الفضاء المفتوح على الفوضى!!
يوسف الكويليت
الجدل حول الإعلام العربي ليس جديداً، حينما بدأت الحرب الإذاعية والصحفية تدار من الخارج أو من مدن عربية مثل بيروت في مراحل التقسيمات الأيدلوجية، ولعل توقيع وزراء الإعلام العرب على وثيقة "مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي، والإذاعي" خلال اجتماعهم يعتبر توقيعاً على شرف إعلامي جديد.
فالذين قالوا بأن هذا مدعاة لحجب الحريات الإعلامية محقون، والذين نادوا بإيجاد ضوابط مقيدة، أيضاً لديهم وجاهة أمام طوفان الفضائيات، والمهم هنا أن النقد العقلاني يعتبر صيغة كشف للحقائق، ولا يوجد من هو فوق المساءلة، إذا كنا، على المستوى العربي نريد خلق إصلاحات حقيقية لا تعيدنا للصفر، لكن أن تنتشر فضائيات فاضحة تعتمد على ما يشبه العري وإفساد ذوق الإنسان العربي عندما تتوجه لطبقة الشباب من الجنسين، أو أخرى تغذي أحقاداً دينية، وتفريقاً بين المواطنين تحت شعار القبلية، أو الرياضية أو المناطقية، والتجني السياسي، أو اختراع شخصيات معارضة تكيل الاتهامات ، وكذلك محاولة نشر الخرافة من خلال قراء البخت، أو تفسير الأحلام، وخلق عداوات مفتوحة باسم حرية الرأي، فإن مثل هذا الإعلام يعتبر فوضى مقننة، خاصة عندما تدعم هذا النشر دول أو منظمات أو فئات لها غايات وتصفية حسابات مع نظام أو أي محرّك اجتماعي يستطيع تفجير الأمن الوطني والقومي..
نخطئ إذا ما اعتقدنا أن الحرية تعني الفوضى، وعدم المساءلة والاقتصاص لأي ادعاء أو جناية متعمدة، وحتى الذين يقارنون الحريات بأوروبا والدول المتقدمة، لا يدركون القيم التي تركز عليها تلك المساحات من الحرية، وكيف تتقيد بقوانين وضوابط من المستحيل القفز عليها، حتى إن الدساتير تُعطل إذا ما تعرضت دولة ما لاختراق أمني أو عسكري، وتطال المحاكمات، كل الذين لا يستندون إلى وثائق ثابتة في استعمال حرية النشر، غير أن هذا الإجراء لا يتم عندنا بنفس الضوابط، لأن الخلافات بين نظام، وآخر، أو حتى بين فئات اجتماعية، أو رياضية مع أخرى لا يطالها مبدأ المحاكمة، أو حتى المساءلة إذا ما تجنت على دولة أو أشخاص، لأن الحواجز بما يسمى السيادة الوطنية افترضت أن حرية النشر جزء من السيادة الوطنية التي لا يجوز التدخل بها من أي جهة خارجية..
الفوضى القائمة في الفضائيات اعتمدت على دكاكين تؤجر، وطالما مسألة الربح التي تبيح كل شيء هي الهدف بصرف النظر عن المبادئ والأخلاقيات التي تحترم البث، ومؤثراته على شريحة اجتماعية كبيرة، فإنه يُفترض أن يكون الشرف الإعلامي، لا يتعلق بقيود ضاغطة تعيدنا إلى الإعلام الموجّه، وإنما لفهم طبيعة ما يجري، خاصة وأن الأقمار الصناعية مرتبطة بدول عربية تستطيع أن تفرض الشرف الأخلاقي قبل أي ادعاء بحريات مفتوحة..
لستُ ضد خلق فضاء مفتوح للحوار، والجدل الموضوعي يلبيان احتياجات النقد وكشف الحقائق بفهم وغايات لا تخرج عن طبيعة الحرية الصحيحة، لكن أن أتجنى على شعب أو مذهب، أو أشخاص، فهنا يتحول الموضوع إلى حرب على أكثر من جبهة، وقد عشنا كيف دمر الإعلام لبنان وقاده إلى حرب أهلية، وسقطت معايير الديمقراطيات الناشئة باسم الإعلام المسيّس حين تحالفت قوى ضد أخرى لتفجر الشارع وتقود إلى الفوضى، ولعل ما يشهده العراق الآن من انتشار إعلامي محرّض على التقسيم وناطق باسم الطائفية والمذهبية وغيرهما، يعطينا المعنى الحقيقي أننا لسنا قادرين على ممارسة حريات عقلانية أسوة بالدول الناضجة والواعية..
الرياض