مقال أعجبني فنقلته اليكم......
نظرية "احمد ربك" في دوائرنا الحكومية!
د. عبدالله بن إبراهيم الجريفاني
حينما تسرق سيارك أمام ناظريك وليس بينك وبينها إلا خطوات - لا قدر الله - وتهب مسرعاً للتبليغ عن هذه الجريمة فستجد من سيستقبلك بابتسامة باردة أو بملامح متجهمة، ولا شك ان الحوار الذي سيدور بينكما سيتضمن عبارة شهيرة في دوائرنا الحكومية يقول فيها الموظف لك: "أحمد ربك"؛ إذ ستقول له بادئ ذي بدء:
- سيارتي سرقت.. أرجوك استعجل في الإجراءات لعلكم تجدونها قبل أن يعبث بها هذا السارق ويدمرها...
سيرد عليك هذا الموظف بسؤال ملؤه السخرية والتعجب من اندفاعك وإلحاحك، وكأن الذي سُرق منك هو حذاء وليس سيارة:
- هل في السيارة أحد؟!!.
ستجبيه قائلاً:
- لا.. ليس فيها أحد.
وفي هذه اللحظة - تحديداً - يأتي دور عبارتنا الشهيرة؛ إذ ستجد الموظف يبادرك قائلاً:
- "أحمد ربك يا شيخ".. فهناك كثير من البلاغات عن سيارات مسروقة وبداخلها أبناء صاحب السيارة أو زوجته!!!.
ستصاب بصدمة وإحباط وذهول وخيبة أمل تدفعك دفعاً إلى الطريق الذي أتيت منه وأنت تقول:
- الحمدلله.. الحمدلله.. الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
ليس هذا هو الموطن الوحيد الذي سيستقبلك به بعض الموظفين الحكوميين بمثل هذا المنطق، بل ستجد جهات عدة ودوائر حكومية مختلفة تتبنى هذا الخطاب الذي يستغل في الناس حسهم الديني لتسويغ التقصير في أداء مهامهم على الوجه الأكمل، فحينما تتأخر معاملاتك - على سبيل المثال - أياماً أو أسابيع منتظرة توقيع "سعادته" أو "معاليه" فستجد من يقول لك: "أحمد ربك" فهناك من تأخرت معاملته شهوراً، وحينما تبلغ عن هروب خادمة دفعت من أجل استقدامها آلافاً من الريالات مستغلة ضعف الأنظمة وكثرة الثغرات فيها، فستجد من يقول لك: "أحمد ربك يا شيخ".. فهناك من هربت خادمته مع سائقه وسرقا سيارته بعد أن دفع "25000" ريال من أجل نقل كفالتهما، وبعدها بأيام يأتيه اتصال منهما ليبلغاه أنهما في جدة!!!... وهكذا تبريراً واعتذاراً..
إن القصص السابقة التي سقتها ليست من نسج الخيال، وليست تهويماً واختلاقاً للأحداث، بل هي حقائق واقعية يعاني منها مئات وربما آلاف المواطنين يومياً.. فالقصة الأولى وقعت لأحد أقاربي، أما القصتان الأخريان فقد عانيت من إحداهما شخصياً ووقفت على تفاصيلهما بنفسي.
ليست المشكلة في أن تحدث سرقة أو تتأخر معاملة أو تهرب خادمة، بل المشكلة - حسب تصوري - تكمن في أمرين:
- الأول: أننا لا نجد في الأفق بوادر لحلول جذرية لمثل هذه المشكلات التي تؤرق المواطن وتقض مضجعه.
- الثاني: ان المنطق الذي يتعامل به كثير من الموظفين الحكوميين يشعرنا بأنهم لم يوجدوا في أماكنهم إلا ليوفروا الحد الأدنى من الخدمة أو الأمن أو المسؤولية.
ولي أن اتساءل في ختام هذا المقال: إلى متى ونحن نرى ان الجهود المبذولة في بعض دوائرنا الحكومية لا تتلاءم مع توجيهات قيادتنا الكريمة الداعية في محافل عدة إلى توفير كل ما من شأنه إراحة المواطن ورغد عيشه؟!، وإلى متى نرى ذلك البون الشاسع والفرق الكبير بين دوائرنا الحكومية في أداء مهامهم، إذ هناك جهات حكومية تسير فيها المعاملة بكل يسر وسلاسة كالجوازات - مثلاً -، بينما هناك جهات حكومية أخرى قبل أن تدخلها يجب عليك أن تخوض معركة شرسة قد يسقط على إثرها شماغك وعقالك من أجل الحصول على رقم يخولك بمقابلة الموظف المختص، ويتطلب منك ذلك الحضور إلى هذه الدائرة قبل أن تطفأ أنوار الشوارع كمكتب العمل - مثلاً -؟!.