تذكّر ..
و أنت تجرجر خطواتِك بكسلٍ نحْو الحمّام في الصّباح لكي تغسِل أسنانك تاركاً للمياه أن تنهمِر من الصُّنبور ،
تذكّر أنّ غيرَك يخرُج منذ الفجر و يسير لساعاتٍ طويلة لكي يقِف في صفّ طويل أمام الآبار و السّواقي بانتظار دوره للحصُول على قطرة ماء .
و أنت تُدير مفتاحك في قفل باب فيلتك الحديديّ المصفَّح ،
تذكّر أنّ غيرَك ما زالَ بلا بيت ، و ما زال يسند بابَ كوخِه بالمكنسة .
و أنْتَ تملؤ حوض السِّباحة في إقامتِك الفارهة تحسُّبا لضيوف مفاجئين ،
تذكّر أنّ غيرَك يملؤ الأَسْطُلَ و أواني الغسيل تحسُّباً لعطشٍ مفاجيء .
و أنت تدخّن سيجاركَ الكوبيّ الفاخر ،
تذكر أنّ غيرَك يحاول توفير ثمن ما تدخِّنُه لكي يستطيع اقتناء أنبوب " الفونطولين " لأطفالِه المُصابين بالرّبو .
و عندما تختنِق أنت بسبب الضّحك و أنت تسمع نكتةً سخيفة و تغرورق عيناك من القهقهة في سهراتِك الليلية ،
تذكّر أنّ غيرك يختنقُ في سهره الليلي بسببِ السّعال ، و تغرورق عيناه بالدّموع عندما لا يجِد ما يخفّف به عن فلذات كبده المحترقة .
و أنت تشتري الخبزَ الفرنسي المُستورَد من مخبزة " شي بول " الأنيقة ،
تذكّر أنّ غيرَك يسخّن خبز الأمس اليابِس .
و أنت ترمي بقايا الأكل في القمامة ،
تذكّر أنّ غيرك مازال عندما يعثُر على كسرة خبز مرمية في الطّريق ، يحمِلها بين راحتيهِ و يقبّلها ثمّ يدّسها في ثقبٍ على الجِدار و يمضي مُرتاح البال .
و أنت تستعدّ للنّوم تذكّر أنّ غيرَك يستعدّ للأرَق .
و أنت تفتَح عيْنيك في الصّباح تذكّر أنّ غيرَك تبقى عيناه مُغلقاتان إلى الأبد .
و أنْتَ تستجمِع قواكَ و تنهض من الفِراش ، تذكّر أنّ غيرك ليْسَت له قوى يجمَعها و يبقى رهين فراشه لبقيّة العُمر .
و أنت تقرأ هذه الكلمات،
تذكرّ أن كثيرين غيرك لا يستطيعُون القراءة ، لأنّهم عوض أن يتعلموا حروف الهِجاء
تعلموا فقط حروف البؤس .. والشقاء !
وتذكر .. قول الله تعالى :
{ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }
منقول من مجلة للكاتب/
رشيد نيني / بتصرّف
غفر الله له وجز الله المجلة كل خير
اختكم
كلمة بين جدران الصمت