هذا هو الحجاب الشرعي
كَثُرَ بين بعض الفتيات، حجاب إسلامي - على حد زعمهن - مكوَّن من طرحة سوداء مزخرفة في جوانبها يضعنها على رؤوسهن مخمَّرات بها وجوههن، ولكن، وللأسف فإن العينين باديتان والوجه مجسد، ثم أن ما ينذر بالخطر من وراء هذا الحجاب الجديد إن أولئك الفتيات أخذن يوسَّعن فتحات الأعين شيئاً فشيئاً بحجة الرؤية.
ونظراً لسعة انتشار هذا الحجاب، فإن اللاتي لا يلبسنه منبوذات بين صويحباتهن، موصوفات بالتزمت، والتشدد، والرجعية، بحجة أن الصحابيات كن يفعلنه على عهد الرسول.
السؤال: هل يجوز لبس مثل هذا الحجاب؟ مع بيان صفة الحجاب الذي أمر الإسلام به.
فأجاب فضيلة الشيخ محمد العثيمين بقوله: ( أقول: إن الاستعمار الفكري لا يألو جهداً في صدِّ الناس عن دينهم عقيدة وخلقاً وعبادة ومعاملة بقدر ما يستطيع، ولكن المؤمن يكون عنده منعة في إيمانه تحول بينه وبين قصد هؤلاء المفسدين، وذلك بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله كما هو الواجب على كل مؤمن عند التنازع أن يكون مرجعه كتاب الله وسنة رسوله لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59].
ونحن إذا رجعنا إلى الكتاب والسنة في هذه المسألة، وجدنا أن الحجاب الإسلامي لابد فيه من تغطية الوجه عن الرجال الأجانب. وأدلة ذلك مذكورة في الكتب المؤلفة في هذا، ولا يتسع المقام لسياقها. والنظر الصحيح يقتضي ذلك، لأن الوجه هو جمال المرأة ومحط الرغبة، وهو الذي يقصده الرجال من المرأة فيمن يقصدون الجمال الخَلقي، وإذا كان كذلك، فإن الفتنة تكون فيه أعظم إذا كان مكشوفاً يشاهده كل إنسان ويكون هو أولى بالحجاب من غيره، وأولى بالحجاب من القدمين ومن الكفين، لأن الفتنة فيه أعظم.
وما ذكره السائل من هذا الحجاب.. فإنه مناف لما تقتضيه الأدلة الشرعية، وذلك أن هذا الحجاب كما ذكره السائل يتضمن التبرج بالزينة لما طرِّز به من وشي ونقش وقد قال الله تبارك وتعالى في القواعد من النساء: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60].
هذا في القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً، فكيف بالشابات اللاتي يرجون النكاح واللاتي تتعلق رغبات الرجال بهن، كيف يتبرجن بالزينة بخمرهن.
ثم إن الفتحة للعين - أي النقاب - إذا توسع النساء فيها حتى صرن يبدين الحواجب والوجنتين، فإن ذلك مخالف لما كان عليه نساء الصحابة في عهد النبي. ونحن نعلم حسب التتبع والاستقراء أن مثل هذه الأمور تتغير فيها الأحوال بسرعة، وأن النساء ربما استعملن هذا الشيء على وجه قريب مما كان عليه نساء الصحابة ثم لا يلبثن إلا يسيراً حتى يتسع الخرق على الراقع.
ومن القواعد المقررة عند أهل العلم، سد الذرائع، أي سد ما يكون ذريعة إلى محرم. وهذا لا شك إذا كان على الوجه الذي ذكره السائل فهو محرم في ذاته، وذريعة لما هو أعظم وأعظم ونصيحتي لنساء المؤمنين أن يتقين الله في أنفسهن وألا يكُنَّ ممن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فيلحقهن وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. وليسألن من يكبرهن سناً ومن هنّ محتشمات ومتحجبات بالحجاب الشرعي الذي يغطي سائر الوجه، هل ضرهن هذا الحجاب، وهل كان سبباً في نقصان دينهن وهل كان سبباً في التفريط بواجباتهن وغيرها، وهل كان سبباً لتخلفهن دينياً أو فكرياً أو خلقياً، أو اجتماعياً؟ وكل هذا لم يكن فليسعهن ما وسع أمهاتهن، بل ما وسع نساء الصحابة رضي الله عنهم ) [فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: مجلة الدعوة، عدد 1320].