الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن صلة الأرحام من أعظم القربات إلى الله وأجلها، قال تعالى: وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1] والمسلم في هذه الدنيا يجدّ في السير إلى رحاب جنة عرضها السموات والأرض ومما يعينه في ذلك السير تلمس ثمار القيام بصلة الأرحام ومنها:
1 ـ امتثال أمر الله ورسوله بصلة الرحم حيث أن رسول الله قرنها بعبادة الله تعالى دلالة على عظم شأنها كما في حديث عمرو بن عبسة لما سأل رسول الله بأي شيء أرسلك الله قال: { بكسر الأوثان وصلة الرحم وأن يوحد الله لا يشرك به شيء } [رواه مسلم].
2 ـ طلب القرب والإحسان والأفضال من الله تبارك وتعالى كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله : { إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم ! أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى قال: فذلك لك... } الحديث.
3 ـ طمعاً في دخول الجنة، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجة والترمذي والدارمي، عن عبدالله بن سلام قال: لما قدم النبي المدينة انجفل الناس قبلةُ، وقيل: قد قدم رسول الله ، قد قدم رسول الله ، قد قدم رسول الله - ثلاثاً - فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكأن أول شيء سمعته تكلم به أن قال: { يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام }.
4 ـ كسب الرزق والبركة في الذرية والذكر الحسن، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله يقول: { من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه }.
5 ـ دفع العقوبة المترتبة على قطيعة الرحم، كما في قوله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:23،22] وكما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن محمد بن جبير بن مطعم قال: إن جبير بن مطعم أخبره أنه سمع النبي يقول: { لا يدخل الجنة قاطع رحم }، وكذلك في الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد، عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله : { ما من ذنب أجدر أن يُعجل الله بصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم }.
آداب وضوابط صلة الرحم:
1 ـ أن تستصحب الإخلاص لله تعالى في كل عمل تقوم به، وأن تلزم الإلتجاء إلى الله سبحانه ودعائه بأن يوفقك وأن يفتح على يديك، وأن تنطلق مع محبوبات الله أني استقلت ركائبها، مع الاجتهاد في دفع كل ما يعارض هذا الأصل العظيم الذي هو أنفع الأصول وأصلحها للقلب وأعظمها فوائد ونتائج، مع اجتهادك فيه تلجأ إلى الله تعالى في إعانتك عليه وتيسيره لك.
2 ـ التدثر بالصفح والعفو والمسامحة لكل من أخطأ عليك، ومقابلة ذلك بالإحسان. وَلاَ تَستوِى الحَسَنَةُ وَلاَ السّيِئَةُ ادفَع بِالّتي هِىَ أَحسَنُ فَإذَا الّذى بَينكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأنّهُ وَلِىّ حَمِيمٌ [فصلت:34].
3 ـ أن تستشعر دائماً أن أقاربك وأرحامك أولى الناس بك، وأحقهم بعطفك وخيرك وَأُولُُوا الأرحَامِ بَعضُهُم أََولَى بِبعضٍ فىِ كِتَابِ اللّهِ إنّ اللّهَ بِكُلِ شَىءٍ عَلِيمُ [الأنفال:75]. روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والدارمي عن سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله : { الصدقة علّى المِسكيِنِ صدقة وهي على ذي القَرابَةِ اثنتان صِلة وصدّقة }.
4 ـ أن تدرك أن صلة الرحم من أخص صفات المؤمنين بل إنها من أبرز صفات سيد المرسلين كما قالت خديجة رضي الله عنها لرسول الله مطمئنة له ومهدية من روعه: ( كلا لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم ) [رواه البخاري ومسلم]. وروى البخاري عن أبي هُريرة عن النبي قال: { مَن كَان يؤمِن بالله وَاليومِ الآخِرِ فَليصل رَحِمَهُ وَمَن كانّ يؤمِنُ بِالله وَاليَومِ الآخِرِ فَليقُل خَيراً أو ليصمت }.
5 ـ أن تكون قدوة حسنة في جميع أعمالك وتصرفاتك وأخلاقياتك مع جميع أقاربك ومع غيرهم، مع البعد التام عن الإنتصار للنفس؛ وأن لا يكون في سلوكك ثغرات تفقدك ثقتهم، وانظر إلى سيد الرسل صلوات الله وسلامه عليه لم ينتقم لنفسه قط.
6 ـ أن يروا منك الإيجابية في التعاون معهم، ومسارعتك في قضاء حوائجهم والوقوف في صفهم في الحق، وبذل جاهك وشفاعتك لهم، ومحاولة إيجاد البدائل فيما لم توافقهم عليه من أعمال أو تصرفات.
7 ـ العفو والتجاوز عن حقوقك الذاتية تجاههم؛ بل تحاول أن تتناسها تماماً، ومن ذلك المكافأة في الصلة فالواصل ليس بالمكافي. روى البخاري عن عبدالله بن عمرو عن النبي قال: { ليس الواصل بالمكافي ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمهُ وصلها }.
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: { لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك }.
8 ـ طول النفس، وسعة البال معهم، فالطريق طويل، والصبر جميل، وتدرع بالفأل الحسن، وافتح لنفسك باب الأمل فقد لبث نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعو قومه. وقال رسول الله صلى عليه وسلم عن كفار قريش بعد ما لاقاه منهم: { إني أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله }.
9 ـ إبعاد عنصر اليأس من صلاحهم، فإنه متى تطرّق إليك الشك من صلاحهم فقد حكمت على نفسك بالفشل في بداية الطريق.
10 ـ عدم تعليق الفشل وعدم النجاح عليهم فإنك متى عمدت إلى هذا فقدت عنصر التقويم والتعديل والتطوير لنفسك ولم تحاول أن تراجع خطواتك وطريقتك في التعامل معهم، فهذا نبي الله نوح عليه السلام، قام باستخدام جميع الوسائل في نصح قومه، ولم يقتصر على أسلوب بعينه، ويعلن إنحراف قومه وفشلهم، بل قال لربه جل وعلا: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً (12) مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً [نوح:5-14].
11 ـ أهمية جعل أهداف لصلة الرحم يمكن مراقبتها وقياسها حتى تعلم مدى نجاحك فيها أو تقصيرك، وأسباب الضعف والخلل.
12 ـ الإستعانه بالله جل وعلا على دعوتهم إلى الله وتوجيههم مع لزوم الدعاء لهم في ظهر الغيب في كل حال وفي أوقات الإجابة والأزمنة والبقاع الفاضلة.
13 ـ الإهتمام البالغ - وقبل كل شيء - بكسب محبتهم في جميع الطرق التي ترضى الله عز وجل.
14 ـ إلتزام الأسلوب الحسن والكلام الطيب، والابتسامة، والبشاشة عند لقياهم والدعاء لهم. فالكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجهه صدقه، وطلاقة الوجه صدقة.
15 ـ زيارتهم، والسؤال عن حالهم، والإتصال الهاتفي بهم، ومن الأشياء المعينة على ذلك تخصيص يوم معين لمهاتفتهم؛ مثلاً: يوم الجمعة.
16 ـ صحبتهم في بعض الرحلات للعمرة، أو الحج، أو النزهة، مع تحمل ما لا يلائمك من عادات وصفات؛ فهم أولى بذلك من غيرهم.
17 ـ مشاركتهم في أفراحهم، ومناسباتهم، والمباحات من أعمالهم دون زيادة تسقط الهيبة، وتضعف الشخصية.
18 ـ ملاطفة الأطفال وملاعبتهم؛ وهذا خُلق نبوي رفيع، وهو أدعى وأيسر طريق في كسب محبة أهلهم.
19 ـ الإحتساب في ذلك كله، والإخلاص فيه لله تعالى، دون إنتظار الشكر والثناء من أحد منهم، بل إن من الإعداد النفسي كما قال ابن حزم: أن تنظر مقابلة إحسانك عليهم، إساءتهم وتعديهم وظلمهم لك، فإنك في ذلك تحقق هدفين: أن يكون عطاؤك وصلتك لله تعالى، أن لا تصاب بالإحباط والقلق عند عدم المكافئة بالحسنى.
20 ـ الإهتمام بالمناسبات التي يحث عليها ديننا الإسلامي وإحيائها مثل: الأعياد، قدوم مولود جديد العقيقة، والزواج والوفاة وهكذا
منقولة