كاتب المقال: فهد عامر الأحمدي
حين تطرح مسألة رياضية بسيطة على ثلاثة أشخاص حولك (مثل حاصل جمع 4 مع 3) فيجيبك الأول (7) فهذا دليل على أنه انسان عاقل وسوي، وبالتالي لن يثير اهتمامك.
وحين يجيبك الثاني (9) فهذا دليل على أنه غبي وبليد في الرياضيات، وقد تشفق عليه ولكنه أيضا لن يثير اهتمامك أو تتوقف عنده كثيرا.
أما حين يجيبك الثالث (595 ألف مليون) فهذا إما مجنون خالص، أو عبقري بمستوى أنشتاين لم نفهم كيف أتى بهذه النتيجة، وفي كلتا الحالتين يستحق الرجل الوقوف عنده ومناقشته والاستماع إليه!!
وفي الحقيقة؛ حين تتأمل تصرفات كثير من العباقرة تكتشف أنها تصب في خانة الجواب الثالث (الذي يعني ببساطة أننا لا نفهم كيف أو لماذا يفعلون ذلك).. خذ كمثال الفيلسوف الألماني نيتشه الذي كان منطويا على نفسه، ويتحدث مع حصانه، ويحتقر النساء، وقضى أفضل 12 سنة من عمره في مستشفى للمجانين. أما تشارلز ديكنز (أشهر الأدباء الإنجليز) فكان يخرج من منزله ليلا ويسير بلا هدى لخمسة أميال في الليلة الواحدة ويدخل على زملائه من نوافذ بيوتهم بحجة مفاجأتهم.
أما فولتير الفرنسي فكان لا يبدأ الكتابة إلا عند وضع اثني عشر قلم رصاص أمامه، وبعد أن ينتهي من الكتابة يكسر هذه الأقلام ثم يلفها بالورق ويضعها تحت وسادته حين ينام (وأتحدى تخمينك للدافع).. حتى انشتاين أعظم علماء الفيزياء في العصر الحديث كان عاجزا عن فهم أبسط أصول الاتيكيت ويظهر دائما بجراح صغيرة على ذقنه بسبب استعماله صابون البانيو لحلاقة ذقنه (فهذا الرجل الذي عقد أفكار الناس كان يعتقد أن استعمال نوعين من الصابون يجعل الدنيا معقدة).. وكل هذا يثبت أن الجنون والعبقرية وجهان لعملة واحدة.. يعتمد كل وجه على فهمك أنت لسر الجواب الثالث!!
.. واليوم يعتقد بعض علماء النفس ان العبقرية نوع من الجنون الفريد لأنها تحمل نوعا مختلفا من التفكير والتصور.. وأن "العقد النفسية" ضرورة للإبداع والتفوق بدونها يصبح العبقري سويا مثل بقية الناس.. وأذكر أن أحد الأطباء الانجليز قدم دلائل على إصابة انشتاين بعلامات التوحد وقال ان مظاهر التوحد البسيط توجد لدى معظم العباقرة، ويظهر ذلك من خلال عجزهم عن مخالطة الجماهير وعدم قدرتهم على الخوض في أي حديث خارج تخصصهم!!
والطريف ان كثيرا من العباقرة أنفسهم رجحوا هذا الرأي حيث يقول الفيلسوف بيرن مثلا "نحن أصحاب الصنعة كلنا مجانين" في حين يقول الأديب دريدن "المفكرون العظام يتراقصون على حبل مشدود بين العقل والجنون".. أما أفلاطون فطالما نصح سكان أثينا بعدم تقليده في أي تصرف يقدم عليه!!
.. بقي أن أشير الى جانب آخر خاص بنا (نحن عامة الناس) يساهم في ترسيخ فكرة الجنون لدى العباقرة: فغالبا ما نعمد الى انتقاء الغريب والشاذ من حياة المبدعين ثم نعمّمه كقاعدة ودليل على إصابتهم بالجنون.. ولكن الحقيقة هي أن مجرد صبرنا عليهم وتفهمنا لهم وحديثنا معهم يثبت أن الجواب الثالث (595 ألف مليون) جواب منطقي وذكي وأبسط مما نتصور..
.. أعني؛ ماذا لو قال لك إنه عدد الوحدات الحرارية الناجمة عن تفجير سبع غرامات من اليورانيوم النشط!!