كاتب المقال :فهد عامر الأحمدي
لي في محبتكم شهود أربعة .. وشهود كل قضية اثنان
خفقان قلبي، واضطراب جوارحي .. ونحول جسمي، وانعقاد لساني
.. هذه الأبيات تؤكد وجود أربعة شهود تشي بضحايا الحب والهوى.. ورغم جهلنا بقائلها (وإن نسبها البعض لمنصور النميري) إلا أنها اشتهرت كثيرا بعد غنائها من قِبل طلال مداح..
وفي حين يكفي شاهدان في أي قضية شرعية، يمكنني شخصيا رفعهم الى "عشرة" يشهدون على إصابة المحبين بداء العشق والهوى..
فالعشق حالة متقدمة من الحب ومرض أعترف بوجوده الأطباء (ابتداء بأبقراط وجالينوس، ومرورا بالرازي وأبن سينا، وانتهاء بأجهزة الكشف الحديثة التي أثبتت وجود تغير حقيقي في أدمغة العاشقين وتركيبتها الكيميائية)..
وهناك قصة مشهورة عن ابن سينا الذي استدعاه أحد أمراء فارس لعلاج ابنه من مرض عجز عنه الأطباء. وحين وصل وجده مستلقيا وناحلا ولا يرغب في الكلام فوضع أصبعه على نبضه.. ثم طلب من أحد الخدم ذكر أسماء الأحياء المجاورة.. ولما وصل الخادم إلى ذكر حي بعينه لاحظ ابن سينا تسارع نبض الفتى.. حينئذ طلب منه ذكر أسماء البيوت التي تقطن ذلك الحي، فلما أتى على ذكر بيت معين شعر بنبض الفتى يتسارع أكثر.. وهنا سأل ابن سينا إن كان لتلك العائلة بنات فأجابوه بوجود بنت كأنها "فلقة قمر" فقال لأهل الفتى ابنكم عاشق وعلاجه زواجه منها !!
هذه القصة الجميلة تتضمن كافة الأعراض السابقة من نحول جسم، وانعقاد لسان، واضطراب نبض، وخفقان قلب.. ولكن؛ بالإضافة الى هذه الشهود (الأربعة) أعتقد شخصيا بوجود ستة أخرى هي:
- خامسا: المبالغة في وصف الحبيب والاعتقاد أنه فريد من نوعه وكامل في أوصافه وكأنه خلق من طينة مختلفة.. دليل ذلك قول بشار بن بُرد:
وجارية خلقت وحدها .. كأن النساء لديها خدم
وقول آخر:
رأيتُها بدراً على الأرض ماشياً .. فمن رأى بدراً يمشي على الأرض
-أما الدليل السادس فاعتقاد العاشق بتفرده في الهوى واقترابه من الموت لهذا السبب.. ودليل ذلك قول يزيد بن معاوية:
يحسدوني على موتي فوا أسفي .. حتى على الموت لا أخلو من الحسد
وقول الشاعر:
أحبكِ حباً لو يفيضُ قليله .. لماتَ الخلقُ من شدة الحبِّ
-أما الدليل السابع فالثبات على الموقف والمجاهرة بالحب.. فالعاشق لا يخشى كلام الناس ولا يعتقد أنه مخطئ أو مذنب بدليل قول قيس ابن الملوح (حين أخذه والده للحج لعله يشفى):
ولقد ذكرتك والحجيج لها ضجيج .. بمكة والقلوب لها وجيب
فقلت أتوب إليك يا رباه .. ولكن عن حب ليلى فإني لا أتوب
- أما الدليل الثامن فالتلذذ بألم الحب وتعذيب الحبيب بدليل قول الشاعر:
ولي فؤاد إذا طال العذاب به .. هام اشتياقاً إلى لقيا معذبه
وقول آخر
إن حكمتْ جارتْ عليّ بحكمها .. ولكن جورها ُ أشهى من العدلِ
- وتاسعا: الانفصال عن الواقع وعدم الشعور بالألم عند تذكر المحبوب.. والدليل قول عنترة:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني .. وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لانها .. لمعت كبارق ثغرك المتبسم
- أما عاشرا فإصابة المحب بحالة نشوة وسُكّر حقيقي من فرط العشق والهوى .. والدليل قول الشاعر:
وإذ ما رأيتك مقبلاً .. أسكرني جمالك بلا شراب
وقول آخر:
سكرنا ولم نشرب من الخمر جرعة .. ولكن أحاديثَ الغرام هي الخمرُ
... وكل هذا أيها السادة يجعلني أضرب كفا بكف وأقول:
ما عجبي من موت المحبين في الهوى .. ولكن بقاء العاشقين عجيب