إعجاز القرآن الكريم في عالم النحل
قال تعالى : (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً و من الشجر و مما يعرشون ، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون .) النحل 67-68 .
إن من أكبر الأشياء إعجازا و إثارة للعجب في حياة النحل هو بناء أقراص الشمع على هيئة خلايا سداسية تستعمل كمستودعات لاختزان العسل .
و يكفي أن نتعرف على عظمة هذا الإعجاز الهندسي من علماء الرياضيات الذين يقولون بأن النحل يصنع خلاياه بهذا الشكل لأنه يسمح لها باحتواء أكبر عدد ممكن من أعضاء المملكة و بأقل قدرة ممكن من الشمع الغالي اللازم لبناء جدرانها ، و هي عملية عبقرية تبلغ درجة من الكمال تفوق كل عبقريات البشر مجتمعين .
و الخلية التي يعيش فيها النحل تضم فيها مجتمع النحل تضم ملكة واحدة و بضع مئات من الذكور و عشرات الألوف من الشغالات . و تطير النحلة الشغالة بحثا عن الماء . ولكي تجمع النحل مائة جرام من العسل لابد لها من زيادة نحو مليون زهرة ن فتظل تنتقل من زهرة إلى زهرة و تمتص الرحيق بخرطومها إلى داخل معدتها حيث يهضم ، ثم يقوم فريق آخر من الشغالات بالتهوية بأجنحتها و تتطاير الرطوبة و يتركز السائل فيصير عسلاً .و بعد ذلك يقوم فريق آخر من النحل بالتأكيد من أن العسل قد نضج فتغلق العيون بطبقة رقيقة من الشمع لتحتفظ به نظيفاً حتى تحتاج إليه في الشتاء عندما تخلو الحقول من الأزهار . و يخبرنا علماء الحشرات أن شغالات النحل تبذل جهداً خارقاً للحفاظ على العسل ، فهي تنظف الخلية بمهارة فائقة و تسدّ كل الشقوق و تلمع كل الحوائط بغراء النحل ، هي لا تقنع بتهوية الخلية بل تحافظ على ثبات درجة الحرارة فيها عند مستوى ثابت و :أنها تقوم بعملية تكييف للهواء داخل الخلية .
ففي أيام الصيف القائظ يمكن للمرء أن يرى طوابير الشغالات و قد وقفن بباب الخلية واتجهن جميعاً إلى ناحية واحدة ثم قمن بتحريك أجنحتهن بقوة . و هذه الشغالات يطلق عليها اسم " المروحة " لأن عملها يؤدي إلى إدخال تيارات قوية من الهواء البارد إلى الخلية . من ناحية أخرى ، توجد في داخل الخلية مجموعة أخرى من الشغالات منهمكة في طرد الهواء الساخن إلى خارج الخلية . أما في الأجواء الباردة فإن النحل يتجمع فوق الأقراص لكي تقلل ما يتعرض من سطحها للجو ، و تزيد حركة التمثيل الغذائي ببدنها ، و تكون النتيجة رفع درجة الحرارة داخل الخلية بالقدرة اللازمة لحماية العسل من الفساد .
و تستطيع العشيرة الواحدة من النحل أن تجمع نحو 150 كيلوجراما من العسل في الموسم الواحد . و الكيلوجرام الواحد من العسل يكلف النحلة ما بين 120000 و 150 ألف حمل ٍ من الرحيق تجمعها بعد أن تطير مسافة تعادل محيط الأرض عدة مرات في المتوسط . و تستطيع النحلة أن تطير بسرعة 65كيلومترا في الساعة ، وهو ما يعادل سرعة القطار . وحتى لو كان الحمل الذي تنوء به يعادل ثلاثة أرباع وزنها فإنها يمكن أن تطير بسرعة 30 كيلومترا في الساعة .
و قرص العسل هو أحسنه مذاقاً و أعلاه ، إذ إنه يكون على حالته الطبيعية التي أخرجته النحل بها . و قد أثبت العلم أن اختلاف كل من تركيب التربة و المراعي التي يسلكها النحل يؤثر تأثيراً كبيراً في لون العسل . فالعسل الناتج من رحيق أزهار القطن ـ مثلاًـ يكون قاتماً ، بخلاف عسل أزهار البرسيم الذي يكون فاتح اللون ، وعسل شجر التفاح ذي اللون الأصفر الباهت ، و عسل التوت الأسود ذي اللون الأبيض كالماء ، و عسل أزهار النعناع العطري ذي اللون العنبري ، وغير ذلك .
و يلخص القرآن الكريم تاريخ النحل في كلمات معدودات فيها جوامع الكلم ، فقد اتخذ النحل بوحي من الله بيوتاً من الجبال في بادئ الأمر ، ثم انحدر منها إلى الأشجار ، ثم تطور إلى المعيشة في الخلايا التي يصنعها على نحو ما نعرفها اليوم ، و إن بعض العلماء الذين كرسوا جهودهم لدراسة حياة الحشرات وقفوا على حقائق و عجيبة وافقت صحة ما جاء في القرآن ، من إن هناك فصائل برية من النحل تسكن الجبال و تتخذ من مغاراتها مأوى لها ، وأن منه سلالات تتخذ من الأشجار سكنا بأن تلجأ إلى الثقوب الموجودة في جذوع الأشجار و تتخذ منها بيوتاُ تأوي إليها . و لما سخر الله النحل لمنفعة الإنسان أمكن استئناسه في حاويات من الطين أو الخشب .
و تدل الدراسات العلمية المستفيضة لمملكة النحل أن إلهام الله ـ سبحانه و تعالى ـ لها يجعلها تطير لارتشاف رحيق الأزهار ، فتبتعد عن خليتها آلاف الأمتار ، ثم ترجع إليها ثانية دون أن تخطئها و تدخل خلية أخرى غيرها، علما بأن الخلايا في المناحل تكون متشابهة و مرصوصة بعضها إلى جوار بعض ، و ذلك لأن الله ـ سبحانه و تعالى ـ قد ذلل الطريق و سهلها لها و منحها من قدرات التكيف الوظيفي و السلوكي ما يعينها في رحلات استكشاف الغذاء وجنية ثم العودة بعد ذلك إلى البيت .
و قبل أن نعرض لأوجه الإعجاز في حركات النحل و أسفاره نلفت الأنظار إلى مدى النظام و الدقة اللذين يحكمان جماعات النحل المستقرة . فمن المعروف أن الجماعة الواحدة تتألف من الملكة ( الأم) و عدد يتراوح بين أربعمائة نخلة و خمسمائة نحلة من الذكور ، بالإضافة إلى عدد هائل من العاملات ( الشغالات ) و صغار في دور التكوين ، أما الملكة فعليها وحدها وضع البيض الذي يخرج منه نحل الخلية كلها ، و الذكور عليها فقط تلقيح الملكة ، بينما تقوم الشغالات بجميع الأعمال (المنزلية ) و جمع الغذاء .
و في رحلة الاستكشاف لجمع الغذاء الطيب تستعين العاملة بحواسها التي منحها الله إياها . فهي مزودة بحاسة شم قوية عن طريق قرني الاستشعار في مقدم الأخص اللونين الأزرق و الأصفر ، و هي تمتاز على العين البشرية في إحساسها بالأشعة فوق البنفسجية ، لذلك فهي ترى ما لا تراه عيوننا ، مثل بعض المسالك و النقوش التي ترشد و تقود إلى مختزن الرحيق و لا يمكننا الكشف عنها إلا بتصويرها بالأشعة فوق البنفسجية . ثم إذا حطت على زهرة يانعة و بلغت ورحيقها استطاعت أن تتذوقه و تحدد بكم فطرتها مقدار حلاوته .
و في رحلة العودة تهتدي النحلة إلى مسكنها بحاستي النظر و الشم معا . أما حاسة الشم فتتعرف على الرائحة الخاصة المميزة للخلية . و أما حاسة الإبصار فتساعد على تذكر معالم رحلة الاستكشاف ، إذ يلاحظ أن النحل عندما تغادر البيت تستدير إليه وتقف أو تحلق أمامه فترة و كأنها تتفحصه و تتمعنه حتى ينطبع في ذاكرتها ، ثم هي بعد ذلك تطير من حوله في دوائر تأخذ في الاتساع شيئاً فشيئاً ، و عندما تعود إلى البيت تخبر عشيرتها بتفاصيل رحلتها ، و تدل زميلاتها على مكان الغذاء فينطلقن تباعاً لجني الرحيق من الزهور و الإكثار منه لادخاره ما يفيض عن الحاجة لوقت الشتاء ببرده القارص و غذائه الشحيح .