المقالة لـ الكاتب : عبد الله إبراهيم الكعيد
حين كان الحوار كمفهوم ومُمارسة لدى شرائح المجتمع ومكوّناته ضمن أولويات اهتمام قائد هذه البلاد الملك النبيل عبدالله بن عبدالعزيز فهذا يعني أن المرحلة كانت ومازالت بحاجة ماسة لحوار العقلاء ودمج غيرهم معهم في الجلوس على طاولة واحدة وطرح الرؤى والأفكار ومناقشتها بكل وضوح وشفافية. ودارت عجلة الحوار ثم تم إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وعُقِدتْ عدّة لقاءات بهذا الشأن مما أسس لفعل مستمر قد يؤتي ثماره في يوم من الأيام. هل جنينا حتى اليوم أيّ ثمرة كان الرجل الكبير يأمل تقديمها على مائدة الوطن كي يتذوقها المواطن؟ هذا ما سأتحدث عنه لاحقاً، إنما اليوم سأطرح - حسب ما تسمح به مساحة هذه الزاوية - حكاية الحوار كمفهوم محليّ.
أعترف أولاً بضعف لياقتي الحوارية رغم إيماناتي بضرورة إتاحة كل الهوامش لأي طرف لديه رغبة حقيقية في الحوار بغية الاقتراب من تفاهمات مُشتركة ومقبولة حول قضايانا الفكرية والاجتماعية. ضعف اللياقة هذا يشترك فيه أُناس كُثر من ربعنا هنا في بلادنا لأننا عشنا أزمانا طويلة لا نعرف فيها غير التلقي والإذعان في البيت والمدرسة والمسجد وحتى في الخطاب الإعلامي. لم يدخل مصطلح الحوار في قاموسنا المُعاش آنذاك رغم وجوده في النصوص الدينية. الرأي الأوحد هو السائد هذا إن كان هناك من رأي مصنوع محلياً من قبل فرد أو مؤسسة تربوية أو تعليمية. حين دخلنا صوالين الحوار مُتأخرين كنّا مُسلّحين بقصيدة المُتنبي (الرأي قبل شجاعة الشُجعانِ.. هو أوّل وهي المحلّ الثاني - فإذا هما اجتمعا لنفسٍ حُرّة.. بلغتْ من العلياء كل مكان).
الحوار في الإعلام هو الآخر كرّس في مفاهيمنا الانتصار للرأي بل والمقاتلة دونه. خذ على سبيل المثال البرامج الحوارية في القنوات الفضائيّة لترى ما يُشبه صراع الديكة تماماً..! انسحب هذا المفهوم بالتالي على وسائل التواصل الاجتماعي الاليكترونية وخصوصاً "تويتر"، من يتابع ما يدور في ساحاته من حوارات يُصاب بالغثيان بسبب الأسلوب الرخيص لدى البعض في ردودهم على المخالف من سائدهم بل وصل الأمر بهم إلى طلب إنزال العقاب والقصاص على من (يُغرّد) خارج سربهم فهل بعد هذا يمكن الاقتناع بإمكانية تصحيح مفاهيم الحوار عند مثل هؤلاء؟ السؤال موجّه لمركز الحوار وأهله.
.. محطّة القافلة:
يقول الحكيم "تشارنوك": الفرق بين الحكيم والجاهل هو أن الأول (يُناقش) في الرأي والثاني (يُجادل) في الحقائق.