بقلم : د/ سعاد سالم السبع
لا أعرف كيف أصف مشاعري اليوم ؟!! أشعر أنني غير قادرة على وصف ما يعتمل في داخلي ، تساورني مشاعر لم أجد لها تسمية بعد، تعانقت الأضداد بداخلي ولم أعد أعرف أين أنا من نفسي!! أحس أنني في برزخ بين الزهو والانكسار، بين الفخر والحسرة، بين القوة والخواء؛ هل سأمتلك القوة اليوم لأرغم نفسي على الفرح أم أن أمومتي ستقهرني وتفضحني فأعكر صفو حياتك - يا حياتي- في ليلتك الجميلة؟!! هل أستطيع أن أفرح أم قدري أن أبكي حتى وأنت تحققين حلما من أحلامي التي انتظرتها سنوات؟!! ..
آآآآآآآآآهٍ !! كم من البشر يقدرون ما تكتنزه الأمهات من الحب العميق لأبنائهن وبناتهن!! وكم من الناس يستشعرون معاني لهفة الأم على أولادها، ومدى الألم الذي يغمرها إن ابتعد عنها أحدهم حتى وإن كان بعده لتحقيق أمل من آمالها!!! إنه سر إلهي عظيم لا تفهمه إلا الأم التي تعيش لأمومتها ولا تغادر الحياة إلا وقد وهبت الأرض حيواتٍ أخرى..
اليوم هو يوم فرحتي الأولى بثمرة من ثمار أمومتي؛ فقد حان الوقت لأمنح هذه الثمرة لشريك حياتها القادمة كي تصنع حياة جديدة في مكان جديد بأسلوب جديد قد يكون أفضل من أساليبنا نحن أمهات الزمن الحاضر لأن أمهات الزمن القادم قد تلقين من المعرفة بوسائل التربية الحديثة ما حرمنا منه في فترة شبابنا، وأتوقع أن يكون أبناؤهن أكثر قوة وعلما وصحة وإبداعا..
وبكل عواطف الأم ومعاني الأمومة التي لخبطت كياني، أبتهل إلى الله أن يرحم ضعفي ويكرم أمومتي بنجاح ابنتي وثمرة قلبي في حياتها الزوجية والأسرية القادمة، وأن تكون زوجة وفية وأما صالحة..
لا أنكر أن حزنا عميقا يتملكني، وألما حادا يعتصر قلبي لأن نبض قلبي سيغادرني ليبدأ تدفقه في مكان آخر؛ فاعذريني يا حبة القلب إن لم أستطع إخفاء حزني، فأنا أشعر أن مياها ساخنة تسيح في عروقي، واعذريني إن لم أستطع لملمة شتات أفكاري لأنني كلما تخيلت أنني سأصحو من نومي ولا أسمع صوتك بجواري- يا مصدر فرحي وصباحي- أشعر بأن قلبي يتهاوى كارها مكانه بدونك، وأرى عِقد أفكاري متناثرا يبحث عمن يعيد إليه اصطفافه..
لكنني من أجلك قررت أن أنتصر على وجعي وأن أحتفل بألمي؛ وأحول حزني سرورا ، و لأجل بهائك - يا بهجتي- سأجعل من دموعي قناديل فرح تضيء ليلتك بالغبطة والبهجة..
ومن أجلك سأظل أدعو الله أن تطول بي الحياة حتى أضم طفلتك إلى صدري كما فعلت بك يا ملاكي، فقد أنجبتْ ليلتك الليلة أملا جديدا في نفسي يبشرني بانتظار الفرح مرة أخرى لأكرر حكايتي معك من جديد في حفيدتي المأمولة بإذن الله..
يا وردتي التي رويتها بأجمل سنوات عمري، ومنحتها كلما أحبه في حياتي، يا من نمَتْ وترعرعَتْ بداخلي وكبرت أحلامها تحت رعايتي، سامحيني إن تملكني الحزن لفراقك !! فأنا أم ضعيفة لم تكن تتوقع أن تبتعد عنها رديفة روحها يوما واحدا، فماذا تفعل وهي مجبرة على الفرح بمغادرة روحها الليلة؟!! أنت لا تعرفين بعد إحساس الأم حينما ترغمها الحياة على الفرح بفراق فلذة كبدها؟!! دعيني أعترف لك أنني ظللت عامين كاملين أعاني من الأرق لأنني ما إن أضع رأسي على فراشي حتى تطلين على أحاسيسي مودعة، وحين أتذكر أنك ستغادريني إلى حياة غير حياتنا التي كناها معا يطير النوم من عيني ولا أزال أتصيد نومي على حين غفلة من أمومتي حتى البارحة، ولكني في كل مرة أفشل، وتنتصر الأم الضعيفة، فأهرب منها إلى الدموع علها تعيد إلي بعض ذاتي...
سامحيني يا بنيتي إن بديت لك اليوم ضعيفة على غير ما عهدتِه مني، فأنا أعرف أنني غير منطقية حين أظهر ضعفي في يوم قوتك، ولكنها الأمومة التي خلعت قلبي من مكانه بزواجك وحرمتني من الاستمتاع بلحظاتك الجميلة..
لا تظني أنني متمردة على سنة الحياة؛ فأنا مؤمنة بأن الزواج هو الطريق الوحيد لامتداد الحياة، وتحقيق الاستقرار الأسري، ومعترفة بحقك في صناعة أسرة تحمل بصماتك أنتِ ، وقد بذلت كل طاقاتي النفسية والجسدية لأوطن نفسي على قبول مغادرتك حياتي لكنني عجزت ، ومع كل هذا العجز هاأنا ذا أسلمك لحياتك الجديدة وكلي أمل بأن يمنحني الله القوة لأوطن نفسي على استقلاليتك بحياتك الجديدة ، وسوف تسعديني كلما رأيتك سعيدة بحياتك الزوجية ..
لا تنزعجي يا بنيتي إن لم تجدي مني ما تعرفينه من حيوية ونشاط في ليلتك الليلة وتأكدي أنني حاولت أن أكون كما ينبغي في أجمل مناسبات عمري، ولكن أمومتي خانتني، فسامحيني -يا نور وجودي- وثقي بأن ابتهالاتي سترافقك في كل مراحل حياتك القادمة حتى يضمني التراب، فكوني كما أنتِ دائما زهرة متألقة يفوح عبيرها الطيب في كل مكان تعيش فيه، ولا تقلقي من حزني عليك ، فقد قررت أن أبدأ حياة جديدة من أجلك وفي انتظار أن أكون الجدة( سعاد) .. وما أشد شوق الجدة لاحتضان أحفادها!!! فابتهلي معي إلى الله أن يصلح حالك ويرزقك الذرية الصالحة وأن يمد بعمري حتى أكرر حكايتي معك في أبنائك وبناتك إنه سميع الدعاء..
مما راق لي واعجبني