هل بإمكان المرء تحمّل ضجيج يأتي مرة واحدة من أبواق السيارات في طريق مزدحم ومطارق ضغط هوائية تعمل في حفر طريق وازيز طائرة تهبط؟ هكذا يكون حجم الضجيج الذي يسمعه المرء المصاب بما يسمى بالطنين او ( المضى - تينيتوس ) وهناك الملايين من المصابين به في العالم وفي ألمانيا وحدها ثلاثة ملايين تقريبًا، لكن الإصابات تكون عادة بدرجات متفاوتة وتتحول لدى بعضهم الى مرض مزمن، فتنقلب حياتهم بالتالي الى جهنم اذا ما لم يعالجوا، ومن الطبيعي ان يسمع المرء في بعض الاحيان صوت حركة تنفسه او طقطقة مفاصله او جريان الدم في عروقه عندما يكون الهدوء العميق سائدًا على المكان المتواجد فيه لكن ذلك يختفي بسرعة .
وعلى الرغم من ان هذه الاصوات توصف بالطنين ولا يعيرها اصحابها اهتمامًا كبيرًا، لكنها قد تصبح في بعض الاحيان عامل ازعاج كبير للنفس والجسد، خاصة اذا ما عجزت الاذن عن فلترتها او التقليل منها .
والمشكلة الكبرى عدم توفر جهاز طبي حتى الان لقياس الطنين الذي لا يسمعه الا صاحبه، فمصدره اذنه نفسها وليس المحيط الذي يعيش فيه، وعندما يتحول الى حالة مزمنة يصبح الطنين احيانًا عاليًا الى درجة غير محتملة، ويطلق عليه الاطباء في المانيا "اصوات الشبح ".
وبإمكان الطبيب في حالات نادرة سماع الاصوات الصادرة عن اذن المريض بوساطة سماعته الطبية stethoskop او انبوب خاص للسمع يدخل في الاذن.
وحسب قول الدكتور فرانك روزانوفسكي وهو طبيب اذن وانف وحنجرة في ميونيخ، إن مرض التينيتوس او الطنين حالة عرضية قد تتحول الى مرض مزمن ومسبباتها عديدة .
فقد تكون بسبب التهابات في الاذن الداخلية لكنها ايضا اشارة إلى وجود مرض سرطاني بالقرب من منطقة الاذن .
وقد يكون للطنين علاقة بسلسلة من الامراض مثل ارتفاع ضغط الدم او نقص في وظيفة الغدة الدرقية او حتى خلل للدورة الدموية او نقص في عنصر الاوكسجين في الاذن او صملاخ يسدها او جسم غريب فيها او التهابات في الاذن الخارجية .
لكن تظهر هذه الحالة احيانًا لدى المصابين بمرض السكر ي او التهاب الجيوب الانفية او في المنطقة ما بين البلعوم والاذن او التهاب في الاذن الوسطى .
ومن المسببات الخارجية دوي او انفجار فظيع تعرضت له الاذن او تناول العقاقير .
وعلى الرغم من كل هذه التخمينات يظهر هذا المرض على الاصحاء ايضًا، لذا عجز الطب حتى الان عن تحديد السبب، رغم ذلك ينطلق الاطباء في اغلب الاحيان عند معالجتهم له من مبدأ وجود خلل في الاذن الداخلية .
لكن بتقدير الطبيب الالماني فإن المصدر الرئيس لطنين الاذن هو خلايا حاسة السمع التي يحدث فيها خلل خلال عملية الاستقلاب فينتج عن ذلك ضرر للخلايا الشعرية في قوقعة الاذن الداخلية ، فتعطي هذه الخلايا عن طريق اعصاب السمع معلومات خاطئة الى الدماغ فيحلل الاصوات بدوره بشكل خاطئ وغير مرتبط بالواقع على انها ضجيج .
وقد تنشط ايضًا وبشكل مفاجئ وهذه حالة لا تفسير لها خلايا حاسة السمع والخلايا العصبية حتى لو لم تصب الخلايا الشعرية بالضرر فيفسر الدماغ في السكون التام اصواتًا معينة او خشخشة او صريرًا بأنها ضجيج غير واضح.
ومن وجهة نظر روزانوفسكي، فإن تحديد سبب الطنين يجب ان يتم خلال الاشهر الثلاثة الاولى من ظهور عوارضه لمعرفة مسبباته خاصة اذ ما كانت عضوية، واذا لم يعالج المصاب او ان معالجته لم تنجح فقد تصبح حالته مزمنة وتتحول اصوات الشبح جزءًا من محيطه فتجعل حياته جحيم.
واتضح نتيجة لاختبارات عديدة اجريت في مستشفى روزين أك ببلدة كيمزيه جنوب المانيا، أن 5 من اصل ستة مرضى بالطنين المزمن اصبحوا لا يشتكون فقط من حالات نفسية واوجاع مختلفة بل يشعرون بان كل جسدهم يؤلمهم، لذا حذر الطبيبان المصابين من الاهمال والذهاب فورا الى طبيب الاذن والحنجرة مع اول اشارة صوتية تسمع ليس مصدرها محيطهم .
واهم ما يقوم به الطبيب هو فحص نظام السمع لدى المريض واذا ما عجز عن وضع تشخيص يجب اللجوء الى طبيب اعصاب لتحديد الاسباب بشكل ادق خاصة اذا كانت هناك شكوك من نمو ورم سرطاني .
وعند استبعاد المسببات الخطرة بامكان معالجة الطنين بطرق كثيرة ، مثل التدليك والرياضة الصحية، اذ من المحتمل ان يكون بسبب تشنج العضلات ما بين الكتفين والعنق فيضغط بالتالي على الاعصاب الصاعدة الى الدماغ . ويتم التدليك على يد طبيب او مدلك متخصص.
وهناك طرق تفسح المجال امام الطبيب المعالج لمحاولة التقليل من الطنين مثلاً بوساطة ما يسمى بقناع التينيتوس، لكن من المهم قبل ذلك تحديد درجات قوته بالضبط بالتعاون مع المريض.
وهذا العلاج بسيط جدًا ويتم في اماكن مختلفة في الخارج والداخل بتعصيب عيني المريض وارسال الطبيب الواقف خلفه اصواتًا مختلفة مزعجة وعادية , والقصد من ذلك تدريب المريض لدماغه على أن يركز على اصوات تأتي من خارج الاذن فيزداد مع الوقت هذا التركيز على حساب الاصوات الداخلية المجهولة . ويحتاج هذا العلاج الى وقت طويل، لكنه يأتي بنتيجة جيدة .
وينصح الطبيب الالماني بعدم اللجوء بسرعة الى الابر الصينية او العلاج الطبيعي ( ما يسمى علاج المثل بمثله ) ويحذر من العلاجات الروحية ( الشعوذة ) والعلاج بوساطة الاعشاب لانها تزيد وضع المريض تدهورًا.
وهناك علاجات للطنين المزمن اظهرت نجاحًا لا بأس به منها بوساطة ما اسماه الاطباء بجهاز مفتعل الضجيج والاصوات العالية tinitus-noiser ويتم بعد مشاورة الطبيب المتخصص وضمن رعاية ومعالجة نفسية .
فهذا الجهاز الصغير الذي يوضع وراء الاذن يرسل كما يدل اسمه اصواتًا عديدة وانواعًا من الضجيج لكن يجب ألا تكون اعلى من طنين الاذن .
والهدف هو اسماع المريض للصوتين معا وتمرين دماغه على وقع ما يسمعه من الخارج فيتعلم بذلك فلترة الطنين وعدم ملاحظته .
ويجب حمل هذا الجهاز ثلاثة اشهر على الاقل لمدة ست ساعات يوميًا .
والعلاج الاخر الذي يخضع له المريض في المراحل الاولى من اصابته بالطنين هو اعطائه خلال جلسات عديدة عن طريق الوريد نقيعا خاصا ( مصل ) مع مستحضر Hydroxyethyl وكربوهيدرات ومستحضر لتنشيط سريان الدم، فهذا الخليط الطبي الذي يعطى تحت اشراف الطبيب المختص يحسّن الدورة الدموية وبالتالي يوفر للانسجة في الاذن الداخلية الكميات الكافية من الاوكسجين والعناصر المغذية الاخرى اللازمة مما يعطي الخلايا الشعرية التي لحقها الضرر نتيجة عملية الاستقلاب الامكانية لاستعادة عافيتها .
واذا لم تحقق المحاولة نجاحا بامكان الطبيب اضافة مادة ليدوكين Lidocain فهي تحول دون وصول اشارات صوتية الى الدماغ عبر الاعصاب وبذلك تمنع تفسيره الخاطئ لها .
وهناك علاج اخر في المانيا للتغلب على الطنين المزمن ايضًا تدهور السمع والصدمة السمعية، اثر انفجار عظيم يسمى "المعالجة بالاوكسجين الصرف " ويضاف الى العقاقير التي يصفها الطبيب المختص او يحل محلها، ويكون تحت اشراف متخصص.
وبحسب وصف الطبيب للعلاج يلج المريض حجرة ضغط صغيرة ( تكون عادة في المستشفيات ) واضعًا قناعًا على كامل وجهه يتنشق من خلاله الاوكسجين الصافي مئة في المئة، يرافق التنشق زيادة ارتفاع الضغط في الحجر ببطء، ونتيجة لذلك ترتفع في كل اعضاء الجسم ايضا في الاذن كمية الاوكسجين الطبيعي.
ولقد حدد الاخصائي الالماني وضع المرضى كالتالي:
1- استطاع 40 في المئة من المصابين بالطنين ( الحالة عرضية ) وبشكل جيد غض النظر عن الاصوات الصادرة من داخل اذنهم مما مكنهم من تخفيض ما تسبّبه من مضايقات.
2- مقارنة مع العديد من مرضى الطنين استطاع 30 في المئة من المصابين بالطنين المحتمل اهمال الاصوات الصادرة من اذنهم.
3- تمكن 20 في المئة من عدم التركيز دائمًا على الطنين مما جعل الاصوات والضجيج بمثابة عامل غير مزعج على الرغم من تواجده.
4- اصبحت اعصاب 10 في المئة من المرضى رهينة الطنين الذي جعل حياتهم صعبة جدًا.