تحفيز الآخرين
هل تعجبت من قبل من قدرة أشخاص معينين على إظهار أفضل ما في الآخرين؟ فهم يعرفون كيف يحصلون على طاقات مضاعفة من الأشخاص الذين يقودونهم. إننا نعرفهم جميعاً، بعضهم قادة، أو معلمون، وآخرون مدربون. إن في إمكانهم القيام بهذا دون الحاجة إلى ذكاء خارق، فهم يمتلكون براعة في تحفيز الآخرين من حولهم، وهذه المهارة المميزة في فن التحفيز تجعلهم أشخاصاً ناجحين في كل شيء يفعلونه تقريباً.
من الناحية الأخرى، هناك من يتسببون في إظهار أسوأ ما لدينا؛ فهناك أشخاص بعينهم نشعر عندما نكون معهم بأننا نتصرف بشكل غير ملائم، ونجد أنفسنا نسلك سلوكيات سلبية تتسبب لنا في حيرة بعد ذلك، وينتهي الحال بكلماتهم التحفيزية إلى أن تصبح محاضرات بلا معنى، فعلى الرغم من أنهم يقصدون من ورائها تحفيزنا، إلاّ أنها تسبب لنا الكثير من الضيق.
وعلينا الآن أن نناقش فكرة خاطئة شاعت حول هذا الموضوع، تصر على أنه لا يوجد شخص يقوم بتحفيز شخص آخر، وأن الحافز لابد أن يأتي من داخل الفرد، ولكن فكّر في الأوقات التي كنت فيها في أفضل حالاتك، ألم يرجع الفضل في ذلك على نحو كبير إلى تأثير شخصٍ ما عليك؟ فربما يكون هذا الشخص هو معلمك الذي أدرك كيف يمكنه اكتشاف شيء جديد فيك، يجدد حماسك للعمل الذي قررت تنفيذه، أو قد يكون رئيسك في العمل القادر على خلق جو من المرح في العمل ويتمتع بالجاذبية التي مكّنته من تكوين فريق عمل يبذل أفراده فوق طاقاتهم العادية.
قال (وليجتون) عن (نابليون بونابرت): «إنه عندما كان في المعركة كان يقاتل هو وجنوده بقوة تعادل قوة أربعين ألف رجل فوق عددهم»، فالحقيقة إنه يمكن أن يتم تحفيزنا بدرجة كبيرة من خلال القائد الكفء، وعندما سقطت فرنسا في يد (هتلر) في يونية 1940م، بدا الأمر وكأن الأضواء سوف تنطفئ في أنحاء أوروبا للمرة الثانية خلال خمسة وعشرين عاماً، وبدأت ألمانيا في الحال بإعداد العدة لغزو الجزر البريطانية، وقد أشارت التوقعات إلى أن المقاومة ستكون ضعيفة للغاية، وقد وقف (الاتحاد السوفيتي) محايداً ولم يتدخل، أما الولايات المتحدة الأمريكية، فلم تكن مستعدة لإقحام نفسها في أية معركة, وقد توقع الخبراء العسكريون أن انجلترا بجيشها الضعيف ونقص استعداداتها سوف تسقط في غضون أسابيع قليلة، ولكن الخبراء قاموا بهذه التوقعات دون أن يضعوا في اعتبارهم وجود رجل سياسي محنك عمره خمسة وستون عاماً، والذي نجح أخيراً في تولي منصب رئاسة وزراء انجلترا ـــ فانجلترا، وربما العالم الغربي بأجمعه ـــ يرجع الفضل في بقائها إلى (وينستون تشيرشل) الذي بعث الأمل من جديد في قلب أمة تعاني الإحباط والخوف طيلة أشهر كاملة.
ولكي نستطيع تقدير قوة هذا الرجل المحفز نحتاج إلى أن ننظر إلى الأسر البريطانية حين يجتمعون في حجرات المعيشة لينصتوا إلى خطب (تشيرشل) الرنانة عبرالمذياع، والتي كانت تدوي في نفوسهم كالرعد حين يقول: «لقد انتهت معركة فرنسا، وأتوقع أن تبدأ معركة بريطانيا، وإن بقاء حضارتنا بأسرها يعتمد على هذه المعركة، فعلينا أن نقاوم بضراوة وبكل ما أوتينا من قوة هذا العدو، وإن (هتلر) يعلم جيداً أن عليه أن يحطمنا على هذه الجزيرة وإلاّ سيخسر المعركة. فلنستعد لحشد أنفسنا وللقيام بواجبنا، ونذكّر أنفسنا دائماً إذا بقيت الإمبراطورية البريطانية وحكومتها لألف عام سيتذكر الرجال هذا الأمر على أنه أفضل ساعات عمرهم على الإطلاق».
وبتذكر تحدي انجلترا الجرئ البطولي لــ (هتلر)، سيتفق الجميع في الغالب على أنها كانت أفضل ساعة في عمر انجلترا حقاً، ولكن كان من الممكن أن تظل هذه البطولة ساكنة داخل الشعب البريطاني لولا وجود (تشرشل) الذي نجح في انتزاعها من داخلهم.
وحيث يظهر لنا التاريخ أنه في كل معترك من معتركات الحياة، توجد هناك مساحة خالية تنتظر أن يشغلها شخص لديه القدرة على أن ينير بصيرة من حوله ويوجه طاقاتهم نحو العمل الإيجابي.
ويفترض بعض القادة أن الناس بطبيعتهم كسالى، وليست لديهم الرغبة في أن يتم تحفيزهم، وأيضاً فإن مهمة القائد ليست في أن يحفز الأشخاص الكسولين لكي يصبحوا أكثر حماساً، وإنما عليه أن يوجه طاقاتهم الموجودة بالفعل إلى الأعمال والأماكن المناسبة، فلا يوجد من يجب أن يتصف بالبلادة والكسل أو أن يشعر بالملل، فكل فرد سيرحب بالقائد الذي في مقدوره توجيهه إلى كيفية الاستمتاع بعمله، وسيرحب الطالب بالمعلم القادر على إكسابه حب التعلم ويجعل اليوم الدراسي يوماً جيداً.
إلى الآن قمنا بمناقشة فن التحفيز بين الأفراد، أو تأثير شخص على شخص آخر، ولكن هناك بعض المؤثرات التي تؤثر على معظم من نعمل معهم بشكل أو بآخر، وإذا لم يتعلم المحفّز كيف يتحكم في مثل هذه المؤثرات، فسوف تفقد إدارته تأثيرها مهما بلغت، وإنني بهذا أشير إلى التأثير القوي لجماعة العمل.
فهناك تفاعل كيميائي غريب يحدث بين تكوين المجموعات، فبعض هذه المجموعات تكون لديهم النزعة إلى تكوين طاقة مدمرة؛ فعدد قليل من الطلاب الساخطين أو المنتقدين يمكن أن يخلقوا مناخاً سلبياً بين زملائهم، فإذا لم يكن القائد ماهراً في إحباط مثل هذه المؤثرات، فيمكن أن تنهار محاولات الإصلاح والتحفيز.
ولكن كيف يتمكن القائد من منع مثل هذه المشاعر السلبية من الانتشار؟ توجد طريقتان لتحقيق ذلك: الأولى الحرص على رفع الروح المعنوية للآخرين، حينها تتلاشى جماعات الناقدين والمحبطين، والسر الآخر لهؤلاء بأن تعمل بعناية على تكوين جماعات معينة من الطلاب، والتي سوف تضمن لك نشر روح وفكر إيجابيين منذ البداية.
والمبدأ الذي يسيرون عليه هو أن الحماس ينتشر بالعدوى، وأن الناس يصبحون مفعمين بالحماس إذا تواجدوا مع أشخاص آخرين متحمسين. وفي نهاية الأمر، عندما يصل هذا الحماس إلى الدرجة المطلوبة، يصبح تكوين هذا الحماس والحافز للعمل عملية ذاتية تحدث بشكل تلقائي، ولهذا فإن القائد الحكيم، عندما يكتشف وجود العناصر التي تعمل بحماس كبير بين أفراد عمله، يسرع بجعلهم في تواصل مع باقي أفراد العمل، فمثل الفحم المشتعل يمكن للشخص المفعم بالحماس إشعال روح الحماس في الآخرين ممن حوله، ولكن إذا تركناهم بمفردهم دون محفز سوف تنطفئ شعلة الحماس في الجماعة في نهاية الأمر.
طبيعة الروح الإنسانية
من المهم للغاية أن ندرك أن موقفنا أو الأسلوب الذي نتبعه في معاملة الآخرين يتأثر على نحو كبير بمدى اعتقادنا في طبيعة الجنس البشري؛ فقد أصبح (دوجلاس) ــ الرائد في مجال (علم النفس الصناعي) ــ أكثر تفاؤلاً بشأن الطبيعة البشرية، وهاجم ما أُطلق عليه (النظرية x)، وهي النظرية الفاشية للإدارة، والتي تفترض أن معظم الأشخاص ناضجين بالشكل الكافي، ويحتاجون إلى التوجيه المستمر وقد طوّر من (النظريةy)، والتي تتعامل مع الأشخاص على أنهم مستقلون وتحترم حقوقهم كبشر. وأظهرت الأبحاث التي أجراها (أبراهام ماسلو) صحة نظريات (دوجلاس) في علم الإدارة، وقد اهتم (ماسلو) تحديداً بالخبرات الأكثر إثارة، والتي أُطلق عليها اسم (أعلى قمم للطبيعة البشرية)، فكلما زادت الأبحاث زادت قناعته على الظواهر التي أنتجت مقولته بأن الأفراد لديهم قدرات أكبر بكثير مما نظن، وإيثار على النفس أكثر، ومثالية أكثر مما نتصور .
نقاط مهمة
? استثمر الرغبة في النجاح.
? قم بإجراء دراسة شاملة عن احتياجات الآخرين.
? التوجيه المستمر مطلوب لبناء المحفزات.
? استغل النماذج الناجحة لتشجيع الآخرين.
? أظهر التقدير والاستحسان لإنجازات الآخرين.
? اعمل على الدمج بين الثواب والعقاب في التحفيز.
? أنصت لما يقولون وتقبل نقدهم فذلك دافعاً لك