توصية بإغلاق آبار مياه الشرب في السعودية بسبب تجاوز «النترات» الحد المسموح به
4-9-1427 هـ
الموضوع: تلوث المياه
أوصت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بإنشاء محطات تنقية لإزالة النترات في المواقع التي تستخدم مياه الآبار مباشرة وتحتوي على تراكيز تفوق الحد الأقصى المسموح به في مياه الشرب• كما يوصى باتخاذ إجراءات حيال الآبار التي تحتوي مياهها على تراكيز عالية للنترات بما في ذلك قفلها والبحث عن مصادر مياه بديلة ذات محتوى نتراتي منخفض.
وحثت المدينة وزارة المياه بالإسراع في بناء قواعد معلومات تتضمن معلومات تفصيلية عن آبار مياه الشرب في السعودية بما في ذلك جودة المياه فيها• ودعت المدينة لوجود حاجة ماسة للتحكم في المصادر المحتملة لتلوث المياه الجوفية من خلال تطبيق المواصفات ومراقبة النشاطات الزراعية، كذلك استكمال شبكات الصرف الصحي ومحطات المعالجة.
وجاء ذلك في أعقاب انتهاء فريق بحثي مكون من كل من الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم العبد العالي من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية كباحث رئيسي ومشاركة كل من الدكتور عبد الله بن محمد الرحيلي من كلية الهندسة ـ جامعة الملك سعود والدكتور عبد الله بن إبراهيم الزرعة والدكتور مجاهد خان من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية من اكمال دراسة علمية عن تراكيز النترات وطرق إزالتها من مياه الشرب في السعودية استغرقت أكثر من خمس سنوات وبميزانية 1.2 مليون ريال (320 ألف دولار).
وتكمن أهمية الدراسة الأولى في السعودية في جانب هام وهو قياس تراكيز النترات في مياه الشرب وذلك لخطورة تجاوز تركيز النترات الحد المسموح به على صحة الإنسان والذي حددته كل من وكالة حماية البيئة الأميركية ومنظمة الصحة العالمية والهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس بـ (45 ملجم/لتر) نترات كحد أقصى، حيث ان الزيادة عن هذا الرقم تتسبب في آثار صحية خطيرة، خصوصا على الأطفال الرضع وقد تكون قاتلة وذلك لكون الحموضة المنخفضة في الجهاز الهضمي للرضيع تؤدي إلى نمو بكتيريا تقوم باختزال النترات وتحويلها إلى نتريت والذي ينقل إلى الدم، وللنتريت شراهة عالية للهيموغلوبين مقارنة بالأوكسجين وبذلك يحل النتريت مكان الأوكسجين في الدم مكونا الميثموجلابين، وبذلك فان الجسم يحرم من الأوكسجين الضروري له وفي الحالات الشديدة يؤدي إلى اختناق المصاب حتى الموت، ولأن نقص الأوكسجين في الدم يؤدي إلى أن يصبح الجسم مائلا إلى الأزرق، فان التسمم بالنترات يطلق عليه متوالية «الطفل الأزرق» أو ميثموجلوبنيميا، كذلك يمكن للنترات تكوين النيتروزامينات في المعدة والتي يعتبر بعضها مواد مسرطنة.
وأوضحت نتائج الدراسة تفاوت تركيز النترات في مياه الآبار التي تم فحصها ما بين 1.1 إلى 884 ملجم/لتر. ويلاحظ إن هناك تجاوزا كبيرا للحد المسموح به محليا وعالميا وهو 45 ملجم/ لتر.
وجاء متوسط تراكيز النترات ( ملجم/لتر) حسب المناطق على النحو التالي: حلت منطقة جازان بالمرتبة الأولى، حيث بلغ متوسط تراكيز النترات في المنطقة 65.7 ملجم / لتر، بينما جاءت منطقة عسير بالمرتبة الثانية، حيث بلغ المتوسط 60.3 ملجم/لتر، بينما منطقة القصيم جاءت بالمرتبة الثالثة، حيث بلغ المتوسط 60 ملجم/لتر، أما منطقة حائل جاءت بالمرتبة الرابعة، حيث بلغ المتوسط 51.30 ملجم/لتر، ومنطقة مكة المكرمة بالمرتبة الخامسة وجاءت المتوسط 42 ملجم/لتر، ومنطقة المدينة المنورة بالمرتبة السادسة، حيث بلغ المتوسط 41.3 ملجم/لتر ومنطقة الباحة بالمرتبة السابعة، بلغ المتوسط 39 ملجم/لتر، ومنطقة نجران بالمرتبة الثأمنة، بلغ المتوسط 38 ملجم/لتر، ومنطقة تبوك بالمرتبة التاسعة، بلغ المتوسط 30.7 ملجم/لتر.
والمنطقة الشرقية بالمرتبة العاشرة، بلغ المتوسط 25.2 ملجم/لتر، ومنطقة الرياض بالمرتبة الحادية عشرة، بلغ المتوسط 18.5 ملجم/لتر، ومنطقة الجوف بالمرتبة الثانية عشرة، بلغ المتوسط 15.8 ملجم/لتر، بينما جاءت بالمرتبة الثالثة عشر منطقة الحدود الشمالية حيث بلغ المتوسط 9.1 ملجم/لتر.
وقد اتضح تجاوز تركيز النترات عن الحدود المسموح بها في مياه الشرب في عدد من الآبار في كافة مناطق المملكة. حيث بلغت أعلى نسبة تجاوز في آبار منطقة جازان (52 في المائة من الآبار تجاوزت حدود المواصفة السعودية للنترات في مياه الشرب) وأدنى نسبة تجاوز كانت في آبار منطقة الحدود الشمالية (4.9 في المائة من الآبار). وبشكل عام فإن تركيز النترات يتناقص مع زيادة عمق البئر بينما لم تكن هناك علاقة واضحة بين تركيز كل من مجموع الأملاح الذائبة والعسر الكلي مع عمق البئر. وقد لوحظ أن أغلب التراكيز العالية للنترات مرتبط بآبار الرواسب الوديانية وبالتكوينات غير المحصورة، كما أن أقل تركيز للنترات موجود في تكوين الوجيد.
وقد لوحظ أن أكثر الآبار التي تتجاوز النترات فيها الحدود المسموح بها موجودة في الأراضي الزراعية السكنية (40 في المائة من الآبار يتجاوز تركيز النترات فيها مواصفة مياه الشرب).
وبشكل عام يمكن ترتيب متوسط تركيز النترات في مياه الآبار تنازلياً حسب مواقع حفرها كالتالي: زراعية سكنية، زراعية، سكنية صحراوية، سكنية، صحراوية، صناعية. وقد لوحظ تذبذب طفيف في تركيز النترات لبعض الآبار في منطقة الرياض خلال فترة سنة من جمع العينات..
وبالنسبة للعلاقة بين تراكيز النترات والعناصر الأخرى فقد وجدت علاقة خطية إيجابية متوسطة بين تركيز النترات والكالسيوم في الآبار الضحلة وعلاقة خطية ضعيفة للآبار العميقة. وقد اتضح أن جميع محطات تنقية مياه الشرب (ما عدا محطة الرس) تنتج مياها بمحتوى نتراتي تحت الحد الأقصى المسموح به في مياه الشرب وفي المدى 1.2 إلى 23 ملجم/لتر وتتراوح نسبة الإزالة ما بين 0.0 إلى 69.2 في المائة، حيث ان المحطات التي لا يتوفر فيها عمليات إزالة الأملاح أعطت إزالة منخفضة للنترات ما بين 0.0 إلى 2.9 في المائة، بينما المحطات التي يتوفر فيها وحدات تناضح عكسي فإن متوسط الإزالة بلغ 66.3 في المائة.
وبالنسبة لتركيز النترات في شبكات توزيع المياه فقد تراوح ما بين 1.7 إلى 15 ملجم/لتر في شبكة مدينة الرياض وفي شبكة مدينة حائل كان متوسط تركيز النترات 35 ملجم/لتر. وبالنسبة لتركيز النترات في شبكة مياه محافظة عنيزة فإنه يتفاوت حسب مصدر التغذية للشبكة حيث وجد أنه يصل في المتوسط إلى 23.7 ملجم/لتر في الأحياء التي تتغذى بالكامل من محطة التنقية، و37.2 ملجم/لتر في الأحياء التي تتغذى بخليط من مياه المحطة والآبار، و28.7 ملجم/لتر في الأحياء التي تتغذى من الآبار مباشرة.
وقد أوضحت نتائج تجارب إزالة النترات باستخدام ثلاثة أنواع من الراتنجات أن كمية النترات الممتصة تكون أعلى في حالة مصدر الماء متوسط التركيز للنترات (107 ملجم/لتر)، كما أن متوسط كمية النترات الممتصة كانت الأعلى في حالة الراتنج المتخصص في إزالة النترات وبمقدار 36.1 جرام نترات/كجم راتنج. كما اتضح عدم وجود إزالة كلية للنترات الممتصة على الراتنجات خلال عملية إعادة التنشيط.
وقد تم اتباع الطرق القياسية في جمع وتحليل عينات المياه لجميع العناصر المقاسة• فبالإضافة إلى تحليل النترات تم تحليل مجموع الأملاح الذائبة، القلوية الكلية، العسر الكلي، عسر الكالسيوم، عسر الماغنيسيوم، البوتاسيوم، الصوديوم، الكلوريدات، الكبريتات، الحديد والمنجنيز في المختبر. كما تم قياس درجة الحرارة والرقم الهيدروجيني، الموصلية والعكارة وقت جمع العينة، كذلك إحداثيات الآبار. وأظهرت نتائج الدراسة أن مجموع الأملاح الذائبة ما بين 132 إلى 10082 ملجم/لتر والعسر الكلي ما بين 16 إلى 4530 ملجم/لتر.
ويعتبر تلوث المياه الجوفية بالنترات من المشاكل البيئية المنتشرة على مستوى العالم• ومن أهم مصادر تلوث المياه بالنترات النشاطات الزراعية، مياه الصرف الصحي، التسربات من مدافن النفايات وذوبان مركبات النيتروجين من الغلاف الجوي. ونظراً لاعتماد معظم التجمعات السكانية في المملكة على المياه الجوفية كمصدر رئيسي للشرب، وبسبب التوسع الكبير في الإنتاج الزراعي وما صاحبه من استخدام مكثف للأسمدة النيتروجينية والعضوية بالإضافة إلى الاعتماد الكبير على نظام البيارات للتخلص من مياه الصرف الصحي فإن هناك مؤشرات تدل على احتمالية كبيرة لتلوث المياه الجوفية بالنترات وبالتالي فإن هذا الموضوع يستحق الدراسة للتعرف على أبعاد المشكلة وما يمكن اتخاذه حيالها.
وحول ما تمت استفادته من الدراسة، قال الدكتور عبد الرحمن بن ابراهيم العبد العالي المشرف على الإدارة العامة لمنح البحوث بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرياض في حديث مع >الشرق الأوسط< ان المدينة قامت بعد الانتهاء من الدراسة بتزويد وزارة المياه والكهرباء بنسخ من التقرير، الذي تم تعميمه على مديريات المياه للاستفادة من النتائج.
وحول وجود أصداء للدراسة أوضح الدكتور العبد العالي أن الدراسة تعتبر الأولى على المستوى الوطني والتي تم من خلالها التعرف وللمرة الأولى على مستوى تراكيز النترات في مصادر مياه الشرب بالسعودية وقد تم تقديم بعض من نتائج الدراسة في مؤتمرات محلية وإقليمية.
وعن أكثر المناطق التي استغرق فيها البحث، بيَّن الدكتور العبد العالي أنها كانت المنطقة الشرقية نظرا لاتساع مساحة المنطقة بينما اقل المناطق كانت منطقة الباحة.
وأوضح الدكتور العبد العالي أنه من الضروري إجراء دراسات مستقبلية للتعرف على التغيرات، حيث انه يمكن اعتبار الدراسة الحالية أساسا ومرجعا.
وحول الصعوبات التي واجهتهم لدى تنفيذ الدراسة، بيَّن الدكتور العبد العالي أنهم واجهوا صعوبات لدى تنفيذ الدراسة ولعل أبرزها هو صعوبة الحصول على معلومات دقيقة وحديثة عن آبار المياه في مناطق السعودية. كذلك صعوبة الوصول لبعض الآبار لوجودها في منطقة نائية مما استغرق وقتا طويلا للوصول إلى مواقع تلك الآبار وكذلك بعد الوصول إلى بعض الآبار نجدها تحت الصيانة مما لا يمكن من جمع عينات مياه منها.
ولعل ابرز المفاجآت التي واجهتهم عند تنفيذ الدراسة، بين الدكتور العبد العالي ان الدراسة كانت مقتصرة في البداية على ثلاث مناطق هي الرياض والقصيم وحائل ولكن لوجود تراكيز لافتة للنظر عكس ما كنا نتوقعه مما جعلنا نطالب بتمديد وقت الدراسة ليشمل مناطق السعودية الأخرى وهذا ما تم بالفعل عمله.
وعودة للحديث عن الصعوبات، قال الدكتور العبد العالي إن المعلومات كانت شحيحة عن أعماق الآبار وإنتاجيتها وتاريخ حفرها وحتى البيانات التي حصلنا قبل انطلاقة الدراسة عليها كانت غير دقيقة، فقد كانت هناك آبار قديمة وجدنا أنها لا تعمل بينما وجدنا آبارا حديثة لم تكن مسجلة ضمن تلك البيانات مما استدعى منا كفريق البحث لدى عملنا الحقلي تغيير خطة عمل الدراسة نظرا لأننا وجدنا إن الاعتماد على تلك البيانات يجعل أسلوب العمل غير مجد مما جعلنا نقرر ان نقوم بمسح جديد لآبار المناطق لتحقق الدراسة أهدافها وفقا لما هو مرسوم لها.
وشدد الدكتور العبد العالي على أهمية أنشاء قاعدة معلومات مركزية بوزارة المياه عن أبار ومشاريع المياه في مناطق السعودية على أن تقوم مديريات المياه بشكل مستمر بتحديث المعلومات عن الآبار التابعة لتلك المناطق وتزويدها للوزارة.
وبالعودة إلى مشروع الدراسة الذي مسح لمياه الآبار المستخدمة لأغراض الشرب في مناطق السعودية من حيث محتواها من النترات، تقييم للتغيرات الموسمية للنترات، وتقييم كفاءة محطات تنقية مياه الشرب في تخفيض تركيز النترات، والتعرف على جودة مياه الشرب في الشبكات، وربط مستوى تركيز النترات باستخدامات الأراضي والتكوينات الحاملة للمياه وإجراء تجارب معملية وحقلية باستخدام تقنية التبادل الأيوني بهدف إزالة النترات من المياه.
وتضمنت خطة الدراسة انجازا من الإعمال وهي جمع معلومات عن الآبار المستخدمة للشرب في مناطق البلاد وجمع 1060 عينة مياه من الآبار المستخدمة للشرب في مناطق السعودية المختلفة وجمع 111 عينة مياه من مواقع مختلفة من 18 محطة تنقية مياه في الرياض والقصيم وحائل وجمع 197 عينة مياه من شبكات التوزيع في مدينة الرياض، مدينة حائل ومحافظة عنيزة وجمع 153 عينة مياه خلال سنة من تسعة آبار في منطقتي الرياض والقصيم بهدف التعرف على التغيرات الموسمية للنترات. وإجراء تجارب معملية على ستة أنواع من الراتنجات، وتصميم وإنشاء محطة تجريبية صغيرة تم من خلالها إجراء 21 تجربة لتقييم تأثير تركيز ملح إعادة التنشيط ومدته على أداء الراتنجات. كما تم تصميم وإنشاء محطة تجريبية متوسطة الحجم تم من خلالها إجراء 90 تجربة على ثلاثة أنواع من الراتنجات ومن ثلاث مصادر مياه بتركيزات متفاوتة للنترات.
يذكر أنه سبق لـ «الشرق الأوسط» أن نشرت في السابع من ديسمبر 2004، نتائج المرحلة الأولى من هذه الدارسة، حيث كانت السباقة في ذلك وقد أسفرت المرحلة الأولى عن نتائج أبرزها تجاوز تركيز النترات الحد المسموح به دوليا في مياه آبار الشرب في مناطق الرياض والقصيم وحائل بنسبة 10 في المائة و30 في المائة و17 في المائة من آبار مناطق الرياض والقصيم وحائل على التوالي، وقد تبين أن تقييم كفاءة محطات التنقية لإزالة النترات بنسبة تصل إلى 69.2 في المائة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل استفادت وزارة المياه من هذه الدراسة وهل ستأخذ بتوصيات الدراسة أم انه أصبحت على الرفوف مثل السابق من الدراسات في العديد من الشؤون المائية؟!
الدمام: عبد الله الجمعان
جريدة الشرق الاوسط 22 يوليو 2006 العدد 10098