كان رجل من الأنصار يعاتب أخًا له، ويلومه على شدة حيائه، ويطلب منه أنيقلل من هذا الحياء، ومرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعهما، فقالللرجل: (دعه فإن الحياء من الإيمان) [متفق عليه].
***
ما هو الحياء؟الحياء هو أن تخجل النفس من العيب والخطأ. والحياء جزء من الإيمان. قالرسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة منالإيمان) [متفق عليه]. بل إن الحياء والإيمان قرناء وأصدقاء لا يفترقان،قال الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء والإيمان قُرَنَاء جميعًا، فإذارُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر). [الحاكم].
وخلق الحياء لا يمنع المسلم من أن يقول الحق، أو يطلب العلم، أو يأمربمعروف، أو ينهي عن منكر. فهذه المواضع لا يكون فيها حياء، وإنما علىالمسلم أن يفعل كل ذلك بأدب وحكمة، والمسلم يطلب العلم، ولا يستحي منالسؤال عما لا يعرف، وكان الصحابة يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عنأدق الأمور، فيجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها دون خجل أو حياء.
حياء الله -عز وجلمن صفات الله تعالى أنه حَيِي سِتِّيرٌ، يحب الحياء والستر. قال الله صلىالله عليه وسلم: (إن الله حَيي ستير، يحب الحياء والستر) [أبو داودوالنسائي].
حياء الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، وكان إذا كره شيئًا عرفهالصحابة في وجهه. وكان إذا بلغه عن أحد من المسلمين ما يكرهه لم يوجه لهالكلام، ولم يقل: ما بال فلان فعل كذا وكذا، بل كان يقول: ما بال أقواميصنعون كذا، دون أن يذكر اسم أحد حتى لا يفضحه، ولم يكن الرسول صلى اللهعليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، ولا صخابًا (لا يحدث ضجيجًا) في الأسواق.
أنواع الحياء
الحياء له أنواع كثيرة، منها:
الحياء من الله: المسلم يتأدب مع الله -سبحانه- ويستحيي منه؛ فيشكر نعمةالله، ولا ينكر إحسان الله وفضله عليه، ويمتلئ قلبه بالخوف والمهابة منالله، وتمتلئ نفسه بالوقار والتعظيم لله، ولا يجاهر بالمعصية، ولا يفعلالقبائح والرذائل؛ لأنه يعلم أن الله مُطَّلِعٌ عليه يسمعه ويراه، وقد قالالله -تعالى- عن الذين يفعلون المعاصي دون حياء منه سبحانه: {يستخفون منالناس ولا يستخفون من الله} [النساء: 108].
والمسلم الذي يستحي من ربــه إذا فعـل ذنبًا أو معصية، فإنه يخجل من اللهخجلا شديدًا، ويعود سريعًا إلى ربه طالبًا منه العفو والغفران. وقد قالالنبي صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء)، فقالوا: يا رسولالله، إنا نستحي والحمد لله، قال: (ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حقالحياء: أن تحفظ الرأس وما وَعَى، والبطن وما حَوَى، ولْتذْكر الموتوالْبِلَى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقداستحيا من الله حق الحياء) [الترمذي وأحمد].
الحياء من الرسول صلى الله عليه وسلم: والمسلم يستحي من النبي صلى اللهعليه وسلم، فيلتزم بسنته، ويحافظ على ما جاء به من تعاليم سمحة، ويتمسكبها.
الحياء من الناس: المسلم يستحي من الناس، فلا يُقَصِّر في حق وجب لهمعليه، ولا ينكر معروفًا صنعوه معه، ولا يخاطبهم بسوء، ولا يكشف عورتهأمامهم، فقد قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، عوراتنا مانأتي منها وما نَذَرُ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتكَ إلامن زوجتكَ أو ما ملكت يمينكَ). فقال: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهمفي بعض؟ فقال الله صلى الله عليه وسلم: (إن استطعتَ ألا يَرَيَنَّها أحدفلا يرينَّها)، قال: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليا (ليس معه أحد)؟فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فالله أحق أن يُسْتَحيا منه من الناس) [أبو داود].
ومن حياء المسلم أن يغض بصره عن الحرام، وعن كل منظر مؤذٍ، مما يقتضي غضالبصر، ومن الحياء أن تلتزم الفتاة المسلمة في ملابسها بالحجاب، فلا تظهرمن جسدها ما حرَّم الله، وهي تجعل الحياء عنوانًا لها وسلوكًا يدلُّ علىطهرها وعفتها، ودائمًا تقول:
زِينَتِي دَوْمــًا حـيـــائـي واحْـتِشَـامِـي رَأسُ مـَـالِيوحياء المؤمن يجعله لا يعرف الكلام الفاحش، ولا التصرفات البذيئة، ولاالغلظة ولا الجفاء، إذ إن هذه من صفات أهل النار، وقد قال النبي صلى اللهعليه وسلم: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء،والجفاء في النار) [الترمذي والحاكم].
فضل الحياءالحياء له منزلة عظيمة عند الله -سبحانه-، فهو يدعو الإنسان إلى فعلالخير، ويصرفه عن الشر، ومن هنا كان الحياء كله خيرًا وبركة ونفعًا لصاحبهكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير) [متفقعليه]، وقال: (الحياء كله خير) [مسلم].
فليجعل المسلم الحياء خلقًا لازمًا له على الدوام، حتى يفوز برضا ربه -سبحانه-