بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة والأخوات أعضاء هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
الإخوة والأخوات الحضور
الأبناء الطلاب والطالبات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
محمد صلى الله عليه وسلم.
إنها لمناسبة طيبة أن أكون في المدينة المنورة مُهَاجَر نبينا محمد صلى
الله عليه وسلم وبالقرب من المسجد النبوي حيث شع الإيمان والنور وأنقذ
ا
لبشرية من الفوضى والظلام، وحيث أُسِّست أول دولة تقوم على الإسلام
وراية التوحيد، وتنشر الأمن والاستقرار في الجزيرة العربية.
وأشكر لمعالي مدير الجامعة الدكتور محمد بن علي العقلا دعوتي وتهيئة هذا
اللقاء في هذه الجامعة العزيزة على قلوبنا لما تقدمه من خدمة للإسلام
والمسلمين.
ويسرني أن أنقل لكم تحيات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن
عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمير سلطان وسمو النائب الثاني الأمير
نايف، وحرصهم على رقي هذه المؤسسات التعليمية المهمة وخدمة أبناء الوطن
في كل مكان.
لقد أكرم الله عز وجل هذه البلاد، المملكة العربية السعودية، بأن تتشرف
بوجود مكة المكرمة فيها أول بيت وضع للناس، ومهوى أفئدة المسلمين
وقبلتهم، وبأن تكون هذه البلاد أيضا منطلق الإسلام والعروبة معا. فلقد
أنزل الله عز و جل في هذه الأرض العربية القرآن الكريم بلغة عربية، وعلى
نبي عربي من أرضها عليه أفضل الصلوات والتسليم.
وفي هذه المدينة المباركة طيبة الطيبة بدأت نهضة الدولة الإسلامية الأولى
على الكتاب والسنة النبوية. وفي هذه الأرض العربية منطلق العروبة
والإسلام تأسست الدولة السعودية على المبادئ ذاتها متأسية بتلك الدولة
الإسلامية الأولى وأسسها العظيمة التي تقوم على راية التوحيد، وتدعو إلى
الدين الخالص من أي ابتداع أو ممارسات ليست في الكتاب أو السنة وأقوال
السلف الصالح.
وعندما ظهرت الدولة السعودية في الدرعية أعادت للمنطقة الدولةَ المركزيةَ
القائمةَ على الدين مثلها مثل الدولة الإسلامية الأولى. واستعادت للجزيرة
العربية الأمن والاستقرار الذي فقدته عدة قرون.
فقبل تأسيس الدولة السعودية الأولى كان في كل إقليم دولة، وفي كل قبيلة
دولة، وداخل كل دولة من هذه الدول دول متناحرة. قال المؤرخ عثمان بن بشر
يصف الحال في ذلك الوقت في واحدة من البلدات الصغيرة في نجد:
"فقسموا البلد أربعا كل واحد شاخ في ربعها...فان هذه قرية ضعيفة قليلة
الرجال والمال، صار فيها أربعة رجال كل منهم يدعي الولاية على ماهو فيه."
تمت المبايعة التاريخية بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن
عبدالوهاب على أساس المنهج الشرعي:
قال الإمام محمد بن سعود: أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعزة والمنعة.
وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب: وأنا أبشرك بالعز والتمكين، وهذه كلمة (لا
اله إلا الله) من تمسك بها، وعمل بها، ونصرها ملك بها البلاد والعباد.
أصبحت هذه البيعة ركناً أساسا من أركان الدولة السعودية إلى اليوم بحيث
تلتزم بتأسيسها على الدين الصحيح. ورغم أن الإمام محمد بن سعود من أسرة
تعود في أصولها إلى بني حنيفة تسكن في الوادي الذي يسمى باسمها، وإمارته
في الدرعية التي أسسها جده مانع المريدي وأسلافه من الدروع من بني حنيفة
منذ منتصف القرن التاسع الهجري، إلا أنه لم يؤسس الدولة على عصبيته أو
قبيلته، بل أسسها على الدين والتزم هو وأبناؤه وأحفاده إلى يومنا هذا
بهذا التأسيس وبهذا الامتداد الذي يماثل ما تأسست عليه الدولة الإسلامية
الأولى.
ولاشك أن قيام الدولة السعودية الأولى وانتشارها الواسع في شبه الجزيرة
العربية ونجاحها في إرساء الاستقرار والأمن والحكم الرشيد، أدى إلى
النقمة عليها، لذا بدأ البعض بإطلاق مصطلح (الوهابية) على تلك الدعوة
لتنفير المسلمين من هذه الدولة ومبادئها الصحيحة.
وأنا هنا أدعو الجميع إلى العودة إلى تراث الشيخ محمد بن عبدالوهاب
والبحث في ثناياه عن أي شيء يخالف الكتاب والسنة النبوية المطهرة، ولن
يجدوه. أين الجديد أو الاختراع في هذه الدعوة حتى يطلقون عليها أشنع
الألقاب والصفات ويصمونها بأنها تتضمن أشياء غريبة خارجة عن الدين
الإسلامي؟!
قال الملك عبدالعزيز -رحمه الله-كما جاء في صحيفة أم القرى: "يسموننا
الوهابيين، ويسمون مذهبنا بالوهابي باعتبار أنه مذهب خاص وهذا خطأ فاحش
نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض...نحن لسنا أصحاب
مذهب جديد، أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا
هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وماكان عليه
السلف الصالح. ونحن نحترم الأئمة الأربعة لا فرق عندنا بين مالك والشافعي
وأحمد وأبي حنيفة."
وبرغم سقوط الدولة السعودية الأولى، إلا أنها عادت مرة ثانية ومرة ثالثة.
ولقد توقع المؤرخ الفرنسي فيلكس مانجان الذي عاصر سقوط الدولة السعودية
الأولى عودة الدولة مرة أخرى بسبب جذورها التاريخية وأسسها الدينية في
المنطقة، وكتب قائلا: "مازالت المبادئ نفسها موجودة، وقد ظهرت منها بعض
البوادر، ومع أن أسرة آل سعود قد تفرقت، ومع أن الفوضى تعم بين الزعماء،
فما زال هناك أُسٌّ خِصْبٌ يمكن للزمن والأحداث أن تجعله يتفتح من جديد."
إن هذه الدولة المملكة العربية السعودية التي هي امتداد للدولة السعودية
الثانية والدولة السعودية الأولى بل الدولة الإسلامية الأولى قدرها
واستمرارها إنما هو بالمحافظة على دينها الذي هو سبب عزتها ونصرتها والذي
التف حوله حواضر هذه البلاد وبواديها و حكامها منذ قيام الدولة السعودية
الأولى والدولة السعودية الثانية وفي عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك
سعود وفيصل وخالد وفهد -رحمهم الله، والملك عبدالله وولي عهده الأمير
سلطان،-حفظهما الله.
ولا يوجد أسرة أو قبيلة في هذه البلاد إلا و لآبائها أو أجدادها مشاركةٌ
فاعلة في توحيد البلاد وبنائها وتعزيز قوتها ورسالتها. والجميع في هذا
الوطن جزءٌ لا يتجزأ من هذا الانجاز التاريخي لهذه الدولة المباركة وأسهم
حقيقة في بنائها ووحدتها وتماسكها.
ولأهمية ارتباط هذه البلاد بالدين الإسلامي فقد نص النظام الأساسي للحكم
في مادته الأولى على أن المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات
سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم. كما تنص المادتان السابعة والثامنة على أن الحكم في
المملكة العربية السعودية يستمد سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله،
وأن الحكم فيها يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة
الإسلامية.
وعندما خاطب الملك عبدالعزيز المواطنين في أثناء زيارته المدينة المنورة
في محطة العنبرية في 21 ذو القعدة 1346هـ أشار إلى أهمية نصرة الدين الذي
هو أساس هذه الدولة وذلك حسب ما نشر في صحيفة أم القرى فقال:
"إنني أعتبر كبيركم بمنزلة الوالد وأوسطكم أخا وصغيركم ابناً فكونوا يداً
واحدة وألفوا بين قلوبكم لتساعدوني على القيام بالمهمة الملقاة على
عاتقنا، إنني خادم في هذه البلاد العربية لنصرة هذا الدين وخادم للرعية."
ويواصل اليوم سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز
-يحفظه الله- هذه السياسة المبنية على أسس الدولة من حيث نصرة الدين
وخدمة الحرمين الشريفين والمسلمين، والحرص على شعبه وعلى ما يخدمهم
وينميهم ويسهم في رقيهم. ولاشك أن هذا الحرص الذي يوليه الملك عبدالله
لشعبه وبلاده والذي يوليه أيضا جميع إخوانه وأبناء هذه الأسرة لهذه
ا
لبلاد هو استمرار لهذا المنهج وهذه الأسس التي تقوم عليها المملكة.
أيها الإخوة والأخوات:
إن شرعية هذه الدولة هي في منهجها وتاريخها الطويل الذي بدأ ببيعة شرعية
للالتزام بالدين الصحيح منهجاً ومسلكاً في الحكم والبناء السياسي
والاجتماعي وليس في حادثات الفكر المستورد أو الفوضى والتخبط الفكري الذي
لانهاية لجدله ولا فائدة من مبادئه. فأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض
وأما الزبد فيذهب جفاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منقول من الاسلام العتيق