شعرت بالخوف
و الراحةِ في نفس اللحظة .. فزيارة شخصٍ للتو قد عرفت اسمه لي قد تكون غريبةً و مبهمة .. لكن لا يظهر من شكله سوى البساطة و الأريحية .. كما أن لي شهراً في المستشفى , لم يقم أحد قط بزيارتي من أقربائي و أصدقائي ..!
عندما انتهيت من أعمالي , كانت الساعة الثالثة ظهراً .. اتجهت إلى العنوان الموجود على الكرت لأقابل هذه الشيخ البسوم فلم أجده .. ثم عُدت إلى المستشفى .. أخبروني في المستشفى بأن شخصاً أتى لزيارتي فلم يجدني .. و في السابعة مساءاً , أخبرني الطبيب بأني استطيع مغادرة المستشفى فحالتي الصحية جيدة و الحمى قد غادرتني .. هممت بجمع حقائبي و قمت بسحبها في أسياب المستشفى متجهاً إلى البوابة الرئيسية بحثاً عن تاكسي ينقلني , و إذا بالشيخ الباكستاني يقابلني آتياُ لزيارتي مرة أخرى .. سألني إلى أين ستذهب , فأخبرته بأنهم قد كتبوا لي بالخروج .. فقال لي هل لك من مكانٍ تريد أن أوصلك إليه , أم نذهب و نرتاح في المسجد .. لا أعرف ما هو المسجد , لكني وافقت لأني كنت أريد أن أذهب مع هذا الرجل الحنون الخلوق لأتعرف عليه أكثر ..
ذهبنا إلى المسجد و دخلنا .. طلب مني أن أخلع حذائي و أضعه في المكان المخصص .. أشار إلي ببعض اللوحات الإرشادية لأقرأها .. ثم سألني هل أنت جائع ؟ أجبته بنعم .. فدخل إلى مطبخه و قام بتحضير الطعام ..
المسجد كان عبارة عن غرفة متوسطة الحجم , فيها فرش مخطط متجه على زاوية محددة , و فيها مكتبةٌ صغيرةٌ , و عدد من اللوحات التعليمية عن دين الإسلام و الصلاة و الوضوء و غيرها .. منذ دخولي لهذه الغرفة رغم تواضع أثاثها و غرابتها بالنسبة لي , إلا أني أحسست بالراحة .. قمت بحكم حبّ الإستطلاع المزروع في دمي بقراءة اللوحات بدايةً من أولها عند مدخل المسجد , و لم أنتبه إلا و الطعام محضّر أمامي .. جلست و تناولت طعام العشاء مع هذا الشيخ الذي يبتسم أكثر مما يتحدث .. ثم بعد أن فرغنا , قال لي هذه المكتبة فيها كتب كثيرة إن أحببت أن تقرأ شيئاً , ثم قام يصلي .. قمت و أكملت جولة استطلاعي و أنا استرق النظر إليه , و وصلت إلى آخر لوحةٍ كانت تتكلم عن ملخص دين الإسلام في 40 نقطة .. قرأت هذه اللوحة 3 مرات , و انشرح صدري لهذا الدين العظيم المتكامل , فقررت بعدها أن أسلم .."
أما أنا فكنت استرق النظر إلى هذا الشيخ الرّث الفقير , و أقول: ما أعظمك عند ربك , و ما أحقرنا بجانبك .. لبسنا أحسن الثياب , و تهندمنا بكل ما نستطيع , و ما كتب الله لنا أن يُسلم على أيدينا رجلُ واحد !.. هي العلة في القلب لا في المظهر .. هي العلة في الهمة العالية , لا في محبة الدنيا الفانية ..
كم أسلم على يدّ الشيخ الباكستاني ؟
لم أستطع الصبر أكثر , و التفت إلى هذا الشيخ الباكستاني لأسأله .. كم أسلم على يدك يا شيخ ؟ فأطرق رأسه و قال:."كنت دوماً أدعو ربي أن يجعلني سبباً في هداية الآخرين , فحقق الله مناي .. وصلت في عدّي المئة , ثم توقفت بعدها عن العدّ .."
الله أكبر .. لا تستطيع أن تحصي عدد من أسلم على يدك من كثرتهم , و أنت فقير لا تملك المال .. و نحن بالمال و العلم و المكانة الاجتماعية , و ما أسلم على أيدينا شخصٌ واحد ..! هو الميزان ميزان الأعمال الصالحة و الدعوات الخفية , لا ميزان الأشكال الخاوية الجوفاء .. اللهم أكرمني بإسلام شخصٍ واحدٍ على الأقل على يدي يا سميع الدعاء ..
المسجد أهم من المنزل
لم يتوقف العجب عند هذا , فهذا المصلى.قد استأجره الشيخ الباكستاني منذ 8 سنوات من ماله ليكون مسكناً له و مصلى للمسلمين... زهد بمسكن خاص يؤيه , ليوفر للمسلمين مصلى يُصلون فيه .. يا الله , ما أعظمك .. كيف وضعت القناعة و الزهد في قلبه , و حرمت قلوباً أخرى تغوص في ألوان الترف من التلذذ بنعيم القناعة و الصدقة و التضحية لدين الله ..
يا الله , ما أعظمك .. كيف سخرت لهذا الشيخ الباكستاني الفقير أن يضع الدنيا في يده و يزهد بها , و بلوت قلوباً أخرى بالتعلق بالدنيا إلى أقصى درجاتها نوماً و يقظة