عبدالله بن رواحة
صار إنشاد الشيخ واضحاً.. إنه من شعر شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم.. عبد الله بن رواحة.
الـجد: وفينا رسول الله نتلو iiكتابه
يـبـيتُ يجافي جنبه عن iiفراشه
أتـى بـالهدى بعد العمى، iiفقلوبُنا
إذا انشقَّ معروف من الفجر ساطعُ
إذا استثقلتْ بالمشركين iiالمضاجعُ
بـه مـوقـنات: أنّ ما قال واقعُ
مؤثر: قرع خفيف على الباب.
الراوي: يبدو أنهما جاءا.
الجد: ادخلوا يا أولادي.
مؤثر: صوت فتح باب وإغلاقه.
الحفيدان: السلام عليكم ورحمة الله.
الجد والراوي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الجد: بارك الله فيكما، فأنتما تأتيان في الموعد المحدد تماماً.
أحمد: هكذا علَّمنا رسول الله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
فاطمة: وهكذا علّمتنا يا جدي الحبيب.
أحمد: عمَّن ستحدثنا هذه الليلة يا جدنا الغالي؟
الجد: عن شاعر رسول الله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
أحمد: عن الشاعر حسان بن ثابت؟
الجد: بل عن الشاعر عبد الله بن رواحة.
أحمد: أنا أعرف أن حسان بن ثابت هو شاعر النبيّ.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: هذا صحيح.. وصحيح أيضاً، أنّ عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، من شعراء النبيّ أيضاً.
أحمد: نعم يا جدي!..
الجد: عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، شاعر، وبطل من أبطال الإسلام، ولد في مدينة يثرب، التي صار اسمها؟
فاطمة: المدينة المنورة.
الجد: لماذا؟
فاطمة: لأن الله نوّرها بهجرة النبي إليها، ومقامه فيها.
الجد: أحسنت با ابنتي.. وكان عبد الله بن رواحة عظيم القدر في قومه، سيّداً في الجاهلية، وسيّداً في الإسلام، وكان عظيم القدر عند رسول الله
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: فقد كان النبيُّ الكريم يحبُّه، ويحترمه، ويقدّره حقّ قدره.
أحمد: إذن.. هو من الأنصار؟
الجد: نعم يا ولدي.. إنه من الأنصار الذين آمنوا بالله ورسوله، ونصروا الإسلام والمسلمين، وآووا المهاجرين، وقدّموا لهم كل ما يستطيعون. عبد الله بن رواحة من قبيلة الخزرج، ولذلك يقولون: الخزرجي.
فاطمة: هل كلّ أهل المدينة من الخزرج؟
الجد: لا.. هناك قبيلة كبيرة أخرى تسكن المدينة المنورة، وهي قبيلة الأوس.
أحمد: إذن.. الأنصار هم من الأوس والخزرج.
الجد: أحسنت يا أحمد.. وكان عبد الله من القلائل الذين كانوا يتقنون القراءة والكتابة في الجاهلية والإسلام.
فاطمة: متى أسلم؟
الجد: أسلم عبد الله بن رواحة على يد الداعية العظيم مصعب بن عمير.
الجميع: رضي الله عنه.
الجد: وشهد معه بيعة العقبة الثانية، وكان أحد النقباء الاثني عشر، الذين اختارهم النبيّ الكريم ممن بايعوه في العقبة.
فاطمة: هذا قبل الهجرة.
الجد: وبعد الهجرة، آخى الرسول القائد.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: بينه وبين البطل المقداد بن عمرو، ومنذ ذلك الوقت، لم يفارق النبيَّ الكريم صلى الله عليه وسلم، وشهد معه كل المعارك والغزوات، إلى أن استشهد في معركة مؤتة.
أحمد: هنيئاً له.
الجد: كان صاحب رسول الله، وشاعره، وكاتبه.. كان من المقربين إلى رسول الله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: ومن كتّاب الوحي أيضاً.
أحمد: هل هناك فرق بين كاتب النبيّ وكاتب الوحي يا جدي؟
الجد: طبعاً هناك فرق كبير.. فبعض المسلمين كانوا يكتبون ما يأمرهم النبيُّ بكتابته، كالرسائل، والأوامر، والتعليمات، وما كان النبيُّ يكلفهم بكتابة الوحي الذي ينزل به جبريل عليه السلام، على نبيّنا الكريم.
الجميع: عليه أفضل الصلاة والسلام.
الجد: وكان فريق أخر من المسلمين، يكتبون للنبيّ كل شيء.. يكتبون الرسائل، والأوامر، والوحي، وكان عبد الله من هذا الفريق.
أحمد: هذا يدلّ على ثقة النبيّ به.
الجد: جداً.. وعندما رجع عبد الله من بيعة العقبة الثانية، وجد امرأته قد ولدت طفلاً، فأسماه محمداً، حباً بالنبيّ الكريم، وتيمّناً به، فصار يدعى: أبا محمد.
فاطمة: إذن.. كنيته أبو محمد.
الجد: نعم.
أحمد: ثم ماذا يا جدي؟ أظن أننا سنسمع الليلة شعراً كثيراً.
الجد: وجميلاً.. واسمعوا هذه الحادثة.
الراوي: مرّ عبد الله بن رواحة بالمسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه، فلما رأوه صاحوا: يا عبد الله بن رواحة.. يا عبد الله بن رواحة.
فعرف عبد الله أنّ رسول الله يريده، فانطلق نحوه، حتى إذا ما وصل إليه، سلّم عليه، فدعاه إلى الجلوس، فجلس بين يديه، فقال له النبيُّ الكريم: "أخبرني: ما الشّعر يا عبد الله؟
فقال عبد الله: الشعر شيء يختلج في الصدر، فينطلق به اللسان.
فقال له رسول الله:
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الراوي (متابعاً): "قل شعراً تقتنصه الساعة، وأنا أنظر إليك"؟
فقال عبد الله بن رواحة:
إني تفرست فيك الخير أعرفه والله يعلم أنْ ما خانني البصرُ
أنت النبيُّ
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الراوي (متابعاً):
ومن يُحرمْ شفاعتَهُ يوم الحساب فقد أزرى به القَدَرُ
فثبَّتَ الله ما آتاك من حسنٍ تثبيتَ موسى، ونصراً كالذي نُصروا
الحفيدان: اللهَ اللهْ.. اللَه اللهْ.
الراوي (متابعاً): فقال له النبيُّ الكريم: "وإياكَ فثبَّتَ الله".
الجد: صلى الله عليه وسلم، ورضي عن شاعره الهمام عبد الله بن رواحة.
الراوي (متابعاً): وتابع عبد الله إنشاده الجميل المرتجل:
ولو سألت أو استنصرت بعضهمو في جُلِّ أمرك، ما آووا، ولا نصروا
الجد: إي والله.. ما آووا ولا نصروا.
الراوي (متابعاً):
نـجالد الناس عن عرض iiفنأسرهم
وقـد عـلـمـتـم بأنّا ليس iiيغلبنا
يـا هـاشـم الخير إنّ الله iiفضّلكم
إنـي تـفـرّستُ فيك الخير iiأعرفه
فـيـنـا النبيُّ، وفينا تنزل iiالسُّوَرُ
حيٌّ من الناس، إن عَزُّوا وإن كثروا
عـلـى الـبـريّة فضلاً ماله iiغير
فـراسـة حالفتْهم في الذي iiنظروا
الحفيدان: الله الله.. الله الله.
الجد: هذا الشعر عسل مصفّى.. فيه الحبُّ، وفيه الصِّدق، فعبد الله بن رواحة –يا أولادي- بدأت حياته الحقيقية من اللحظة التي أسلم فيها، فقد عاهد الله ورسوله على النصرة والتأييد، وعلى البذل والعطاء في سخاء، فقد بذل ابن رواحة الكثير من ماله وجهده ووقته، ثم بذل روحه ودمه في سبيل الله.
أحمد: هيهِ يا جدي، فالحديث عن هذا الصحابيّ الجليل يثلج الصدر.
الجد: إذن.. اسمعوا هذه الحادثة الطريفة.
الراوي: استطاع الداعية العظيم مصعب بن عمير رضي الله عنه، أن يدخل الإسلام إلى كلّ بيت من بيوت (يثرب) إلا بيت أبي الدّرداء، صديق عبد الله بن رواحة، وأخيه من أمه. فحزّ ذلك في نفس ابن رواحة.
وكان لأبي الدرداء صنمٌ يعكف عليه، فيغسله ويطيّبه ويعبده، حاول ابن رواحة إقناع أخيه أبي الدرداء بالإسلام، وكان أبو الدرداء يأبى أن يترك دين آبائه وأجداده، فما كان من عبد الله بن رواحة إلا أن يذهب إلى بيت أبي الدرداء، ويحطّم له صنمه، وهو ينشد:
ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطل
أحمد: وأبو الدرداء؟
الجد: لم يكن في البيت.
الراوي (متابعاً): وعندما رجع أبو الدرداء ‘إلى بيته، ورأى صنمه المحطّم، وسأل عمّن فعل هذا بصنمه، أخبرته زوجته بما كان.. عندها قال أبو الدرداء وهو ينظر إلى صنمه المحطّم: "لو كان عند هذا الصنم خير لدافع عن نفسه".
الحفيدان: الله أكبر.
الجد: ثم جاء أبو الدرداء إلى أخيه ابن رواحة وأسلم، وصار من خيرة أصحاب رسول الله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: ولم ينس أبو الدرداء أخاه عبد الله يوماً.. كان يقول بعد استشهاد عبد الله بن رواحة:
الراوي: أعوذ بالله أن يأتي عليَّ يوم لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة. كان إذا لقيني مُقبلاً ضرب بين ثدييّ، وإذا لقيني مدبراً، ضرب بين كتفيّ وقال: يا عويمر اجلس بنا لنؤمن ساعة. فنجلس فنذكر الله ما شاء، ثم يقول: يا عويمر هذه مجالس الإيمان.
الحفيدان: الله أكبر.. الله أكبر.
الجد: واسمعوا –يا أولادي- هذه الحادثة مع اليهود الفاسدين المفسدين.
الراوي: كلّف رسول الله
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الراوي (متابعاً): عبد الله بن رواحة بالذهاب إلى خيبر، ليقدّر ما على النخيل من تمر ورطب، وكان ابن رواحة عادلاً وصارماً في التقدير، فحاول اليهود رشوته.. أرادوا أن يرشوه، ولكنّ عبد الله ردّهم ردّاً شديداً.. عنّفهم، ووبّخهم، وعرَّفهم أنّ المسلم لا يرتشي، ولا يخون الأمانة، فاستاؤوا منه، ولكنهم ما لبثوا أن انصاعوا له، ورضوا بحكمه، وأشادوا بعدله، الذي هو عدل الإسلام.
أحمد: يا ويل اليهود.. إنهم هم في الماضي والحاضر.
فاطمة: دعنا يا جدي من ذكر أبناء الأفاعي، وحدثنا عن البطل عبد الله ابن رواحة.
الجد: معك كلُّ الحقّ يا حفيدتي الغالية.
مؤثر: أصوات معركة.
الجد: قبل أن ينشب القتال في معركة بدر، خرج من صفوف المشركين ثلاثة منهم، وطلبوا المبارزة، فخرج إليهم عبد الله بن رواحة، وعوف ومعوِّذ –ابنا عفراء- ولكنّ المشركين رفضوا مبارزة الأنصار الثلاثة، وطلبوا من النبيّ أن يخرج إليهم أكفاءهم من قومهم، من قريش.
أحمد: فأمر الرسول القائد أن يخرج إليهم عمه حمزة أسد الله وأسد رسوله، وابنا عمه: عليّ بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث.
الجميع: رضي الله عنهم.
الجد: ورأى عبد الله قائده نبيّ الله يشتدُّ في تضرُّعه، ويلحُّ على الله في دعائه، لينصر المسلمين في بدر، وكان من جملة ما يقوله صلى الله عليه وسلم:
"اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعبد" فتقدم عبد الله من الرسول القائد، وقال له:
"يا رسول الله.. إنَّ الله أجلُّ وأعظم من أن ننشدَهُ وَعْدَه"
فاطمة: وماذا كان ردّ النبي الكريم يا جدي؟
الجد: قال له الرسول القائد:
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: يا ابن رواحة.. ألا أنشدُ اللهَ وَعده؟ إنّ الله لا يخلف الميعاد.
الراوي: وبعد أن نصر الله رسوله وأصحابه في غزوة بدر، بعث رسول الله عبد الله بن رواحة إلى المدينة المنورة، ليبشّر المسلمين بالنصر، فانطلق على ناقته ليبشّر أهل العالية، كما انطلق زيد بن حارثة على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبشّر أهل السّافلة، حتى إذا بلغا العقيق من المدينة، ضحى يوم الأحد، التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، اتجه عبد الله إلى أهل العالية من جهة الشّمال، وأخذ ينادي بأعلى صوته:
"يا معشر الأنصار: أبشروا بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتلِ المشركين وأسرِهم.."
الحفيدان: الله أكبر.. الله أكبر.
الجد: وفرح المسلمون بهذا النصر العظيم فرحاً عظيماً.
أحمد: وفي غزوة أحد؟
مؤثر: أصوات معركة.
الجد: لقد قاتل عبد الله بن رواحة قتالاً عظيماً، لا يقل عن قتاله وبطولته في غزوة بدر، وجالد المشركين دون رسول الله
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: وقد حزن ابن رواحة لمصرع أسد الله حمزة، ورثاه بقصيدة طويلة ورثى شهداء أحد، وعزّى رسول الله والمسلمين بذاك المصاب الأليم، وهجا المشركين، وذكّرهم بغزوة بدر، وقال لهم: إن قتلانا في الجنّة، وقتلاكم في النار.
أحمد: هل تحفظ منها شيئاً يا جدي؟
الجد: نعم.. أحفظ بعض أبياتها.. فاسمعوها.
بـكت عيني وحقَّ لها iiبُكاها
عـلـى أسد الإله غداة قالوا:
أُصـيب المسلمون به جميعاً
أبـا يعلى لك الأركان iiهُدَّتْ
عـليك سلام ربِّك في iiجنانٍ
ومـا يغني البكاء ولا iiالعويل
أحـمزة ذاكمو الرجل القتيل؟
هناك، وقد أصيب به الرسول
وأنـت الماجد البَرُّ الوَصُول
مُـخـالـطها نعيمٌ لا iiيزولُ
أحمد: وفي غزوة الخندق؟
الجد: في تلك الغزوة الرهيبة التي أراد المشركون بها استئصال شأفة الإسلام والمسلمين، كان المسلمون يحفرون الخندق، وكان الرسول القائد يحفر معهم، ويحمل التراب كما يحمل سائر المسلمين، حتى غطّى التراب بياض إبطيه.. رأى ابن رواحة هذا المنظر، فارتجز هذه الأبيات الرائعة التي حثّت المسلمين على العمل:
الراوي: يا ربِّ لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا
فأنزلنْ سكينة علينا
وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الذين قد بَغوا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا
فاطمة: الله الله.. ما أروع هذا الشعر!
الجد: وفي هذه الغزوة التي تسمى غزوة الخندق، وغزوة الأحزاب، حدثت معجزة عظيمة للرسول القائد.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل مع أصحابه الكرام في حفر الخندق حول المدينة، شاهد بنتاً صغيرة تحمل شيئاً في طرف ثوبها، فناداها، فأقبلت عليه، فسألها عمّا تحمل، فقالت له:
الطفلة: دَعَتني أمي عَمرة بنت رواحة، فأعطتني حفنة من تمر، وضعتها في ثوبي هذا، وقالت لي: اذهبي يا ابنتي إلى أبيك بشير، وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما.
الراوي: فقال لها النبيُّ الكريم: هاتيه.
فصبّت التمر في كفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأهما.. ثم أمر رسول الله بثوب فبُسط له، ثم وضع التمر فيه، فتبدّد فوق الثوب، ثم قال لأحد أصحابه:
"اصرخ في أهل الخندق: أنْ هلمّ إلى الغداء" فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل التمر يزيد، وأكلوا كلهم من ذلك التمر حتى شبعوا، ولم ينقص منه شيء، بل كان يسقط من أطراف الثوب.
فاطمة: كم كان عدد المسلمين الذين أكلوا؟
الجد: ثلاثة آلاف رجل.
الحفيدان: الله أكبر.
أحمد: ثلاثة آلاف رجل، أكلوا وشبعوا من حفنة تمر؟
الجد: إنها معجزة يا أحمد، أكرم الله بها رسوله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
فاطمة: أحببت هذا الشاعر العظيم وشعره، وأريد أن أسمع المزيد منه.
الجد: كما تحبين يا ابنتي، وأظن حفيدي أحمد يحبُّ الشعر.
أحمد: ليس كل شعر، أحب مثل شعر شاعرنا ابن رواحة، رضي الله عنه.
الجد: الحقُّ معكم، فهذا هو الشِّعر، لا ما نقرؤه هذه الأيام.
مؤثر: أصوات قافلة.
الجد: في عمرة القضاء، كان عبد الله بن رواحة آخذاً بزمام ناقة النبي
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد (متابعاً): وهو يرتجز:
خـلُّوا بني الكفار عن iiسبيله
يـا ربِّ إنـي مؤمن iiبقيله
قد أنزل الرحمان في iiتنزيله
بـأنّ خـير القتل في iiسبيله
خلُّوا فكلُّ الخير في iiرسوله
أعـرف حـقَّ الله في iiقبوله
في صحف تتلى على رسوله
ضرباً يزيل الهام عن iiمقيله
ويذهل الخليل عن خليله
نحن قتلناكم على تنزيله
كما قتلناكم على تأويله
فزجره عمر بن الخطاب وقال له:
- يا ابن رواحة، حرم الله، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول هذا الشِّعر؟
فاطمة: فماذا أجابه ابن رواحة؟
الجد: لم يجبه ابن رواحة، بل أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:
خلِّ عنه يا عمر، فوالذي نفسي بيده، لكلامه أشدُّ عليهم من وقع النَّبل.
فاطمة: ثم ماذا يا جدي؟
مؤثر: أصوات قافلة.
الجد: فيما كان الرسول القائد وأصحابه متوجهين إلى خيبر، قال الرسول لعبد الله بن رواحة: "ألا تحرك بنا الرّكب يا عبد الله؟"
الراوي: فنزل ابن رواحة عن ناقته، وقال أرجوزته التي نظمها يوم غزوة الأحزاب:
يا ربِّ لولا أنت ما اهتدينا
الجد: وكان ابن رواحة شديد الحبّ للرسول القائد.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: يطيعه في كل أمر، حتى لو كان ذلك الأمر عارضاً، ولا يعنيه بالذات.
أحمد: مثل ماذا يا جدي؟
الجد: اسمعوا هذه الحادثة:
الراوي: دخل عبد الله بن رواحة المسجد، ورسول الله
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الراوي (متابعاً): يخطب أصحابه، وسمع رسول الله يقول لأصحابه: اجلسوا. وكان عبد الله عند الباب، فجلس هناك، امتثالاً لأمر النبي الكريم، ولم يدخل ليكون مع الصحابة الكرام.. بقي خارج المسجد يستمع إلى خطبة النبي الكريم، حتى فرغ النبيُّ من الخطبة، ولما بلغ رسولَ الله ذلك، شكر لعبد الله طاعته.
الجد: ودعا له بقوله عليه السلام: "زادك الله حرصاً على طواعية الله وطواعية رسوله"
فاطمة: ما شاء الله! وهنيئاً لك يا جدي يا عبد الله، يا ابن رواحة، يا شاعر الرسول وحبيبه.
أحمد: وماذا عن عبادة ابن رواحة يا جدي؟
الجد: كانت زوجة ابن رواحة تقول:
"ما خرج عبد الله من بيته إلا صلّى ركعتين، ولا عاد إلى بيته إلا صلّى ركعتين".
الراوي: وقال أخوه وصديقه أبو الدرداء رضي الله عنه: "لقد رأيتُنا مع رسول الله
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الراوي (متابعاً): في بعض أسفاره، في اليوم الحار الشديد، حتى إنّ الرجل ليضع –من شدة الحر- يده على رأسه، وما في القوم صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة".
الجميع: رضي الله عنه.
الجد: كان عبد الله صوّاماً، قوّاماً، متمسكاً بأهداب الإسلام، مطيعاً لله ورسوله، منتهياً عما ينهيان عنه، واسمعوا يا أولادي هذه الحادثة التي تدلّ على شدة تمسُّكه بدينه، وخوفه من الله.
الراوي: حين نزلت آية الشعراء:
(والشعراء يتّبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كلِّ وادٍ يهيمون، وأنهم يقولون مالا يفعلون) أسرع شعراء الرسول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.. انطلق عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، إلى الرسول القائد وهم يبكون ويقولون:
قد –والله- عرفنا الله ففضحنا.
الجد: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-لا يا عبد الله، لا يا حسان.. لا يا كعب.. الشعراء يتّبعهم الغوون، ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون، وأنهم يقولون مالا يفعلون، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات.. أي أنتم.
الراوي: ففرح شعراء النبي صلى الله عليه وسلم، وامتلأت عيونهم بدموع الفرح، وامتلأت قلوبهم بالسعادة، بشهادة رسول الله لهم بالإيمان وعمل الصالحات.
الجد: أما قصة استشهاد شاعر الرسول والقائد البطل: عبد الله ابن رواحة، فاسمعوها من عمكم الراوي:
مؤثر: أصوات معركة.
الراوي: كان عبد الله بن رواحة أحد القادة الثلاثة الذين عيّنهم الرسول القائد على الجيش المتوجّه إلى مؤتة، لتأديب العرب الذين قتلوا رسول النبي إلى أمير بصرى الشام.
وفيما كان المسلمون يودّعون الجيش، بكى عبد الله بن رواحة، فسأله أحد الصحابة:
- ما يبكيك؟
الجد: فقال ابن رواحة: أما والله ما بي حبّ الدنيا، ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية في كتاب الله عز وجل، يذكر فيها النار:
(بسم الله الرحمن الرحيم. وإن منكم إلا واردها، كان على ربك حتماً مقضيّاً).
صدق الله العظيم، فلستُ أدري كيف لي بالصدور بعد الورود؟
يعني.. كيف أرد النار ثم أغادرها سليماً معافى؟
هل أنجو من حرّها، ولهيبها، وزمهريرها؟
الراوي: وقال لهم المسلمون المودّعون: صحبكم الله، ودفع عنكم، وردّكم إلينا صالحين.
الجد: فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
لكنني أسأل الرحمان مغفرة وضربة ذاتَ فَرعٍ تقذف الزَّبدا
أو طعنة بيدي حرّان مُجهزة بحربةٍ تُنفذُ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مرّوا على جدثي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا
الحفيدان: الله الله.. الله الله.
الراوي: ثم تقدّم عبد الله من رسول الله مودّعاً، وملأ عينيه من نوره، ثم قال:
خَلَفَ السلامُ على امرئٍ ودّعتُه في النخل خيرِ مشيِّعٍ وخليلِ
الجد: ثم سار الجيش وسار عبد الله، وكان يلتفت خلفه، ينظر إلى الرسول القائد مودّعاً، وكأنه أحسّ بأنه الوداع الأخير، ثم حثّ ناقته على المسير وهو يقول لها:
إذا أدَّيتني وحملتِ رحلي مسيرة أربع بعد الحَساء
فشأنك أنعمٌ وخلاك ذمٌّ ولا أرجعْ إلى أهلي ورائي
الراوي: ثم تابع شاعر الرسول يقول:
وجاء المسلمون وغادروني بأرض الشام، مشتهيَ الثّواء
وردَّكِ كلُّ ذي نسب قريب إلى الرحمان منقطعَ الإخاء
هنالك لا أبالي طَلْعَ بَعلٍ ولا نخلٍ أسافلُها رَواءِ
الجد: وعندما وصل الجيش إلى أرض الشام، بلغهم أن قيصر الروم قد حشد لهم مئة ألف من الروم، ومئة ألف من العرب المشركين، وجيش المسلمين ثلاثة آلاف مجاهد، فتردد المسلمون في خوض المعركة، فوقف عبد الله فيهم خطيباً ومتحمّساًُ، وكان فيما قال:
الراوي: يا قوم! والله إن التي تكرهون، لهي التي خرجتم تطلبون.. الشهادة.. والله إننا لا نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ولكن نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. فانطلقوا، فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور ونصر، وإما شهادة.
فقال المسلمون المجاهدون: لقد صدق ابن رواحة.
الجد: وهجم عبد الله على جموع الأعداء وهو ينشد ويحمّس:
يا نفس إلا تُقتلي تموتي هذا حياض الموت قد صَليتِ
وما تمنيتِ فقد لقيتِ إن تفعلي فعلهما هُديتِ
وإن تأخرتِ فقد شقيتِ
الراوي: وقال ابن رواحة القائد الشاعر البطل:
أقسمت يا نفس لتنزلنَّهْ
لتنزلنَّ أو لا لتكرهنَّهْ
إنْ أجلبَ الناسُ وشدّوا الرّنَّه
ما لي أراكِ تكرهين الجنه
قد طال ما قد كنتِ مطمئنه
هل أنتِ إلا نطفة في شنّه؟
الحفيدان: الله الله.. الله االله.
الجد: ثم أتاه ابن عمه بعظمة عليها لحمٌ وقال له:
- شُدّ بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت.
فأخذها ابن رواحة من يد ابن عمه، وانتهس منها نهسة، ثم سمع جلبة المتحاربين، فقال لنفسه معاتباً:
- وأنتِ في الدنيا؟
ثم تقدّم باتجاه العدوّ، فقاتل قتال من لا يحسب للموت حساباً، ثم ارتفعت روحه الطاهرة على سحابة من عبير.
مـــــنـــقـــــوووووووول