الحج في مغارات جبال منى.. بركة ووراثة !!?
محمد رابع سليمان – منى?
قصص مثيرة وروايات خيالية واعتقادات لا تخطر ببال الإنسان.. لحظات يسجلها التاريخ بماء من ذهب.. دموع وأحزان.. وشعور بأن المواقع في منى متوارثة.. كلها قصص ومواقف عشناها في يوم التروية مع الحجاج الذين اختاروا مغارات الجبال وسفوحها سكناً لهم في منى. منذ القدم وعلى مرّ العصور ولا تخلو جبال منى من بعض الحجاج الذين يستأنسون بتلك المواقع لعل لهم عذر وأنت تلوم.. وسؤال مثير لماذا اختار هؤلاء الحجاج هذه المواقع الخطرة وكيف يقضون حاجاتهم وكيف يصلون إلى تلك القمم غير المهيأة أساساً للافتراش ولا تتوفر فيها أبسط وسائل السلامة.. والراحة.. لكن الإصرار العجيب لهؤلاء الحجاج من أجل الوصول إلى تلك المواقع جعلنا نصرّ على اقتحام عالمهم المثير والعجيب.. وأكثر ما لفت انتباهي حدوث موقفين خلال لقاءاتي بالحجاج على قمم جبال منى.. بعضهم قالوا: إن هذه المواقع توارثوها عن آبائهم وأجدادهم.. وفريق آخر يصعد جبال منى معتقداً أن فيها بركة.. والملفت للانتباه حقاً أن هؤلاء الحجاج يحجزون هذه الأماكن مصطحبين معهم جميع وسائل الطبخ وغيرها ولا يخضعون لمتابعة ورقابة من أي جهة مسؤولة والخطر الأكبر تعريض أنفسهم للخطر.. وهناك أسئلة كثيرة ومواقف نتعرف عليها من خلال لقاءاتنا بالحجاج.?البحث عن الهدوء?في البداية التقينا الحاج قايد صالح الجمل (يمني مقيم) فقال: اخترنا هذا الموقع لأنه يتميز بالهدوء بعيدا عن الزحام لأن الوصول إليه صعب ويعتبر مشقة لكثير من الحجاج وقد عشنا حياتنا في مناطق جبلية ونشعر بشوق وحنين عندما نرى الجبال ونشتاق للصعود إليها لذلك نأتي لهذا الموقع سنوياً مع مجموعة من الحجاج اليمنيين.?وقال: إنه لم يفكر في الحج النظامي لاحتياجه لمصاريف باهظة ونحن أناس بسطاء نوفّر قوت يومنا من خلال أعمال بسيطة لذلك لا يمكن لمثلنا أن يحج للأبد لو قال انه سيحج بطريقة نظامية.. وأضاف الدين يسر والعلماء أفتوا أن مشعر منى لمن سبق والحمد لله نحن وصلنا لحجز الأماكن هنا منذ يومين وهذا الموقع يوفر لنا فرصة التعارف بالحجاج الذين يعيشون حياة مشابهة لنا في عدد من دول آسيا وإفريقيا ولا يفوتني أن اشكر حكومة المملكة التي جعلت الحج للجميع وأتمنى أن تترك هذه الجبال على وضعها وإقامة دورات مياه مجاورة.?وقال الحاج ذاكر الدين محمد (باكستاني): جئت للعمرة في رمضان واختفيت في أحد أحياء مكة الجبلية وبفضل الله لم تقبض علينا الجوازات وأمنيتي تحققت بوصولي منى وأنا أحج لأول مرة.?وعن اختياره لقمة جبال منى قال: أشار علي عدد من المقيمين في مكة بالصعود لأعلى الجبال حتى لا تلاحقنا دوريات الجوازات أو الشرطة للقبض علينا وترحيلنا ونحرم من الحج ولا يهمني ما أتعرض له من أخطار لأنني واثق لو أدركني الموت في هذه الرحلة فأنا شهيد بإذن الله وعن أمنيته قال: أتمنى إذا عدت من عرفات أن أجد هذا المكان دون أن يتعرض للتعدي من أحد لأن بعض الحجاج يحجزون الأماكن. وأضاف الحاج احمد دهمش محمد (يمني) هذه هي المرة السادسة التي أقوم فيها بأداء فريضة الحج وفي كل عام نختار موقعاً مناسباً على قمم الجبال وكنا في السنوات الماضية نضع خيامنا في شرق وشمال منى ولظروف بناء عدد من العمائر السكنية في الجهة المقابلة انتقلنا لغرب منى ووجدنا أن هذا الموقع يكشف منطقة الجمرات ويشعرنا بأجواء الحج وروحانيته إلى جانب سهولة وضعه للآخرين من الحجاج بعد عودتنا من عرفات.?وقال الحاج سلمان علي دقيس (يمني) إن الحج على سفوح الجبال عادة حسنة توارثوها عن آبائهم وأجدادهم وهم يشعرون بمتعة الحج في هذه المواقع الجبلية لأنها بعيدة عن الزحام وتكشف مشهد منى بأكمله وقال: ما نراه على أرض الواقع ونستشعره لا يمكن وصفه أو نقله عبر وسائل الإعلام ولكن الأمر شعور روحاني داخلي لا نستطيع أن نتخلى عنه سنوياً لذلك نأتي سنوياً مع مجموعة من اليمنيين بعضهم بطريقة نظامية وبعضهم يتسللون منذ وقت مبكر لأداء فريضة الحج والجميع هنا سواسية. وعبّر الشيخ محسن جبران عميش من مشايخ القبائل اليمنية بمحافظة صعدة عن ارتياحه للسكنى في جبال منى مشيراً أنه يأتي سنوياً للحج مع بعض أقربائه للحج ويجلسون في هذه المواقع.?وقال لا أعتقد أن صعود الجبال فيه خطر كما يظن البعض لأننا أساساً نعيش في منطقة جبلية ومنحدرات ولا نشعر بالراحة داخل الخيام ولكننا اخترنا الجبال بعيداً عن الافتراش المخالف للتعليمات ومضايقة حركة المشاة. وقال محمد حسن الوادعي (سعودي): إنه منذ ربع قرن يأتي للحج ويختار هذا الموقع الجبلي مصطحباً معه مجموعة من أقربائه القادمين من اليمن ليقوم بواجب الضيافة تجاههم بتمكينهم من الحج مجاناً وهو يتحمل دفع تكاليف المركبة خلال أيام الحج.?وقال الوادعي لو ألزمنا جميع الناس بتطبيق الأنظمة والتعليمات لحرمنا الفقراء والضعفاء من الحج.. لكن الله تعالى بفضله وكرمه هيأ للناس مثل هذه المواقع الجبلية ليتخذها الفقراء سكناً لهم في منى.. والحقيقة رحلة الحج ممتعة في مثل هذه المواقع المتميزة بالجو اللطيف والهدوء. أما السيد محمد فتحي أبوالعز فقال: إنه صعد للجبل مع من يصعدون لأنه سمع أن الحاج لابد أن يصعد جبال منى حتى يشعر بالمشقة.. وقال أبوالعز: بعد صعودي الجبل أخبرني أحد الإخوة اليمنيين إنهم يأتون لهذا الموقع لأنه أكثر هدوءاً وليس للبركة كما يعتقد البعض.
منقول