الإنسان كتلة من الأحاسيس والمشاعر، ومهما علا شأنه، أو تعالت مراتبه، فهو يظل عاطفياً ذا حس مرهف، يتأثر بالموقف وفراق الأحبة. وقدوتنا في ذلك نبينا محمد - صلوات الله عليه وسلم - وهو يبكي ابنه إبراهيم، وهناك مواقف كثيرة للصحابة والتابعين وعظماء العالم وهم يبكون ويتأثرون بما يمرون به من لحظات حزينة مؤلمة. وفي وقتنا الحالي شاهدنا أرق وأصدق قلب في دموع خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وهو يقبّل الأيتام من أبناء شهداء الواجب، فكان موقفاً مؤثراً، كان له وقعه في قلوب شعب هذا الملك الصالح، وهذه المواقف تزيد الإنسان ولا تنقصه أو تقلل من شأنه. ومن المواقف التي تدمي القلب وتؤثر في الوجدان فراق الحبيب الذي عشت معه أوقاتاً جميلة، اندمجت روحك مع روحه فيها، وقلبك مع قلبه، وعواطفك مع عواطفه، تقاسمتم الكلمة الجميلة واللحظات السعيدة التي قد تحسب طويلة في عمر الزمن، لكنها مرت كلمح البصر، وبقيت ذكريات في الوجدان تؤجج المشاعر وتبكي العيون ويهتز لها الجسد كله في ظروف خارج تحكُّم الإنسان والتصرف بمشاعره وميوله ورغباته. فما أقسى لحظات الوداع وأقواها على النفس.
• وفوق كل ذلك وأكثر اختلافاً في الوصف والتعبير هو ما نشاهده من بكاء المصلين في المساجد وخوفهم وخشيتهم ورجائهم من رب العالمين، وطلبهم الصفح والعفو والغفران، وما تنقله لنا الفضائيات من دموع المصلين الصادقة في الحرمين الشريفين؛ ما يشكل حالة وجدانية صادقة، لها أبلغ الأثر في حرص الكثيرين من غير المسلمين الذين يشاهدون هذه العواطف الجياشة عبر القنوات الفضائية في جميع أنحاء العالم؛ فيكثر تساؤلاتهم عن هذا الدين الذي يحرك الوجدان، ويبدؤون رحلة البحث والاطلاع والقراءة، ثم الدخول في دين الله أفواجاً؛ حيث يُعد الإسلام الأسرع والأكثر انتشاراً بين الأديان والعقائد، وبخاصة في أوروبا وأمريكا وغيرهما؛ لما وجدوا في الإسلام من روحانيات تخاطب الإنسان وتعلي من شأنه.
• وأخيراً، الإنسان الرقيق الذي تدمع عيناه، وتتغلب دموعه على رباطة جأشة ونظرة الآخرين التي يريدها إلا تهتز، هو إنسان مرهف الحس، طيب القلب، نقي السريرة، لا يعني ذلك ضعفاً فيه أو قصوراً؛ لأنه في الجد والعمل والإنجاز والعطاء، تجده متميزاً جاداً عادلاً في أدائه وعمله. وفي المقابل أشفق على قساة القلوب، الذين يتظاهرون بالشراسة والتبلد وعدم الاكتراث لمشاعر الآخرين؛ لأنهم أحجار صلبة جامدة في هياكل إنسانية باردة.