموال قدرت في العام الماضي فقط بحوالي 290 مليار ريال، وما أحدثه رغبة الدولة في التخلص من مديونيتها من خلال شراء السندات الحكومية، مما أدى إلى ارتفاع الكتلة النقدية، مع عدم وجود قنوات استثمار بديلة.
و قد توقعت ساب “ البنك السعودي البريطاني” أن يبلغ التضخم في المملكة قرابة 4% في العام الجاري، مما يشكل وداعا نهائيا لسنوات عدم التضخم، مع احتمال زيادة النسبة بسبب ارتفاع أسعار المنازل والعقارات، ولفتت إلى إن ذلك يدل على إن التضخم ناتج عن عوامل داخلية بالدرجة الأولى، غير انه لا يمكن إغفال ما يطلق عليه التضخم المستورد، والذي يعود في جزء منه إلى ارتفاع اكلاف السلع المستوردة لأسباب مناخية وغيرها، لكن السبب الرئيسي في نظر العديد من الاقتصاديين السعوديين والأجانب، يعود إلى ارتباط العملة الوطنية (الريال) بالدولار، والذي يؤثر حتما في زيادة الأسعار في ظل الانخفاض المستمر في قيمة الدولار إزاء العملات الأخرى مثل اليورو والين والجنيه الإسترليني واليوان الصيني، وهو ما يؤدي إلى الانخفاض التلقائي لقيمة الريال إزاء العملات الأخرى، وبالتالي ارتفاع قيمة الواردات السعودية، من الدول التي لها عملتها القوية الخاصة بها مثل دول الاتحاد الأوربي واليابان والصين والهند وغيرها من الدول غير المرتبطة بالدولار، وأوضحت بعض التقارير تراجع الريال بنسبة 11% مقابل اليورو وهي العملة التي تستخدمها دول الاتحاد الأوربي التي تمثل اكبر مصدر للمملكة.
وذكرت افتتاحية صحيفة الخليج الاقتصادي عن معاناة دول الخليج التي ترتبط عملتها بالدولار إن “عائدات دول الخليج تفقد بسبب الدولار الضعيف أكثر من 20 مليار دولار سنويا لكن لحسن الحظ تعوضه بشكل غير مباشر الارتفاعات السعرية للدولار “ . والسؤال هنا ماذا لو انخفضت أسعار البترول لأي سبب من الأسباب. كما أشارت الصحيفة نفسها إلى معاناة الدول التي ترتبط عملتها بالدولار قائلة إن” قدرتها الشرائية ضعيفة فما تحتاجه لشراء سلعة ما من أوربا أصبح يزيد 25% على سعرها قبل عام “ علما بأن الدولار فقد حوالي 6،7% من قيمته أمام اليورو منذ مطلع العام الجاري، كما أن الاستثمارات العربية وجلها من دول الخليج والتي تقدر بأكثر من 1،5تريليون دولار الموظفة معظمها في سندات الخزانة والأسواق والبورصة الأمريكية المقومة بالدولار فقدت الكثير من قيمتها، كما أظهرت دراسة أخرى أن أقل معدل زيادة في الرواتب في دول مجلس التعاون كانت في السعودية حيث بلغت حوالي 7،5 % في القطاع الخاص ووسطيا حوالي 12% خلال العام الماضي، مقارنة مع 17%في الكويت وقطر، و15% في الإمارات، و13 % في البحرين، في حين زادت الأسعار بمعدل وسطي ما بين 20 و27% لنفس الفترة.والسؤال المطروح هنا هل تحذو السعودية حذو الكويت وعمان وربما الإمارات العربية المتحدة في المستقبل القريب في اعتماد المعاير الاقتصادية والنقدية، متجاوزة المعايير السياسية، وبالتالي فك ارتباط عملتها بالدولار الضعيف، واللجوء إلى سلة عملات من بينها الدولار، وترك عملتها حرة تتحدد أسعارها حسب السوق، وهو ما يصب في صالح اقتصادها النامي و المتين ؟ السؤال الآخر هل نشهد صدور أنظمة وتشريعات جديدة إلى جانب تقوية المؤسسات الرقابية الحكومية والأهلية للحد من التلاعب واحتكار الأسعار من قبل قلة من الجشعين والمتلاعبين بقوت الشعب ؟.
نجيب الخنيزي /عكاظ