كاتبة المقالة : ندى الطاسان .
تهجئة الحروف على لوحات البقالات والمحلات والسيارة تمشي بنا كانت هوايتي في صغري في رحلتي اليومية للمدرسة، انبهاري كان حين تتجمع الحروف لتشكل كلمات مختلفة، كنت أطور من هذه اللعبة حسب مسافة المشوار والطريق الذي تحملني فيه السيارة، مرة كنت أبحث عن الحروف المشتركة في الكلمات المختلفة ومكانها لينبهر عقلي الصغير بتكون الكلمة وبقوة الحرف ووقعه في أذني حين أنجح في ترديد الكلمة بصوت عال. هذا ما كنت أسلي نفسي فيه وأنا في المقعد الخلفي في السيارة أو في رحلتنا إلى مكان ما آخر الاسبوع.
تطورت علاقتي بالحروف والكلمات وبدأت أتعرف على الجمل المنثورة في صحيفة أو مجلة ملقاة على طاولة أو في كتاب مفتوح نسيه صاحبه هنا أو هناك حيث أتجاوز الصور وأركز على الحروف التي تتداخل وتتركب كلمات وجملا. "الجمل المسروقة تلك" كان لها وقع مختلف فهي جمل أنا أختارها أو هي تختطفني بعيدا عن الكتب المدرسية ودرس المطالعة أو المحفوظات. الجمل المسروقة تلك كانت تختلف عن جملة أحفظها في كتاب العلوم أو عبارة أرددها مع مدرسة اللغة العربية في أنها كانت جملا من اكتشافي أنا واختياري أنا لم يفرضها علي أحد.
في شهور الصيف الطويلة حيث تستحضر كل شياطين خيالك الطفولي لتمضية الوقت بدون إزعاج الكبار تستنزف كل قدراتك في اللعب والقفز، فتبدو صفحات الكتاب مغرية، في تلك الفترة وحين بدأت أفهم الجمل وأترجمها لصور في ذهني أصبح للكتاب مكانة مميزة، أخطفه من بائع كتب في ذلك الشارع القديم أو من رفوف مكتبة أحد الأقرباء أو من مكتبة عامة في بلد نقضي فيه صيفنا.
يصبح الكتاب نافذة تطل من خلالها على عالم لم تشاهده من قبل، نافذة تتنسم منها هواء منعشا، يتحول الكتاب إلى طائرة تنقلك لمدن تفصلك بينها بحور وصحارى، تسافر عبر الزمن لعصور مضت وودعت وتركت آثارها علما وشعرا وأدبا وتاريخا. لأوراق الكتب رائحة مميزة تعرفها خلايا عقلك التي تتحفز حين يجذبها عنوان كتاب أو جملة تستقر في الذاكرة وأنت تقلب أوراقه متسائلا هل أشتريه أم لا؟
لكل كتاب معك قصة، تتذكر معلومة من هذا، وتسكنك شخصية من ذاك، وتقتبس مقولة من آخر.
تقرأ.. لا تتردد.. قلب صفحات الكتب، فللكلمة وطن داخل خلايا عقلك، وللمعلومة مسكن ومكان دائم في الذاكرة.