فلسفة زرادشت
لقد تأمل زرادشت بمنشأ الشر وسبب الألم، فوجد نفسه أمام ثنائية الألوهية المشطورة. من ناحية يقف الإله الخير "أهور مزدا" وفي ناحية يقف الإله الشر "دروج"، ولكل من هذين الإلهين قدرة على الخلق، فكلاهما قد خلق ما شاءت له الطبيعة من خلق بسببه تتسم هذه الطبيعة بطابع التضاد وتنقسم إلى مظهري الخير والشر.
الزردشتية هي عقيدة دينية تتمحور حول ألوهية إله واحد مطلق عالمي ومجرد، وقد جاء ذلك على صفحات الـ"أفت" حيث ينبعث صوت زرادشت عبر سطور الـ"جاتها يآسنا" يناجي الإله " أهور مزدا".
إني لأدرك أنك أنت وحدك الإله وأنك الأوحد الأحد، وإني من صحة إدراكي هذا أوقن تمام اليقين من يقيني هذا الموقن أنك أنت الإله الأوحد.. اشتد يقيني غداة انعطف الفكر مني على نفسي يسألها: من أنتِ؟ ولفكري جاوبت نفسي؛ أنا؟ إني زرادشت أنا، وأنا؟ كاره أنا الكراهية القصوى الرذيلة والكذب، وللعدل والعدالة أنا نصير! من هذه أتفكّر الطيبة التي تحوم في خاطري، ومن هذا الانعطاف الطبيعي في نفسي نحو الخير، ومن هذا الميل الفطري في داخلي إلى محق الظلم وإحقاق الحق أعرفك.
من هذه الانفعالات النفسية والميول الفكرية التي تؤلّف كينونتي وتكوّن كياني ينبجس في قلبي ينبوع الإيمان بأنك أنت وحدك أهورا مزدا، الإله وأنك الأوحد الأقدس الخيّر الحق .
محاسبة النفس عند زرادشت :
إن زرادشت دعا الإنسان إلى أن يعمل الخير دون أن ينتظر الجزاء، فإن الخير يحمل جزاؤه في نفسه، ولذلك عليه أن يستأصل عامل الشر من نفسه وينمّي في نفسه بذرة الخير، لأن خالقه جعل له عقلاً وأعطاه القلم بيده وعلّمه به ما لم يكن يعلم، وتركه يسطّر في لوحه ما يريد بعد أن بيّن له طرق الخير وأمره بإتباعها وبين له طرق الشر وأمره بمقاومتها، عن طريق هذا العقل الذي أعطاه إياه وهذا الضمير الذي أودعه فيه. بيد أن عند هذه النقطة، القائلة بحرية الاختيار لا يكل بها زرادشت أمر الهداية والضلال إلى الإله تارة وإلى مشيئة الإنسان أخرى، وإنما يلتزم مبدأً واحداً يقول بحرية الاختيار وينفي نفياً قاطعاً فكرة التواكل، فلا تواكل عنده، وإنما حرية الاختيار، ونتائجها جزاء و قصاص: "يا أيها الناس أمامكم طريقان.. تأملوا بذهن صافٍ هذين الطريقين، وفيها بوضوح انظروا حتى تختاروا أحدهما.. إن مصير كل واحد منكم يتكوّن تبعاً لهذا الاختيار".
مــنــقــــووووووووووول
صقـر عتيبـة