دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ = ولا تتجاوز فيه حدَّ المُعاتِبِ
فما كلُّ من حطَّ الرحالَ بمخفِقٍ =ولا كلُّ من شدَّ الرحال بكاسبِ
وفي السعي كَيْسٌ والنفوسُ نفائسٌ =وليس بكَيْسٍ بيعُها بالرغائبِ
وما زال مأمولُ البقاء مُفضّلاً =على المُلك والأرباحِ دون الحرائبِ
حضضتَ على حطبي لناري فلا تدعْ= لك الخيرُ تحذيري شرورَ المَحاطبِ
وأنكرتَ إشفاقي وليس بمانعي= طِلابي أن أبغي طلابَ المكاسبِ
ومن يلقَ ما لاقيتُ في كل مجتنىً =من الشوك يزهدْ في الثمار الأَطايبِ
أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى= إليَّ وأغراني برفض المطالبِ
فأصبحتُ في الإثراء أزهدَ زاهدٍ =وإن كنت في الإثراء أرغبَ راغبِ
حريصاً جباناً أشتهي ثم أنتهي =بلَحْظي جناب الرزق لحظَ المراقبِ
ومن راح ذا حرص وجبن فإنه= فقير أتاه الفقر من كل جانبِ
ولما دعاني للمثوبة سيّدٌ=يرى المدح عاراً قبل بَذْل المثَاوبِ
تنازعني رغْبٌ ورهب كلاهما= قويٌّ وأعياني اطِّلاعُ المغايبِ
فقدمتُ رجلاً رغبةً في رغيبةٍ=وأخّرتُ رجلاً رهبةً للمعاطبِ
أخافُ على نفسي وأرجو مَفازَها=وأستارُ غَيْب اللّهِ دونَ العواقبِ
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي =ومن أين والغاياتُ بعد المذاهبِ
ومِنْ نكبةٍ لاقيتُها بعد نكبةٍ =رَهِبتُ اعتساف الأرضِ ذاتِ المناكبِ
وصبري على الإقتار أيسرُ مَحْملاً =عليَّ مِنَ التغرير بعد التجاربِ
لقِيتُ من البَرِّ التّباريحَ بعدما =لقيتُ من البحر ابيضاضَ الذوائبِ
سُقيتُ على ريٍّ به ألفَ مَطْرةٍ =شُغفتُ لبغضِيها بحبّ المجَادِبِ
ولم أُسْقَها بل ساقَها لمكيدتي= تَحامُق دهرٍ جَدَّ بي كالمُلاعبِ
إلى اللَّه أشكو سخفَ دهري فإنه= يُعابثني مذ كنت غيرَ مُطائبِ
أبَى أن يُغيثَ الأرضَ حتى إذا ارتمتْ =برحلي أتاها بالغُيوثِ السواكبِ
سقى الأرضَ من أجلي فأضحتْ مَزِلَّةً=تَمايَلُ صاحيها تمايُلَ شاربِ
لتعويقِ سيري أو دحوضِ مَطيَّتي =وإخصابِ مُزوَّرٍ عن المجد ناكبِ
فملتُ إلى خانٍ مُرثٍّ بناؤُه= مميلَ غريقِ الثوب لهفانَ لاغِبِ
فلم ألقَ فيه مُستراحاً لمُتعَبٍ =ولا نُزُلاً أيانَ ذاك لساغِبِ
فما زلتُ في خوفٍ وجوعٍ ووحشةٍ =وفي سَهَرٍ يستغرقُ الليلَ واصبِ
يؤرِّقني سَقْفٌ كأّنيَ تحته =من الوكفِ تحت المُدْجِنات الهواضبِ
تراهُ إذا ما الطينُ أثقلَ متنَهُ=تَصِرُّ نواحيه صريرَ الجنادبِ
وكم خَانِ سَفْرٍ خَانَ فانقضَّ فوقهم= كما انقضَّ صقرُ الدجنِ فوق الأرانبِ
ولم أنسَ ما لاقيتُ أيامَ صحوِهِ= من الصّرِّ فيه والثلوج الأشاهبِ
وما زال ضاحِي البَرِّ يضربُ أهلَهُ =بسوطَيْ عذابٍ جامدٍ بعد ذائبِ
فإن فاته قَطْرٌ وثلج فإنه =رَهين بسافٍ تارةً أو بحاصبِ
فذاك بلاءُ البرِّ عنديَ شاتياً= وكم ليَ من صيفٍ به ذي مثالبِ
ألا رُبَّ نارٍ بالفضاء اصطليتُها =منَ الشَّمسِ يودي لَفْحُهَا بالحواجبِ
إذا ظلتِ البيداءُ تطفو إِكامُها =وترسُبُ في غَمْرٍ من الآلِ ناضبِ
فدعْ عنك ذكرَ البَرِّ إني رأيتُهُ= لمن خاف هولَ البحر شَرَّ المَهاربِ
كِلا نُزُلَيْهِ صيفُهُ وشتاؤُهُ =خلافٌ لما أهواهُ غيرُ مُصاقبِ
لُهاثٌ مُميتٌ تحت بيضاءَ سُخْنَةٍ= وَرِيٌّ مُفيتٌ تحت أسْحَمَ صائبِ
يجفُّ إذا ما أصبح الرّيقُ عاصباً =ويُغدقُ لي والرّيق ليس بعاصبِ
ويمنع منّي الماءَ واللَّوحُ جاهدٌ =ويُغرِقني والريُّ رَطْبُ المحَالِب
وما زال يَبغيني الحتوفَ مُوارِباً= يحوم على قتلي وغيرَ مُواربِ
فطوراً يُغاديني بلصٍّ مُصَلِّتٍ= وطوراً يُمَسّيني بورْدِ الشَّواربِ
إلى أنْ وقاني اللَّه محذورَ شرّهِ =بعزتِهِ واللَّه أَغلب غالبِ
فأفلتُّ من ذُؤبانهِ وأُسودِهِ= وحُرَّابِهِ إفلاتَ أَتوب تائبِ
وأما بلاءُ البحر عندي فإنه=فإنه طواني على روع مع الروح واقب
ولو ثاب عقلي لم أدعْ ذكرَ بعضهِ= ولكنه من هولِهِ غيرُ ثائب
وَلِمْ لا ولو أُلقيتُ فيه وصخرة ً= لوافيتُ منه القعرَ أولَ راسبِ
ولم أتعلم قط من ذي سباحة ٍ=سوى الغوص، والمضعوف غيرُ مغالِبِ
فأيسر إشفاقي من الماء أنني =أمرّ به في الكوز مرَّ المجانب
وأخشى الردى منه على كل شارب= فكيف بأمنيه على نفس راكب
أظلّ إذا هزته ريح ولألأت =له الشمسُ أمواجاً طِوالَ الغواربِ
كأني أرى فيهنّ فُرسانَ بُهمة ٍ =يليحون نحوي بالسيوف القواضب
فأن قلت لي قد يُركَب اليّمُ طامياً =ودجلة عند اليّم بعض المذانب
فلا عذرَ فيها لامرء هاب مثلها =وفي اللجة الخضراء عذرٌ لهائب
فإنّ احتجاجي عنك ليس بنائمٍ =وإن بياني ليس عني بعازبِ
لدجلة َ خَبٌّ ليس لليمِّ، إنها =تَراءى بحلمٍ تحته جهْلُ واثب
تطامنُ حتى تطمئنَّ قلوبُنا =وتغضب من مزح الرياح الواعب
وأَجرافُها رهْنٌ بكلِّ خيانةٍ= وغَدْرٍ ففيها كُلُّ عَيْبٍ لِعائبِ
ترانا إذا هاجتْ بها الرِّيحُ هَيْجةً= نُزَلزَلُ في حَوماتها بالقواربِ
نُوائل من زلزالها نحو خسفه=ا فلا خير في أوساطها والجوانب
زلازل موج في غمار زواخرٍ= وهدَّاتُ خَسْفٍ في شطوطٍ خواربِ
ولليمِّ إعذارٌ بعرضِ متونِهِ =وما فيه من آذيِّهِ المتراكبِ
ولستَ تراهُ في الرياحِ مزلزلاً= بما فيه إِلّا في الشداد الغوالبِ
وإنْ خيفَ موجٌ عيذ منه بساحلٍ= خليٍ من الأجراف ذات الكباكب
ويلفظ ما فيه فليس معاجلاً =غريقاً بغتٍّ يُزهقُ النفسَ كاربِ
يعللُ غرقاهُ إلى أن يُغيثَهم= بصنعٍ لطيفٍ منه خيرِ مصاحَبِ
فتلقى الدلافين الكريمَ طباعُها =هناك رِعالاً عند نَكبِ النواكبِ
مراكبَ للقومِ الذين كبا بهم=فهم وسطه غرقى وهم في مراكب
وينقضُ ألواحَ السفينِ فكُلُّها =فمن ساد قوماً أوجب الطولَ أن يُرى
وما أنا بالراضي عن البحر مركبا =ولكنني عارضتُ شَغْبَ المشاغبِ
صدقْتُك عن نفسي وأنت مُراغمي= وموضعُ سري دون أدنى الأقاربِ
وجرَّبتُ حتى ما أرى الدهرَ مُغرِباً= عليّ بشيءٍ لم يقعْ في تجاربي
أرى المرءَ مذ يلقى الترابَ بوجهِهِ =إلى أن يُوارَى فيه رهن النوائبِ
ولو لم يُصَبْ إِلّا بشرخِ شبابِهِ= لكان قد استوفى جميعَ المصائبِ
ومن صَدَق الأخيارَ داوَوْا سقامَهُ= بصِحَّةِ آراءٍ ويُمْنِ نَقائبِ
وما زال صدقُ المستشير معاونا=ً على الرأي لُبَّ المستشار المحازِبِ
وأبعدُ أدواءِ الرجالِ ذوي الضّنى =من البرء داءُ المستطِبِّ المكاذبِ
فلا تنصبنَّ الحربَ لي بملامتي= وأنت سلاحي في حروب النوائبِ
وأجدى من التعنيف حسنُ معونةٍ= برأيٍ ولينٍ من خطابِ المخاطبِ
وفي النصح خيرٌ من نصيحٍ مُوادِعٍ =ولا خيرَ فيهِ من نصيحٍ مُواثبِ
ومثليَ محتاجٌ إلى ذي سماحةٍ= كريمِ السجايا أريحيِّ الضرائبِ
يلينُ على أهلِ التسحُّب مَسُّهُ =ويقضي لهم عند اقتراح الرغائبِ
له نائلٌ ما زال طالبَ طالبٍ =ومرتادَ مرتادٍ وخاطبَ خاطبِ
ألا ماجدُ الأخلاقِ حُرٌّ فَعالُهُ =تباري عطاياهُ عطايا السحائبِ
كمثل أبي العباس إنَّ نوالَهُ= نوال الحيا يسعى إلى كلِّ طالبِ
يُسيِّر نحوي عُرْفَهُ فيزورني= هنيئاً ولم أركبْ صعابَ المراكبِ
يَسير إلى مُمتاحه فيجودُهُ =ويكفي أخا الإمحال زَمَّ الركائبِ
ومن يكُ مثلاً للحيا في عُلُوِّهِ= يكنْ مثلَهُ في جودهِ بالمواهبِ
وإنَّ نِفاري منه وهو يُريغني= لَشيءٌ لرأي فيه غيرُ مناسبِ
وإن قعودي عنهُ خيفةَ نكبةٍ= لَلؤمُ مَهَزٍّ وانثناءُ مَضاربِ
أُقرُّ على نفسي بعيبي لأنني =أرى الصدقَ يمحو بَيّنات المعايبِ
لَؤُمْتُ لَعمر اللَّه فيما أَتيتُهُ =وإن كنتُ من قومٍ كرام المناصِبِ
لهم حِلْمُ إنسٍ في عَرامة جِنّةٍ =وبأسُ أُسودٍ في دهاء ثعالبِ
يصولون بالأيدي إذا الحربُ أَعملتْ=سيوفَ سُريجٍ بعد أرماح زاعبِ
ولا بد من أن يَلؤُم المرءُ نازعاً= إلى الحَمَأ المسنونِ ضربة لازبِ
فقل لأبي العباس لُقِّيتَ وجهَهُ =وحَسْبُك مني تلك دعوةَ صاحبِ
أمَا حقُّ حامي عِرض مثلك أن يُرى =له الرفدُ والترفيهُ أَوْجَبَ واجبِ
أَمِنْ بعدِ ما لم تَرْعَ للمالِ حرمةً =وأسلمتَهُ للجود غيرَ مُجاذبِ
فأعطيتَ ذا سلمٍ وحربٍ وَوُصلةٍ =وذنبٍ عطايا أدركتْ كلَّ هاربِ
ولم تُشخِصِ العافين لكنْ أتتهُمُ =لُهاك جَليباتٍ لأكرمِ جالبِ
عليماً بأنّ الظَّعْنَ فيه مشقّةٌ =وأنّ أَمرَّ الربح ربحُ الجلائبِ
تُكلّفني هولَ السِّفارِ وغولَهُ= رفيقَ شتاءٍ مُقْفعِلَّ الرواجبِ
ولاسيّما حين ارتدى الماءُ كِبْرَهُ =وشاغَب أنفاسَ الصَّبا والجنائبِ
وهرَّتْ على مُستطرِقي البَرَّ قَرَّةٌ= يَمسُّ أذاها دونَ لوثِ العصائبِ
كأن تمامَ الودِّ والمدح كلَّهُ =هُوِيُّ الفتى في البحر أو في السَّباسبِ
لعمري لئن حاسَبْتني في مثوبتي= بخفضي لقد أجريتَ عادةَ حاسبِ
حَنانَيْك قد أيقنتُ أنك كاتبٌ =له رتبةٌ تعلو به كلَّ كاتبِ
فدعني من حكمِ الكتابة إنهُ =عدوٌ لحكم الشعر غيرُ مقارِبِ
وإِلّا فلَم يستعملِ العدلَ جاعلٌ= أَجَدَّ مُجدٍّ قِرْنَ أَلعبِ لاعبِ
أيعزُبُ عنك الرأيُ في أن تُثيبني= مقيماً مصوناً عن عناء المطالبِ
وتخرج من أحكام قومٍ تشدّدوا =فقد جعلوا آلاءهم كالمصائبِ
أيذهبُ هذا عنك يا ابن محمدٍ =وأنت مَعاذٌ في الأمور الحوازبِ
لك الرأي والجودُ اللذان كلاهما =زعيمٌ بكشف المطبِقات الكواربِ
وما زلت ذا ضوء نوءٍ لمجدبٍ =وحيرانَ حتى قيل بعضُ الكواكبِ
تغيث وتَهدي عند جدبٍ وحيرةٍ =بمحتفل ثَرٍّ وأزهر ثاقِبِ
وأحسُن عرفٍ موقعاً ما تنالُه=ُ يدي وغُرابي بالنوى غيرُ ناعبِ
أراك متى ثَوَّبتني في رفاهةٍ =زففتَ إليَّ المُلْكَ بين الكتائبِ
وأنت متى ثوَّبتني في مشقّةٍ =رأيتك في شخصِ المُثيب المعاقِبِ
ولو لم يكن في العرف صافٍ مهنّأٌ= وذو كَدَرٍ والعرفُ شتَّى المَشاربِ
إذاً لم يقل أعلى النوابغِ رتبةً= لمِقوَلِ غَسّانِ الملوكِ الأَشايبِ
عليَّ لعمروٍ نعمةٌ بعدَ نعمةٍ= لوالِده ليستْ بذات عقاربِ
وما عقربٌ أدهَى من البين إنه= له لَسْعةٌ بين الحشا والترائبِ
ومن أجل ما راعى من البين قوله= كليني لهمٍّ يا أميمةَ ناصبِ
أبيتَ سوى تكلِيفك العرفَ مُعْفِياً= به صافياً من مؤذيات الشوائبِ
بل المجدُ يأبي غيرَ سَوْمِك نفسَه=ُ ورفعِك عن طود المُنيل المحاسبِ
فصبراً على تحميلك الثِّقلَ كلَّهُ =وإن عزَّ تحميلُ القرومِ المَصاعبِ
ولا يعجبنَّ الناسُ من سعي متعَبٍ= مُشيحٍ لجدوى مستريح مُداعبِ
فمن ساد قوماً أوجب الطولُ أن يُرى= مُجِدّاً لأدناهُمْ وهم في الملاعبِ
ومن لم يزل في مَصْعَدِ المجد راقياً= صعابَ المَراقي نال عُليا المراتبِ
ألم ترني أتعبتُ فكري مُحكِّكاً= لك الشعرَ كي لا أُبتلى بالمتاعبِ
نَحلتُك حَلْياً من مديحٍ كأنه= هَوى كلِّ صبٍّ من عِناق الحبائبِ
أنيقاً حقيقاً أن تكون حِقاقُهُ =من الدرّ لا بل من ثُدِيِّ الكواعبِ
وأنت له أهلٌ فإن تجْزني به= أزِدْك وإن تُمْسِكْ أقفْ غيرَ عاتِب
فإن سَألتْنِي عنك يوماً عصابةٌ =شهدتُ على نفسي بسوء المناقبِ
وقلت دعاني للندى فأتيتُه=ُ فأمسكَهُ بل بثَّهُ في المناهبِ
وما احتجزتْ مني لُهاهُ بحاجزٍ= ولا احتجبتْ عني هناك بحاجبِ
ولكن تَصدَّتْ وانحرفتُ لحرفتي= ففاءت ولم تظلِم إلى خيرِ واهبِ
وما قلت إلا الحقَّ فيك ولم تزل= على منهجٍ من سُنّةِ المجد لاحبِ
وإني لأشقَى الناس إن زُرَّ ملبسي=على إثمِ أفَّاكٍ وحسرةِ خائبِ
وكنتَ الفتى الحرَّ الذي فيه شيمةٌ=تَشيم عن الأحرار حدَّ المَخالبِ
ولست كمن يعدو وفي كلماتِهِ=تظلُّمُ مغصوبٍ وعدوانُ غاصبِ
يحاول معروفَ الرجالِ وإن أَبوْا =تعدَّى على أعراضهم كالمُكالبِ
وأصبح يشكو الناسَ في الشعر جامعاً= شكايَة مسلوبٍ وتسليطَ سالبِ
فلا تَحرمنّي كي تُجِدَّ عجيبةً =لقومٍ فحسبُ الناس ماضي العجائبِ
ولا تنتقصْ من قدر حظّي إقامتي= سألتك بالداعين بين الأَخاشبِ
وما اعتقلتني رغبةٌ عنك يَمَّمت= سواك ولكن أيُّ رهبة راهبِ
كأني أرى بالظعن طعنَ مُطاعِنٍ =وبالضرب في الأقطار ضربَ مضاربِ
وليس جزائي أن أَخيب لأنني =جَبُنْتُ ولم أُخْلَق عتادَ مُحارِبِ
يُطَالبُ بالإقدام من عُدَّ مُحْرَباً=وسُمِّي مذ ناغى بقودِ المَقانبِ
ولم يمشِ قيدَ الشبرِ إلا وفوقه =عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائبِ
فأمَّا فتىً ذو حكمةٍ وبلاغةٍ =فطالبْهُ بالتسديد وسط المَخاطبِ
أَثبني ورَفِّهني وأَجزلْ مثوبتي= وثابرْ على إدرارِ بِرِّي وواظبِ
لتأتيني جدواك وهي سليمةٌ =من العيب ما فيها اعتلالٌ لعائبِ
أثقِّلُ إدلالي لتحملَ ثِقْلَهُ =بطوع المُراضي لا بكرهِ المغاضبِ
وما طلبُ الرِّفْد الهَنيء ببدعةٍ =ولا عجبُ المُسترفدِيهِ بعاجبِ
وذاك مَزيدٌ في معاليك كلُّهُ =وفي صدقِ هاتيك القوافي السواربِ
وما حَقُّ باغيك المزيدَ انتقاصُهُ =ولاسيما والمالُ جَمُّ الحلائبِ
وأنت الذي يضحي وأدنى عطائِهِ =بلوغُ الأماني بل قضاءُ المآربِ
وتوزَنُ بالأموال آمالُ وفدِهِ= وإرفادُ قومٍ بالظنون الكواذبِ
أقمتُ لكي تزدادَ نعماك نعمةً =وتَغْنَى بوجهٍ ناضرٍ غيرِ شاحبِ
وكي لا يقولَ القائلون أثابَهُ =وعاقَبَهُ والقولُ جَمَّ المَشاعِبِ
وصَوْني عن التهجين عُرفَك موجِبٌ =مَزيدَك لي في الرفد يا ابن المَرازِبِ
بوجهك أضحى كلُّ شيءٍ منوراً =وأبرزَ وجهاً ضاحكاً غيرَ قاطبِ
فلا تبتذلْهُ في المَغاضب ظالماً =فلم تؤتَ وجهاً مثله للمغاضبِ
نشرت على الدنيا شعاعاً أضاءها =وكانت ظلاماً مُدلهِمَّ الغياهبِ
لِيَهنِ فتىً أطراك أنْ نال سُؤْلَهُ =لديك وأنْ لم يحتقِب وِزْرَ كاذبِ
رضا اللّهِ في تلك الحقائب والغنى =جميعاً ألا فوزاً لتلك الحقائبِ
كأني أراني قائلاً إنْ أعانني= نداك على ريب الخطوب الروائبِ
جُزيتَ العلا من مستغاثٍ أجابني =جوابَ ضَحوكِ البرقِ داني الهيادبِ
وفي مُستماحي العرفِ بارقُ خُلَّبٍ= ولامعُ رقراقٍ ونارُ حُباحبِ
تسحّبتُ في شعري ولان لجلدتي= ثراه فما استخشنتُ مسَّ المسَاحبِ
وليس عجيباً أن ينوبَ تكرُّمٌ =غذيتُ به عن آمِلٍ لك غائبِ
أقمْهُ مُقامي ناطقاً بمدائحي =لديك وقد صدّرتها بالمنَاسبِ
ذماميَ تَرْعَى لا ذمامَ سفينة= وحَقِّيَ لا حقَّ القِلاصِ الذَّعالبِ
وفي الناس أيقاظٌ لكل كريمةٍ= كأنهمُ العِقبانُ فوقَ المَراقبِ
يُراعون أمثالي فيستنقذونهم =وهم في كروبٍ جمّةٍ وذَباذبِ
إلى اللَّه أشكو غُمّةً لا صباحُها= يُنير ولا تنجاب عني بجائب
نُشوبَ الشَّجا في الحلق لا هو سائغ =ولا هو ملفوظ كذا كلُّ ناشِب