الزمان/ 8 محرم – 50 هـ
المكان/ مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الموضوع/ موت الحسن بن علي رضي الله عنهما .
ترجمته :
مفكرة الإسلام : هو الحسن بن علي رضى الله عنهما ، وكنيته أبو محمد، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رضى الله عنه أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم من رأسه إلى سرته، والحسين رضى الله عنه أشبه به عليه الصلاة والسلام من سرته إلى قدمه، وهو أكبر من الحسين بسنة واحدة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه فعن عدي بن ثابت قال سمعت البراء يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعا الحسن على عاتقه فقال: 'من أحبني فليحبه' .
وحدث نعيم قال: قال لي أبو هريرة: ما رأيت الحسن قط إلا فاضت عيناي دموعا؛ وذلك أنه أتى يوما يشتد حتى قعد في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول بيديه هكذا في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح فمه ثم يدخل فمه في فمه ويقول: 'اللهم إني أحبه فأحبه' يقولها ثلاث مرات .
وأخرج البخاري عن أبي بكرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة يقول 'إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين'، وأخرج البخاري عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: 'هما ريحانتاي من الدنيا' يعني الحسن والحسين، وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة'، وأخرج الترمذي عن أسامة بن زيد قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحسن والحسين على وركيه فقال: 'هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما' .
وأخرج عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: 'الحسن والحسين'، وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وقد حمل الحسن على رقبته فلقيه رجل فقال: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'ونعم الراكب هو' .
وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن الزبير قال: أشبه أهل النبي صلى الله عليه وسلم به وأحبهم إليه الحسن بن علي رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو قال ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر، وأخرج ابن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسن بن علي فإذا رأى الصبي حمرة اللسان يهش إليه .
وأخرج الحاكم عن زهير بن الأرقم قال: قام الحسن بن علي يخطب فقام رجل من أزدشنوأة فقال: أشهد لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعه في حبوته وهو يقول: 'من أحبني فليحبه وليبلغ الشاهد الغائب' ولولا كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثت به أحدا .
وكان رضى الله عنه مطلاقا _ أي كثير الطلاق _ تزوج كثيرا من النساء، فعن عبد الله بن حسن قال: كان الحسن رجلا كثير نكاح النساء، وكن قلما يحظين عنده وكان قل امرأة تزوجها إلا أحبته وصبت إليه، فعن الحسن ابن سعد عن أبيه قال: متع الحسن بن علي امرأتين بعشرين ألفا وزقاق من عسل فقالت إحداهما وأراها الحنفية: متاع قليل من حبيب مفارق، فصعد علي كرم الله وجهه المنبر وقال: أيها الناس ألا لا يزوجن أحد منكم الحسن بن علي فإنه مطلاق، فنهض رجل من همدان _ وهي قبيلة من اليمن _ وقال: والله لنزوجنه؛ إن أمهر أمهر كثيفا وإن أولد أولد شريفا، فقال علي رضى الله عنه عند ذلك: لو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلي بسلام، وأخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال علي: يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق، فقال رجل من همدان والله لنزوجنه فما رضي أمسك وما كره طلق .
وسمع أبان بن الطفيل يقول: سمعت عليا يقول للحسن: كن في الدنيا ببدنك وفي الآخرة بقلبك، وعن محمد بن علي قال: قال الحسن رضي الله عنه: إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته؛ فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه، وعن ابن أبي نجيح أن الحسن بن علي حج ماشيا وقسم ماله نصفين، وحدث شهاب ابن عامر أن الحسن بن علي قاسم الله عز وجل ماله مرتين حتى تصدق بفرد نعله، وذكر عن علي بن زيد بن جدعان قال: خرج الحسن بن علي من ماله مرتين وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرار حتى إن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا ويعطي خفا ويمسك خفا .
ومر بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه فنزل عن فرسه وأكل معهم، ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم وقال: البدء لهم لأنهم لم يجدوا إلا ما أطعموني، ونحن نجد أكثر منه .
وبلغه أن أبا ذر قال: الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: يرحم الله أبا ذر، أنا أقول: من اتكل على حسن اختيار الله لم يحب غير ما اختاره .
بويع بالخلافة يوم موت أبيه علي رضى الله عنه لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة أربعين من الهجرة، وأول من بايعه سعد بن عبادة الأنصاري وكانت يده شلاء فقيل لا يتم هذا الأمر، وكان عمره حينئذ ما بين ثلاثين سنة إلى الأربعين، وكان نقش خاتمه لا إله إلا الله الحق المبين .
ولما بويع بالخلافة قتل عبد الرحمن بن ملجم قاتل أبيه؛ يقال إنه ضربه بالسيف فاتقاه بيده فندرت ثم قتله بعد ذلك، أقام بالكوفة إلى شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وكان علي رضي الله عنه قد جهز قبل موته أربعين ألفا لحرب معاوية فتجهز الحسن بعد مبايعته للخروج بذلك الجيش وسار من الكوفة للقاء معاوية واشترط عليه شروطا وقال إن أنت أجبت إليها فأنا سامع مطيع، وكان من شروطه عليه: أن تكون له الخلافة من بعده، وعلى أن لا يطالب أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان أيام أبيه، وعلى أن يقضي عنه ديونه وأن يعطيه ما ببيت مال الكوفة، وعلى أن لا يسب عليا فأجابه معاوية إلى ما طلب فاصطلحا على ذلك، ورجع إلى المدينة فبقى بها إلى أن توفي .
حدث سفيان بن عيينة عن مجاهد عن الشعبي قال: شهدت الحسن بن علي حين صالحه معاوية بالنخيلة فقال معاوية: قم فأخبر الناس أنك تركت هذا الأمر وسلمته إلي، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أكيس الكيس التقى وأحمق الحمق الفجور وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون حق امرئ فهو أحق به مني وإما أن يكون حقا هو لي فقد تركته إرادة إصلاح الأمة وحقن دمائها وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين .
وورد في الخبر أنه لما سار أمير المؤمنين الحسن بن علي بجيوشه نحو الشام وعلى مقدمته قيس بن سعد بن عبادة وسار معاوية بجيوشه فالتقوا في ناحية الأنبار فوفق الله الحسن في حقن دماء المسلمين وترك الأمر لمعاوية كما هو مقرر في صحيح البخاري وظهر حينئذ صدق الحديث النبوي فيه حيث قال صلى الله عليه وسلم: 'إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين'، ولما تم الصلح بشروطه برز الحسن بين الصفين وقال: إني قد اخترت ما عند الله وتركت هذا الأمر لمعاوية، فإن كان لي فقد تركته لله، وإن كان له فما ينبغي أن أنازعه، ثم قرأ: [وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين] فكبر الناس فرحا واختلطوا من ساعتهم وسميت سنة الجماعة وتمت الخلافة لمعاوية رضي الله عنه ولله الحمد .
وكان في خلعه نفسه وتسليم الأمر لمعاوية ظهور معجزتين للنبي صلى الله عليه وسلم إحداهما: ما حدث به أبو بكرة قال: كان النبي صلى الله علية وسلم يصلي بنا فيجيء الحسن وهو ساجد صبي صغير حتى يصير على ظهره أو رقبته فيرفعه رفعا رفيقا فلما صلى صلاته قالوا: يا رسول الله إنك لتصنع بهذا الصبي شيئا لا تصنعه بأحد؟ فقال: 'إن هذا ريحانتي وإن ابني هذا سيد وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين' فكان الأمر كذلك .
والثانية: أنه حسب يوم تسليمه فكان تمام ثلاثين سنة وقد قال صلى الله عليه وسلم: 'الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تكون ملكا' .
ولا يستطيع أحد من الناس أن يتخيل صعوبة هذا الأمر ومدى شدته ليس على النفس وحسب ولكن على الأتباع فقد كان أصحابه يقولون له بعدها: يا عار المؤمنين، فيقول: العار خير من النار، وقال له رجل: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: لست بمذل المؤمنين؛ ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك، وعن عبد الرحمن بن جبير ابن نفير عن أبيه قال: قلت للحسن: إن الناس يقولون أنك تريد الخلافة! فقال: قد كانت جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ارتحل الحسن عن الكوفة إلى المدينة فأقام بها .
فكانت خلافته على القول الأول خمسة أشهر ونحو نصف شهر، وعلى الثاني سبعة أشهر وكسرا، وأخرج البيهقي وابن عساكر أن الحسن بن علي مرت به ضائقة وكان عطاؤه في كل سنة مائة ألف فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين فأضاق إضاقة شديدة قال: فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية لأذكره نفسي ثم أمسكت .
فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال كيف أنت يا حسن؟ فقلت: بخير يا أبت وشكوت إليه تأخر المال عني، فقال: أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ذلك؟ فقلت: نعم يا رسول الله… فكيف أصنع؟ فقال: قل اللهم أقذف في قلبي رجاءك وأقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو أحدا غيرك، اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ولم تنته إليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي ولم يجر على لساني مما أعطيت أحدا من الأولين والآخرين من اليقين فخصني به يا رب العالمين .
قال: فوالله ما ألححت به أسبوعا حتى بعث إلي معاوية بألف ألف وخمسمائة ألف فقلت: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يخيب من دعاه، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال: يا حسن كيف أنت؟ فقلت: بخير يا رسول الله وحدثته بحديثي، فقال: يا بني هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق .
وتوفي بعد خلعه بالمدينة في الخامس من ربيع الأول سنة تسع وأربعين من الهجرة وقيل توفي لثمان خلون من المحرم سنة خمسين وصلى عليه سعيد بن العاص، ويقال إن معاوية لما بلغه موته سجد شكرا، وقد قيل إن زوجته جعدة بنت الأشعث سمته فمات وكان يزيد بن معاوية قد وعدها أن يتزوجها إن سمته ففعلت ولم يوف لها فلما مات الحسن بعثت إليه تسأله الوفاء بما وعدها فقال: إنا لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا .
وعن عمير بن إسحاق قال: دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي نعوده فقال: يا فلان سلني؟ قال: لا والله لا نسألك حتى يعافيك الله ثم نسألك، قال: ثم دخل ثم خرج إلينا فقال: سلني قبل أن لا تسألني، فقال بل يعافيك الله ثم أسألك، قال: لقد ألقيت طائفة من كبدي وإني سقيت السم مرارا فلم أسق مثل هذه المرة، ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه، وقال: يا أخي من تتهم؟ قال: لم؟ لتقتله؟ قال: نعم، قال: إن يكن الذي أظن فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا، وإلا يكنه فما أحب أن يقتل بي بريء ثم قضى رضوان الله تعالى عليه .
وقيل لما حضرت الحسن الوفاة جزع فقال له الحسين: يا أخي ما هذا الجزع؟! إنك ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى علي وهما أبواك، وعلى خديجة وفاطمة وهما أماك، وعلى القاسم والطاهر وهما خالاك، وعلى حمزة وجعفر وهما عماك، فقال لـه الحسن: أي أخي إني داخل في أمر من أمر الله تعالى لم أدخل في مثله وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط .
قال ابن عبد البر وروينا من وجوه أنه لما احتضر قال لأخيه: يا أخي إن أباك استشرف لهذا الأمر فصرفه الله عنه ووليها أبو بكر، ثم استشرف لها وصرفت عنه إلى عمر، ثم لم يشك وقت الشورى أنها لا تعدوه فصرفت عنه إلى عثمان، فلما قتل عثمان بويع علي ثم نوزع حتى جرد السيف فما صفت له، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا النبوة والخلافة، فلا أعرفن ما استخلفك سفهاء الكوفة فأخرجوك، وقد كنت طلبت من عائشة رضي الله عنها أن أدفن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت نعم، فإذا مت فأطلب ذلك إليها وما أظن القوم إلا سيمنعونك فإن فعلوا فلا تراجعهم، فلما مات أتى الحسين إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت نعم وكرامة، فمنعهم مروان فلبس الحسين ومن معه السلاح حتى رده أبو هريرة ثم دفن بالبقيع إلى جنب أمه رضي الله عنه .
وأخرج ابن عساكر عن جويرية بن أسماء قال: لما مات الحسن بكى مروان في جنازته فقال له الحسين: أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه؟! فقال: إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا وأشار بيده إلى الجبل .
ودفن بالبقيع على القرب من قبر العباس بن عبد المطلب وقد بني عليهما قبة عظيمة ترى من خارج المدينة على بعد، وكان له من الولد حسن الأصغر وزيد وعمرو والحسين الأثرم والقاسم وأبو بكر وطلحة وعبد الله وعبد الرحمن، والعقب منهم لحسن وزيد دون سواهما، والقاسم وأبو بكر قتلا مع عمهما الحسين، وعبد الله قتل بالطف وكان له بنات أيضا .