بسم الله الرحمن الرحيم
سوف نتناول اليوم العديد من ميادين علم الاجتماع
والعديد من الفروع التى تدرس كل جوانب المجتمع
تأثر علم الاجتماع كغيره من العلوم بظاهرة التخصص التي برزت بصورة واضحة مع انتشار الحركة الصناعية وتقدم البحث العلمي فتشعبت اهتماماته وتعددت ميادينه، وأخذ كل منها يتناول جانباً من جوانب الحياة الاجتماعية.
تتحدد ميادين علم الاجتماع وتتعدد تبعاً لنوع المتغيرات الاجتماعية المتنوعة والمتداخلة معها، ولقد أصبحت الميادين في علم الاجتماع تنوف على ثلاثين ميداناً منها السياسي والبدوي والحضري والريفي وغير ذلك.
ويزداد التخصص في العلوم الاجتماعية عامة، وفي نطاق علم الاجتماع بوجه خاص، نتيجة الجهود المبذولة في تحليل أطر معينة لبعض الظواهر التي لها حركة خاصة بها، إضافة إلى تفاعلها وحركتها ضمن المنظومة الاجتماعية.
وإذا كان التفريق بين ميادين المعرفة يتم عادة بالرجوع إلى المتغيرات الأصلية التي تستخدم في تحليل الظاهرة وتعليلها ضمن منهج العلوم الواحد فإن التفريق بين ميادين علم الاجتماع يتم بالرجوع إلى الموضوعات التي تكوّن محور الدراسة والطرائق المستخدمة في تفسيرها.
ولقد أضحت ميادين علم الاجتماع مجالات للتخصص يتصدى لدراستها باحثون اختصاصيون يجمعهم منهج علمي يرتبط بعلم الاجتماع العام، وقد اتسعت تلك الميادين لتشمل الحياة الاجتماعية بجوانبها المتباينة، والمجتمعات الإنسانية بمراحلها المختلفة، وفيما يلي مجموعة من تلك الميادين.
علم الاجتماع البدوي: يدرس هذا الفرع من فروع علم الاجتماع النظم الاجتماعية السائدة في المجتمعات البدوية أو المجتمعات التي تعيش على الرعي والانتقال وراء الكلأ. ويعد ابن خلدون أول باحث في علم الاجتماع البدوي إذ يتحدث في مقدمته عن «العمران البدوي والأمم الوحشية» فيصف حياة البدو بما فيها من خشونة العيش، والاقتصار على الضروريات في معيشتهم، وعجزهم عن تحصيل الضروريات... وفي جملة ما يقوله: «وقد ذكرنا أن البدو هم المقتصرون على الضروري في أحوالهم، العاجزون عما فوقه وأن أهل البدو وإن كانوا مقبلين على الدنيا غلا أنه في المقدار الضروري لا في الترف ولا في شيء من أسباب الشهوات واللذات ودواعيها... وإن أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر».
وقد بحث الكثير من علماء الاجتماع المعاصرين في حياة كثير من الشعوب والقبائل البدوية ولاتزال الجهود مستمرة في دراسة القبائل البدوية ومسائل توطينها في حياة اجتماعية مستقرة.
علم الاجتماع التربوي: يهتم هذا الميدان من علم الاجتماع ببحث الوسائل التربوية التي تؤدي إلى نمو أفضل للشخصية، لأن الأساس في هذا الميدان هو أن التربية عملية تنشئة اجتماعية. لذا فإن علم الاجتماع التربوي يبحث في وسائل تطبيع الأفراد بحضارة مجتمعهم. والتربية أساساً ظاهرة اجتماعية، يجب أن تدرس في ضوء تأثيرها في الظواهر الاجتماعية الأخرى من سياسية واقتصادية وبيئية وتشريعية، وتأثيرها في المتغيرات الاجتماعية الأخرى من خلال عمليات التفاعل الاجتماعي. من هنا أكد الاجتماعيون ضرورة تحليل الدور الذي يقوم به النظام التربوي في علاقته بأجزاء البناء الاجتماعي الديموغرافية أو الاقتصادية أو السياسية، وعلاقته بمثالية المجتمع أو نظراته العامة والإيديولوجيات التي تفعل فيه.
ويحتل علم الاجتماع التربوي مكانة خاصة في البلدان التي تعيش مرحلة نقلة حضارية، إذ تجري مجموعة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، تلك التغيرات التي تستوجب إعادة النظر في مسائل التربية والتعليم وما يتعلق بها من ظواهر اجتماعية تواكب تلك التغيرات وتعمق جذورها.
علم الاجتماع الحضري: يبحث علم الاجتماع الحضري تأثير حياة المدينة - الحضر - في أنماط السلوك والعلاقات والنظم الاجتماعية، فيدرسها ضمن إطار نشأتها، وطرق تفاعلها في الحياة المدنية، إنه يدرس الحياة المدنية من حيث هي ظاهرة اجتماعية ويتناول تكونها ونموها وتركيبها وجملة الوظائف التي تؤديها، ومنطلقه في ذلك هو أن ثمة عوامل تشترك وتتآلف ينتج عنها مجتمع مدينة على نحو متميز أو مألوف، فالمدينة لاتنشأ عفواً، بل لابد لذلك من عوامل طبيعية وجغرافية وسكانية واجتماعية وسياسية واقتصادية. ثم إن للعوامل الدينية والثقافية دوراً تقوم به في نشوء المدن ولاسيما في المجتمعات المتدنية والشرقية.
إن التفسير الكامل لنمو مدينة ما مرتبط بالتاريخ الكلي لها، وبطابعها الخاص، وبوظيفتها المتميزة (دينية وسياسية وإدارية وتجارية وصناعية)، ومن جملة هذه الجوانب يمكن استقراء العوامل المتداخلة في بلورة نمو مدينة ما على نحو معين. يضاف إلى ذلك أن ثمة مشكلات كثيرة لابد من بحثها هنا مثل مشكلة نمو المدن، وزيادة الكثافة السكانية في الكيلو متر المربع، وكذا الموقع بوصفه عامل جذب للمهاجرين، آخذين بالحسبان تباين أدوار المدينة نفسها في تطور المجتمعات. وثمة مشكلات أخرى يبحثها علم الاجتماع الحضري تتعلق أحياناً بالأطر الاجتماعية للحياة في المدينة، وما يتفرع عن ذلك من مسائل كالنقل والأجور، وحجم الأسرة أيضاً، وتداخل قيم التصنيع مع تطور المجتمعات. وتدخل ضمن المشكلات التي يبحثها علم الاجتماع الحضري مسائل تنظيم المدن، فيتدخل في قضايا تخطيطها شكلياً ورسمياً.
علم الاجتماع الجنائي: يتناول البحث، في علم الاجتماع الجنائي، أسباب الجريمة والانحراف والعوامل الاجتماعية الممهدة لكليهما، كما يدرس نسبة تواتر الجريمة وتعدد أساليبها وأشكالها، ويربط ذلك باختلاف المجتمعات وتباين النظم وباختلاف أحوال الأفراد المعيشية، وجملة العوامل والظروف الموضوعية والنفسية للموقف أو الحالة، أي الظروف التي تمهد للجريمة على هذا النحو أو ذاك، كما يرجع إلى نمط التفاعلات في البيئة الاجتماعية. وباستخدام لغة البحث العلمي يمكن القول: إن جملة هذه الظروف هي متغيرات تعمل على تفسير أشكال الجريمة ودوافعها.
ويدرس علم الاجتماع الجنائي الجريمة من منظورين: أولهما تأثير العوامل والتفاعلات الاجتماعية في حدوثها، وثانيهما أثر الجريمة في المجتمع.
ويأتي اهتمام علم الاجتماع الجنائي بالجريمة من كونها ظاهرة اجتماعية لازمت المجتمعات منذ حدوثها، وارتبطت بالنظم الاجتماعية المختلفة، وتركت أبعاداً في عمق المجتمع تختلف، ولو نسبياً، باختلاف المتغيرات الاجتماعية الأخرى في هذا المجتمع أو ذاك. وقد أضحت مشكلة الجريمة في القرن العشرين موضوعاً يشغل بال الكثيرين من علماء الاجتماع والنفس والقانون. ويرى أكثرهم أنها أصبحت معضلة يجب على الجنس البشري مواجهتها بغية تحقيق الإصلاح الاجتماعي، وتوفير الجو النفسي الملائم لنمو المجتمع وتطوره السليمين. والجريمة، بوصفها ظاهرة اجتماعية، متفشية في المجتمعات ذات الطور الحضاري غير الثابت، أو التي تعاني من هجرة أبناء الريف إلى المدينة حيث تنتشر البطالة الموسمية أو المقنعة ناهيك عن الدائمة. وليس المقصود هنا بالجريمة نمطاً واحداً من الفعل الإجرامي بل كل ما يهدد أمن الوطن والمواطن من قبل مواطن آخر. والجريمة ظاهرة اجتماعية ولها متغيرات اجتماعية ونفسية متعددة، وبنيان اجتماعي يحددها على هذا النحو أو ذاك، لذا فمن الواجب أن يشترك في دراستها، إضافة إلى الباحث الاجتماعي، المتخصص النفسي، ورجل القضاء ورجل الأمن، ليكشفوا مجتمعين عن جملة نتائج تسهم في عمليات ضبط الجريمة، والإقلال من نسبة تواترها أو حدوثها. مما يوفر على المجتمع والدولة الكثير من الطاقات والإمكانات المادية والبشرية.
علم الاجتماع الديني: يتناول علم الاجتماع الديني بالتقصي والتحليل النظم والتيارات الدينية السائدة في المجتمعات الإنسانية على اختلاف العصور، واختلاف البيئة الاجتماعية لمجتمع ما في نمط معيشته أو في طبيعة العلاقات الاجتماعية فيه على السواء. ولأن علم الاجتماع الديني يرى في المجتمع العوامل التي تحدد شكل الأديان ووظائفها، لذا فإنه يعني تباين أثر العوامل الاجتماعية، وارتباطها مع الدين بصفته ظاهرةً لايخلو منها أي مجتمع.
وما يهتم به علم الاجتماع الديني ويتناوله بالدراسة والتمحيص شعائر المناسبات المختلفة المرتبطة بالدين على نحو معين، وتأثير البيئة الاجتماعية فيها واختلافها بين مجتمع وآخر، وبين عصر وعصر (مثال ذلك اختلاف عادات الأعياد والزواج والوفاة والحداد). وبتأثير النظريات الاجتماعية الحديثة، فإن المحدثين من علماء الاجتماع يغفلون النظر عن نشأة الدين. فأصحاب المدرسة الوظيفية ينظرون إلى الدين نظرة موضوعية، ويحللون الوظائف الاجتماعية الدينية من الناحية العملية ويخضعونها للدراسة العقلية والميدانية في إطار المنهج التكاملي الوظيفي، أما المدرسة البنيوية فتعنى بتتبع التنظيمات والمؤسسات والطوائف والفرق الدينية وتشعباتها من حيث هي وحدات اجتماعية كان لها دورها ونشاطها في مظاهر النشاط الاجتماعي المختلفة سياسياً واجتماعياً وتربوياً واقتصادياً.
ولقد كثرت الدراسات في هذا الميدان المهم من علم الاجتماع وتباينت. ومن الأمثلة على ذلك دراسات ماركس حول وظيفة الدين ومكانته في المجتمع، وبحوث دوركهايم حول نشأة الدين وتطوره، ووظيفته الاجتماعية وأثر العوامل الاجتماعية في تحديد بنيته وممارسة شعائره والأثر الكبير الذي خلفته دراسة ماكس فيبر عن الدين وعلاقته بالرأسمالية الصناعية، والنقد الذي وجهه مكسيم رودنسون إلى هذه الدراسة الخيرة في بحثه حول الدين والتخلف.
علم الاجتماع الريفي: يهتم علماء الاجتماع الريفي بدراسة العلاقات الاجتماعية القائمة في الجماعة الإنسانية التي تعيش في بيئة ريفية ويدرسها من حيث طبيعتها إذ تواجه الجماعة الريف وجهاً لوجه. إنه يبحث في خصائص المجتمعات الريفية من حيث نمط المعيشة أو نظام الإنتاج السائد بوصفه أكثر بدائية، كما يعنى بتحليل العلاقات الاجتماعية الأولية، والرباط العائلي (رباط الدم أو الزواج الداخلي)، ويحدد السمات والمميزات التي تميز المجتمعات الريفية من المجتمعات الحضرية. إن هذه السمات كانت منطلقاً لعلماء الاجتماع في دراستهم حين حددوا موضوع علم الاجتماع الريفي، وأبرزوا الصفات المحلية لهذا المجتمع من عوامل وتفاعلات اجتماعية، ويتقبل بعضها التقدم ويرفضه بعضها الآخر ويعوقه. ومع أنه، من الناحية النظرية، يدرس أسس البنيان الاجتماعي الريفي، إلا أنه، من الناحية التطبيقية، يستخدم المعلومات التي جمعت عن السكان الريفيين لتحديد المشكلات التي تعوق نموهم وتقدمهم، لإيجاد الوسائل الكفيلة بحل مجمل المشكلات التي يعانون منها ولتحسين مستوى الحياة الاجتماعية الريفية، وأخيراً لرسم سياسة اجتماعية تعمل على رفع إسهام الريف بيئة وسكاناً في الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك.
ومرد الأهمية التي يحظى بها علم الاجتماع الريفي في الوطن العربي، إلى أن قسماً كبيراً من سكانه ريفيون، يعملون في الزراعة، ولهم طريقتهم الخاصة في الحياة التي تتميز عن غيرها، ولقد حظي علم الاجتماع الريفي بمكانة مهمة في ميادين التعليم بالوطن العربي، فأصبح يدرس في الكثير من الجامعات والمعاهد العليا بكليات متعددة وأقسام مختلفة، كالجغرافية، وعلم الاجتماع، والزراعة، وأصبحت له فيها مناهج خاصة للبحث والدراسة.
ولعلم الاجتماع الريفي فروع تدخل في نطاقه منها: التنظيم الريفي، وتنمية المجتمع الريفي، والسياسات الاجتماعية الريفية، والسكان الريفيون، والإرشاد الريفي.
وباختصار، إن موضوع علم الاجتماع الريفي هو المجتمع الريفي، وما يسود فيه من علاقات اجتماعية، وما يحكمه من متغيرات بنيوية اجتماعية، ومن نظم وعادات ترتبط بالزراعة والصناعة الأولية. وتتسم موضوعاته بأنها تنصب على دراسة المجتمعات الأولية، والعوامل التي تساعد على تنمية المجتمع الريفي، وزيادة نسبة إسهام منتجاته في الدخل القومي، كما يبحث في وسائل بناء الريف والمؤسسات والمراكز الاجتماعية العامة فيه، والسياسات التي تعمل على تطويره، والعوامل التي تدفع الريفيين للهجرة إلى المدينة، والوسائل الكفيلة بالحد من هذه الهجرة.
علم الاجتماعي السياسي: يهتم علم الاجتماع السياسي بأثر المتغيرات الاجتماعية في تكوين بنية السلطة السياسية وتطور أنظمة الحكم في المجتمع، فالنظم الاجتماعية من وجهة نظر علم الاجتماع السياسي ليست إلا عوامل متغيرة (أو متحولات) أو عوامل مسببة، وما أمور السياسة وشؤونها غير عوامل تابعة، تتأثر بالعوامل الاجتماعية وتتغير بتغيرها. وعلى هذا فإن أي فهم دقيق للنظم والمؤسسات السياسية يتطلب تحليلاً لمرتكزاتها الاجتماعية ورصداً لعناصر التغير في المجتمع.
إن علم الاجتماع السياسي يعنى بتوضيح الأساس الاجتماعي لنظريات السياسة مقابل الأساس التاريخي، كما يهتم بتوضيح جملة مشكلات تتعلق بالحياة السياسية مثل الحرية وعلاقتها بالدولة والسلطة، والديمقراطية السياسية، والثورة والرأي العام، والأمة والقومية، والطبقة والنخبة والقيادة والزعامة، واللامبالاة في كل ما يتفرع عنها. كما يبحث علم الاجتماع السياسي في علاقات الإنتاج ومكانتها في نشوء ظاهرة الاغتراب، بوجوهها المتعددة السياسي منها والاقتصادي والاجتماعي، وأثرها في إبراز تفسخ المجتمع إلى طبقات في المجتمعات البرجوازية والرأسمالية، ومكانة الدولة في حماية مصالح الطبقة الاجتماعية المسيطرة اقتصادياً. كذلك يبحث في العوامل التي تؤدي إلى نشوء الاستعمار والاحتكارات الكبرى، والتفاعل الاجتماعي في إطار الدول الرأسمالية الصناعية الكبرى، وما ينتج عنه من تنافس. وبالمقابل يدرس التفاعل الاجتماعي في البلدان الاشتراكية من حيث اتجاهه نحو التعاون، وما يتضمنه التفاعل الاجتماعي في مجموعة الدول النامية من تغيير وتحديث، لأن للتفاعل الاجتماعي بين القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أثراً بالغاً في تحديد شكل الدولة التي هي معقولية المجتمع، وأثراً في الثقافة والقانون والدستور وفي تسييس المجتمع وتغيير بنيته.
ثم إن علم الاجتماع السياسي يبحث في كيفية نشوء مجتمع دولي «مسيَّس» يقوم على السلام والعدل ويسعى إلى سعادة البشرية جمعاء، غير أن هذا لا يعني تطابق النظرة والمعالجة لهذه الموضوعات بين علم الاجتماع السياسي وعلم السياسة فالنظرة الاجتماعية إلى أمور السلطة والسياسة تختلف عن النظرة السياسية، لأن العلوم السياسية تركز اهتمامها على تبيان أثر السلطة في إحداث التغير الاجتماعي وتدرس مسائل الإدارة وشؤونها بمعزل عن التطورات الاجتماعية والاقتصادية في نطاق المجتمع الواسع، في حين يهتم علم الاجتماع السياسي بأثر العامل الاجتماعي والتغير الاجتماعي في تكوين بنية السلطة والدولة والحكم والسياسة وتفسيرها.
علم الاجتماع الصناعي: يعنى علم الاجتماع الصناعي بالبناء الاجتماعي للتنظيمات الصناعية من جهة وبالعلاقات والتفاعلات الحادثة بين هذه التنظيمات والبناء الاجتماعي الكلي من جهة أخرى، ويهتم علم الاجتماع الصناعي بكيفية ارتباط نسق اجتماعي فرعي، بالأنساق الفرعية الأخرى (أي النظم الاجتماعية الأخرى)، ويهتم علم الاجتماع الصناعي كذلك بالكيفية التي يبنى بها النسق الاجتماعي الفرعي، كما يهتم كذلك بالكيفية التي يصبح بها الأشخاص مناسبين للأدوار التي يقومون بها. ويشتمل النسق الاجتماعي في هذه الحالة على الأنساق الاجتماعية الفرعية، الأسرية والسياسية والدينية والتربوية والطبقية والقيمية وغيرها من الأنساق الفرعية الأخرى التي ترتبط بالنسق الاجتماعي الاقتصادي الصناعي الفرعي.
وعلى هذا الأساس يمكن تعريف علم الاجتماع الصناعي، بأنه العلم الذي يدرس العلاقات الاجتماعية في محيط الصناعة وتنظيماتها، والطبيعة الاجتماعية للعمل والظواهر الاجتماعية المرتبطة بها كالفراغ والتقاعد والبطالة، ويحلل البناء الحرفي والمهني، ويبحث كل حرفة وكل مهنة بحثاً اجتماعياً شاملاً متكاملاً، ويتقصى علاقات البناء الحرفي والمهني بالبناء الاجتماعي العام.
ويمكن وصف ميدان علم الاجتماع الصناعي بأنه دراسة العلاقات الاجتماعية في أوضاع صناعية أو تنظيمية متعلقة بالإدارة، والطريقة التي تؤثر بها هذه العلاقات في العلاقات الجارية في الجماعة الأكثر اتساعاً وتتأثر بدورها بها.
وهناك شبه إجماع بين من كتبوا في علم الاجتماع الصناعي على أن ميدانه يشمل دراسة تطور الإنتاج من الشكل المبسط في المجتمع التقليدي إلى الشكل المركب المعقد في المجتمع الحديث، الذي يعد العلم والتقنية أهم مظهرين من مظاهره. ويتضمن ميدان علم الاجتماع الصناعي دراسة المصنع من حيث هو جماعة تشتمل في داخلها على مجموعات اجتماعية شتى لكل منها نسق اجتماعي معين، كما يتضمن التنظيم النقابي للعمال في المصنع الواحد، وفي الدولة، ويشتمل كذلك على دراسة بالغة الأهمية موضوعها الصناعة والمجتمع من النواحي المختلفة، وعلاقة التغيير التقني بالتغيير الاجتماعي والآثار المتبادلة بينهما.
علم اجتماع العائلة: يتناول علم اجتماع العائلة بالدراسة والتحليل والتعليل خصائص الأسرة، والوظائف التي تؤديها والعوامل التي تتأثر بها وتؤثر فيها، كما يوجه عناية خاصة إلى الدور الذي تقوم به العائلة في تنظيم علاقات الأفراد في المحيط الأسري. ويبحث في النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تساعد على استمرار تركيب العائلة وتطورها.
وللعائلة جذور تاريخية أعمق من أي ميدان آخر في علم الاجتماع، أو من أية ظاهرة اجتماعية أخرى فلقد وجدت العائلة مع وجود المجتمعات الإنسانية. ويمكن القول بأن المجتمعات الإنسانية وجدت بوجود العائلة، ولسوف تستمر المجتمعات تستمد ديمومتها من ديمومة العائلة. ولقد ارتبط تغيرها بتغير المجتمعات من حيث بنيتها أو وظائفها، فعرفت المجتمعات أشكالاً متعددة للأسرة، وأنماطاً عدة للزواج، والوصال الجنسي، وصلات القربى، ونشأ في كل مجتمع نموذج للعائلة، يلازمه نظام معين للقرابة ينسجم معه تماماً.
ويهتم علم اجتماع العائلة اهتماماً كبيراً بالعادات والتقاليد والقوانين المتعلقة ببنيان العائلة وكيانها،وكذلك بنظم الزواج، في كل من المدينة والريف، وعلاقاتها بالمعتقدات الدينية، وبالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيولوجية، كعامل رباط الدم ونظام القرابة. ويهتم علم اجتماع العائلة كذلك بما يترتب على نظم الزواج من نتائج مثل ظاهرة التأثر بالقرابة أو زواج القربى - الزواج الداخلي - وعلاقة ذلك بالتقدم العلمي التقني (التكنولوجي) والاجتماعي، وزيادة نسبة ظاهرة الأخذ بالثأر في المجتمعات الريفية والبدوية، ومدى تواترها مع شدة القرابة الدموية، واختفائها في المجتمعات المدنية الحديثة التي يظهر فيها تغيّر في أسلوب الإنتاج وانتشار التعليم على نطاق أوسع. كما يهتم بدراسة أسباب التفكك الأسري الذي وصلت إليه المجتمعات الصناعية، وما مسألة خلق جيل جديد يتفاعل مع معطيات التقدم الحضاري عن طريق التنشئة الاجتماعية المدروسة والمبرمجة إلا حلقة مهمة ضمن سلسلة دراسات علم اجتماع العائلة.
ولا يمكن إغفال أثر الدراسة المقارنة التي يقوم بها علم اجتماع العائلة من رصد لواقعها بين الريف والمدينة ومضارب البدو بغية كشف الخلل في عمليات الإنتاج في تلك المجتمعات، ولأجل رسم صورة مستقبلية على أفضل نحو مستطاع لكل من هذه المجتمعات الأسرية.
علم الاجتماع القانوني: يعنى علم الاجتماع القانوني بدراسة القانون والنظم القانونية من جهة تركيبها الاجتماعي، ويهتم بوصف الكثير من الاتجاهات المعنية بالعلاقات الموجودة بين القانون نصاً والمجتمع حيويةً (التحرك الاجتماعي)، كما يصف الحياة القانونية والسياسية بغية فهم مضامينها الاجتماعية العلمية. وهو بالتعريف ذلك الفرع من علم الاجتماع الذي يدرس الحقيقة الكلية للقانون مبتدئاً بأوجه التغير التي يمكن الإحساس بها وملاحظتها وتعرف مداها وآثارها المادية في السلوك الجسمي، ويرمي إلى تفسير هذا السلوك، وتلك المظاهر المادية للقانون تبعاً لما تنطوي عليه من معان خفية، بغية الكشف عن الحقيقة الكاملة للقانون في علاقته بالمتغيرات الاجتماعية التي تعمل على نحو ما في صيرورته وفي وجوده على هذا النمط. إلا أن علم الاجتماع القانوني يختلف في كثير من الحدود عن التحليل القانوني للمعايير والأعراف، وكذلك عن فقه القانون وفلسفته، وليس ثمة انسجام في أسلوب التفكير، أو في طريقة البحث، بين العلماء في ميدان فقه القانون وعلم الاجتماع، لأن القانون يمثل في نظر علماء الاجتماع ميداناً عملياً تطبيقياً، ولأن القانونيين يرون ميدان علم الاجتماع ميداناً نظرياً بحتاً. والحقيقة أن كلاً من الميدانين مرتبط بالآخر ارتباطاً وثيقاً وأن الواحد منهما مكمل للثاني، فيمكن تطبيق علم الاجتماع لدراسة النظام القانوني الذي يحفظ النظام العام في المجتمع، ويمكن أن يدرس رجل القانون - الذي يتجه وجهة اجتماعية - القوانين بوصفها ضابطاً اجتماعياً ذات ميزات خاصة في الدولة.
وعلم الاجتماع القانوني يهتم بوصف الكثير من الاتجاهات المعنية بالعلاقات الموجودة بين القانون والحقائق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية، كما يعد من أهم ميادين علم الاجتماع التي تحظى في العصر الحديث بعناية فائقة لدى كثير من القانونيين والاجتماعيين على حد سواء.
علم اجتماع المعرفة: يبحث علم اجتماع المعرفة في صحة التراكيب الفكرية السائدة في المجتمع، مع اهتمام خاص بتفسيرها وربطها بالمعلومات التي توصل إليها علماء الاجتماع بطريق التجريب، وعلى أساس ربطها بالظروف والمتغيرات الاجتماعية.
ومن هذا المنطلق يصبح علم اجتماع المعرفة امتداداً لنظرية المعرفة (الإبستيمولوجية) في الفلسفة يهتم بدراسة ومشاهدة كيف، وعلى أي نحو، ترتبط الحياة العقلية في حقبة تاريخية ما بالقوى السياسية والاجتماعية، إلا أنه يبتعد عن أية أحكام تقريرية، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية، ويخضع لمنطق الوقائع ويفسرها تفسيراً محايداً.
على أن هناك من يرى أن علم اجتماع المعرفة يبحث في الأفكار والوقائع والمعايير السائدة في المجتمع والعوامل التي أدت إلى وجودها، ومدى مطابقة هذه الأفكار لمنطق التطور التاريخي في المجتمع، وفي هذه الحال تبقى للإبستيمولوجية وظيفتها المستقلة.
ولكن مما يجعل موضوع علم اجتماع المعرفة قريباً من موضوع نظرية المعرفة أنه يهتم بتحليل العلاقات الوظيفية المتبادلة بين التراكيب والعمليات الاجتماعية والعلمية، وأنماط الحياة الفكرية بما في ذلك أنماط المعرفة أو الطريقة التي يتكون بها نسق التفكير عن طريق الوقائع الاجتماعية والتفاعلات الحاصلة ما بين المتغيرات الاجتماعية في البنية الاجتماعية.
ويمكن في العصر الحاضر الوقوف عند جملة أمور يتحدد بها علم اجتماع المعرفة، منها الموضوعية واستبعاد كل العناصر القيمية والمعيارية، وكذلك الأفكار الميتافيزيقية التي لا يوجد دليل واقعي على صحتها، لأن علم اجتماع المعرفة، الذي يراد له أن يكون علمياً بالمعنى الصحيح، يجب أن يقوم على البحث العلمي السليم والدقيق لمسائله.
إن علم اجتماع المعرفة يهتم أولاً وآخراً بالحياة الفكرية، أو نسق التفكير على وجه العموم متضمناً نوع المعرفة، أو طريق دراسة الحقائق الاجتماعية أو تجريبها واقعياً أو كشفها في مرحلة تاريخية معينة من فحص الجذور الاجتماعية للمعرفة الإنسانية التي تتباين ما بين مجتمع وآخر، وكذلك في المجتمع الواحد على مر العصور. وهو يعنى بأسس التفكير المنطقية من خلال دراسته للتحولات الاجتماعية التي تعزز تلك المعارف والأسس إذ تتشابك المعرفة الإنسانية بالمعرفة العلمية، ولقد أوضح كثير من علماء الاجتماع أن المعرفة العلمية والإنسانية ترتبطان بالنمط التحليلي للحوادث الطبيعية والاجتماعية.
ولما كانت المعرفة الإنسانية تتوزع على المنطق والفلسفة (ومنها فلسفة العلم ونظرية المعرفة)، وكذلك علم الاجتماع، وكان المنطق، من وجهة نظر علم اجتماع المعرفة، ليس إلا طريقة أو طريقاً في التحليل، وكانت الفلسفة النظرة الشمولية للكون والمجتمع، ولما كانت هذه الجوانب الفكرية الثلاثة ترتبط بجذور اجتماعية كان القول إن أي تحليل وظيفي أو بنائي للمجتمع لابد له من أن يأخذ بالحسبان التحولات الاجتماعية التي تسود في المرحلة المعنية. وقد ساد هذا النمط من التحليل الاجتماعي في علم اجتماع المعرفة في المجتمعات الاشتراكية والرأسمالية سواء بسواء، ولكن بوظائف متباينة
منقووووول