وضع القواعد السلوكية للأطفال، من أهم الواجبات الواقعة على الوالدين وأصعبها في الوقت نفسه، إذ يقاوم الطفل كثيراً لكي يؤكد استقلاله. فكثير من الناس يقولون: «ابني لا يكترث بالنظام ويخلع نعليه ويترك حاجاته في أي مكان، ولا يبالي ويجري ليلعب، أو يجلس في مكانه لمشاهدة برامج التلفاز.
ولا يهتم بغيره، وإذا ذكرته بإهماله وسلبيته يقول: أنا افعل ما يحلو لي، وهذا أمر يخصني». دراسات كثيرة تشير إلى أن الأطفال قد يتعلمون الإهمال من آبائهم وأمهاتهم بطريقة لا إرادية، وذلك عندما يميلون للاستعانة بالخدم والاعتماد الكلي عليهم في معظم شؤونهم، ومن مظاهر الإهمال أن تجد المهمل يتجاهل القواعد المنزلية واللوائح الأسرية ويفسرها وفق هواه.
ويحب المهمل ممارسة عاداته بإسراف، فهو قد يشاهد التلفاز وألعاب الفيديو والإنترنت بصورة غير طبيعية، وتجد كتبه وأوراقه وحاجاته مبعثرة، ولا يحافظ على نظافة وسلامة كتبه، وعادة ما يحاول إنهاء واجباته في الدقيقة الأخيرة، وإذا بدأ عملاً فإنه لا يتمه، ويترك العمل والمستلزمات على الأرض ولا يعيدها إلى مكانها.
قواعد السلوك
وهناك العديد من الأساليب والخطوات التي يمكن اتباعها مع الطفل المهمل، كما يراها المختصون لإقناع الطفل بطاعة الأوامر واتباع قواعد السلوك والنظم التي وضعها الوالدان، فالدكتورة لطيفة الكندري مديرة المركز الإقليمي للمرأة والطفولة بدولة الكويت، تطالب أولياء الأمور بمشاركة أبنائهم في بلورة أهداف تنظم حياتهم، مع الحرص على الإنجاز على أساس ضبط السلوك واستثمار الأوقات، كما تطالبهم بتغيير عبارات السلبية لوصف الإهمال إلى عبارات إيجابية، والتوجه نحو الجد والاجتهاد، فيمكنك أن تقول:
«رتب لوازمك المدرسية فأنت تحب النظام»، وذلك عوضاً عن (أنت مهمل دائماً)، وعدم المبالغة في المثالية عندما نتعامل مع أطفالنا، فليس صحيحاً أننا كآباء كنا في السابق بلا أخطاء، فنقول لهم عن طفولتنا أننا كنا في الماضي في نشاط دائم، وانقضت طفولتنا دون إزعاج أو مشاكل، والابتعاد عن السباب والسخرية والاستخفاف، لأن ذلك يسحق نفسية الطفل ويزيده تقاعساً، ويجعله فريسة سهلة لآفات الإهمال السلبية.
مقاومة الطفل
أما الدكتور شافع النيادي المختص في الإدارة التربوية، فوضع في دراسة متخصصة له، مجموعة من القواعد المهمة التي تلعب دوراً مهماً في معالجة سلوك الطفل المهمل، ويقول: إن إلقاء الأوامر طوال اليوم يعمل على توليد المقاومة عند الطفل، ولكن عندما تعطي الطفل سبباً منطقياً لتعاونه، فمن المحتمل أن يتعاون أكثر، فبدلاً من أن تقول للطفل: «اجمع ألعابك»، قل: «يجب أن تعيد ألعابك مكانها، وإلا ستضيع الأجزاء أو تنكسر»، وإذا رفض الطفل فقل له: «هيا نجمعها معاً»، وبذلك تتحول المهمة إلى لعبة.
وليس على الأهل أن ينتظروا من طفلهم أن يحل مشكلته بنفسه، فإذا كان أحد الأبوين يؤجل القيام ببعض الأمور، فإن الطفل سيقلده بشكل تلقائي، أي أن أسلوب الحياة المتّبع في البيت هو الذي يؤثر في الطفل وتربيته بالدرجة الأولى.
أسلوب التهديد
كما يطالب الدكتور النيادي الآباء بعدم استخدام أسلوب التهديد في التعامل مع الطفل، لأننا إذا كنا نستخدم التهديد باستمرار للحصول على الطاعة، فسيتعلم الطفل أن يتجاهلنا حتى نهدده. وللعلم فإن التهديدات التي تطلق في ثورة الغضب تكون غير إيجابية، ويتعلم الطفل مع الوقت ألا ينصت لنا. كما أن رشوته تعلمه أيضاً ألا يطيعنا، حتى يكون السعر ملائماً، فعندما نقول: «سوف أعطيك لعبة جديدة إذا نظفت غرفتك»، فسيطيعنا من أجل اللعبة، لا كي يساعد أسرته أو يقوم بما عليه.
الطفل في نظر النيادي يحتاج كذلك إلى دعم إيجابي منا، فعندما يطيعنا الطفل نقبله ونحتضنه أو نمتدح سلوكه (ممتاز، وعمل رائع، وجزاك الله خيراً)، وسوف يرغب في فعل ذلك ثانية. ويمكننا أيضاً أن نحد من السلوكيات السلبية، عندما نقول: «يعجبني أنك تتصرف كرجل كبير، ولا تبكي كلما أردت شيئاً».
وكذلك نحاول أن نجعل الحافز مرغوباً للطفل. فالطفل الذي يكون الحافز لديه ضعيفاً تجاه الدراسة، يمكن التعرف عليه بسهولة، لأنه لا يهتم أبداً بإنجاز مهمته، ولا يقدّر في الواقع الفوائد والنتائج الإيجابية للوظائف والمهام التي تنجز بشكل جيد، وكل هذا يكون في النهاية نتيجةً للإهمال واللامبالاة وعدم اكتراث الطفل بأن يكون منظماً، أو حتى ليكون فرداً جيداً في نظر الآخرين.
إرشادات مهمة
الدكتورة لطيفة الكندري تشير إلى العديد من القواعد المهمة التي يجب مراعاتها في التعامل مع الطفل المهمل، من أهمها:
احذر المبالغة في الانفعال، فإن تضخيم المواقف بقصد الزجر عن الإهمال ليس حلاً. فالمبالغة والتهويل دليل على سيطرة عقلية انفعالية غير منطقية، وأن النقد اللاذع المستمر يقود الطفل إلى تحاشي المبادرة وتجنب الحركة.
لا تجزع من انحراف سلوك الأطفال، فالتحديات في حياة الأسرة لا تنتهي ولكن اقتنصها لصقل الضمائر وتنوير البصائر وإحياء المشاعر. فالتجارب الفاشلة في الصغر قد تكون تربة النجاح في الكبر.
تشجيع الذكور والإناث على القيام بالأعباء المنزلية والاقتداء عملياً بهدي الحبيب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يساعد أهل منزله في تدبير شؤون المنزل.
اجتناب إزعاج الطفل بما مضى والتذكير الممل بزلاته في كل مناسبة، لأن سياسة التوبيخ المستمر معول هدم وهزيمة، أما الصلة الحميمة فهي دليل همة وعزيمة.
لا تلجأ للعقاب البدني، فوسائل التأثير كثيرة وآفاق الإصلاح فسيحة، ولا تصفع، فالصفع دليل ضعف، وهناك كثير من وسائل الثواب والعقاب.
تعويد الطفل على قضاء حاجاته دون الاعتماد على الخدم في كل شاردة وواردة.
الجلسات الحوارية الجماعية والجانبية مع الأبناء والبنات، لها فاعلية عظيمة مدى الحياة، وهي في غاية الأهمية للتعبير عن المشاعر الدفينة، إذ تكشف عن أسباب الإهمال والعقبات التي تحول دون الضبط الاجتماعي.