المقالة لـ : راشد فهد الراشد
نحن أحفاد معلمين احترفوا الحب، وعاشوا تجلياته، وامتهنوا لوعاته، وجربوا روعة البوح بالمخزون العاطفي وتراكم الشوق والحنين إلى تقارب الأرواح والعواطف، والمواعيد المسروقة من زمن سخي ومبهر على غدير ماء، أو كثيب رمل، أو كهف في جبل يحفظ الأسرار، ويشهد بحرارة العشق وعذاباته، والبعد وما ينتج عنه من وجع وتفتّت، وقدموا لنا ثراء خصباً ومبهراً من حكايا الغرام، ومغامرات الحب، وغزوات العشق.
نحن أحفاد ابن أبي ربيعة والمجنون وجميل بثينة، وكثيّر عزة، والعباس بن الأحنف، وعروة بن حزام، وقيس لبنى، ويزيد بن معاوية، وعشرات من المبدعين الخلاقين المبهرين في حرفة العشق والحب والغرام، وما قدموه من أدب رفيع، وتصوير تعجز ريشة أي فنان موهوب عن تقديمه لوحة معبرة تختلط فيها كل أحاسيس الوجد، ومشاعر التوحّد وتقارب كيمياء الجسد والروح والفكر، وغواية التحليق فوق سحب خرافية تحمل الكائن إلى مرافئ دافئة حنونة معطرة بالليل والدهشة واللحظة المسروقة وإيحاءات الجمال.
نحن أحفاد هؤلاء والمؤتمنون على إرثهم الجميل والرائع نجسده في حياتنا سلوكاً وممارسة وثقافة ونمط حياة وعيش، إذا ما تخلينا عن بعض مضامينه، أو أنكرنا بعض صوره وممارساته فإننا نمارس جحوداً مخيفاً، ونطمس تاريخاً تليداً من الإبداع والخلق والتجلي، وثراء معرفياً من موسيقى الشعر وبذخ الصور ورهافة الحس البشري المتصالح مع نفسه والحياة.
هناك في إرثنا الأدبي والفكري ما يصنفه البعض على أنه تجاوز في رسم الصورة، وفضح الممارسة، لكنه يبقى في المخيلة ثابتاً ونسوغه بأن "أعذب الشعر أكذبه" كقول امرئ القيس في معلقته:
"تَقُولُ وقَد مَالَ الغَبِيطُ بِنَا مَعاً
عَقَرْتَ بَعِيرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ
فَقُلتُ لَهَا سِيرِي وأَرْخِي زِمَامَه
ولاَ تُبعدِينِي مِن جَنَاكِ المُعَلَلِ
فَمِثلِك حُبلَى قَد طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ
فَأَلهَيتُهَا عَن ذِي تَمَائمَ مُحْوِلِ
إِذَا مَا بَكَى مِن خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَه
بِشَقٍّ، وتحتِي شِقّهَا لَمْ يُحَوّلِ"
لكنه يبقى إرثاً فكرياً وأدبياً ليس من حقنا التنصل منه، أو الخجل من إيحاءاته وتصويره الفني، تماماً كتماهينا مع شعر العذريين، وقصص غرامياتهم. ولنا فيما يروى عنهم ما يحفّزنا على اقتفاء نهجهم.
"قال سعيد بن عقبة لأعرابي: ممن أنت؟ قال الأعرابي: من قوم إذا عشقوا ماتوا. قال: عذري ورب الكعبة. فقلت ومم ذاك؟ قال:
في نسائنا صباحة وفي رجالنا عفة.
وعن سفيان بن زياد قال: قلت لامرأة من بني عذرة ورأيت بها هوى غالباً حتى خفت عليها الموت: ما بال العشق يقتلكم معاشر عذرة من بين أحياء العرب؟
قالت: إن فينا جمالا وتعففا. فالجمال يحملنا على العفاف والعفاف يورثنا رقة القلوب والعشق يفني آجالنا وإنا نرى محاجر لا ترونها".
من قال إن الحب حرام فهو ضد قوانين الطبيعة.
احتفلوا بالحب والسلام والمحبة بين الجميع.