لندن: ناصر التميمي
توقع تقرير اقتصادي جديد ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية، الأمر الذي سيخلق معه احتمالات مجهولة متزايدة، ومحذرا من ان نحو800 مليون شخص لا يزالون يفتقرون إلى الأمن الغذائي. ودعا أحدث تقرير عن «التنمية في العالم» والصادر عن البنك الدولي امس الجمعة إلى زيادة الاستثمارات في قطاع الزراعة في البلدان النامية، مطالبا في الوقت نفسه بضرورة وضع هذا القطاع في صميم أجندة التنمية حتى يمكن بلوغ الأهداف الدولية المتعلقة بتخفيض أعداد الفقراء المدقعين والجياع إلى النصف بحلول عام 2015. وحذر التقرير، المعنون «الزراعة من أجل التنمية»، أيضاً من «أن إمدادات الأغذية العالمية تواجه ضغوطاً جراء اتساع نطاق الطلب على الغذاء والأعلاف، والوقود الاخضر، وتزايد أسعار الطاقة، وازدياد قلة الأراضي الزراعية وشحة الموارد المائية، بالإضافة إلى الآثار الناجمة عن ظاهرة تغيّر المناخ. وبدورها، فإن تلك العوامل تلقي بظلال من الشك وعدم اليقين على مستقبل أسعار المواد الغذائية». وهنا قال شون فوكس مدير احد فروع مؤسسة اوكسفام الخيرية في مدينة نيوكاسل شمال بريطانيا، لـ«الشرق الاوسط» «ان آلاف العائلات البريطانية تعاني صعوبة في التأقلم مع الارتفاع المستمر في المواد الغذائية. فاذا هذا هو الحال في بلد صناعي وغني هنا، فانا لا استطيع تصور المعاناة للأسر الفقيرة في العالم الثالث».
وكان صندوق النقد الدولي قد ابدى اول من امس قلقه من عواقب توسيع استخدام الحبوب لصنع «وقود أخضر»، على أسعار المواد الغذائية، خصوصا في الدول الفقيرة. وحذر الصندوق من أن استخدام المنتجات الغذائية كمصدر للطاقة يمكن أن تكون له عواقب خطيرة على حركة الطلب على الغذاء، في حال استمر نمو استخدام المحروقات. وبحسب الصندوق، فإن هذا الانعكاس يمكن تخفيفه في حال خفضت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي المنتجة للمحروقات الخضراء الرسوم الجمركية على استيراد المحروقات الخضراء من دول ناشئة مثل البرازيل، حيث يتم إنتاجها بأسعار مخفضة وأكثر فعالية وأقل إضرارا بالبيئة.
وفي هذا السياق أكد تقرير البنك الدولي كذلك على أن ثمة حاجة ملحة في أن تقوم البلدان الصناعية، التي كانت تمثل أكبر المساهمين في ظاهرة الاحتباس العالمي، ببذل مزيدٍ من الجهد لمساعدة المزارعين الفقراء على تكييف أنظمة الإنتاج الزراعي لديهم مع تغيّر المناخ، ولمواجهة الطلب المتوقع عالميا.
وشدد على انه ينبغي أن يزداد إنتاج الحبوب بحوالي 50 في المائة وإنتاج اللحوم بحوالي 85 في المائة في الفترة من 2000-2030، مؤكدا في الوقت ذاته، ان ما يضيف إلى هذا الواقع الطلب المتزايد على الخامات الرئيسية اللازمة لإنتاج أنواع الوقود الاخضر، وهو ما أدى فعلاً إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية على الصعيد العالمي.
وأوضح التقرير ان الزراعة في القرن الحادي والعشرين أداة جوهرية من أجل التنمية المستدامة وتقليص الفقر، خصوصا عندما نعلم انه يعيش ثلاثة من كل أربعة فقراء في البلدان النامية في مناطق ريفية، كما يعيش 2.1 مليار شخص على أقل من دولارين أميركيين في اليوم، كما يعيش 880 مليون شخص على أقل من دولار أميركي واحد في اليوم، ويعتمد معظمهم على الزراعة من أجل كسب رزقهم. ودعا تقرير «الزراعة من أجل التنمية»، إلى زيادة الاستثمارات في قطاع الزراعة في أفريقيا، محذراً في الوقت نفسه من أنه من الضروري وضع هذا القطاع في صميم أجندة التنمية في هذه المنطقة حتى يمكن بلوغ الأهداف الدولية المتعلقة بتخفيض أعداد الفقراء المدقعين والجياع إلى النصف بحلول عام 2015. وكتب روبرت زوليك، رئيس مجموعة البنك الدولي، في مقدمة التقرير الشامل: «يمكن أن تعود أجندة، الزراعة من أجل التنمية، المتسمة بالديناميكية بالنفع على ما يُقدر بحوالي 900 مليون شخص في المناطق الريفية في بلدان العالم النامية، الذين يعيشون على أقل من دولار أميركي في اليوم للفرد، ويعمل معظمهم في قطاع الزراعة. وينبغي علينا إيلاء الزراعة اهتماماً أكبر في جميع المناطق وعلى جميع الأصعدة. فعلى الصعيد العالمي، لا بد أن تقوم البلدان بإصلاحات حيوية، من قبيل تخفيض الدعم المالي المشوه وفتح الأسواق، في الوقت الذي يتعين أن يكون لمجموعات المجتمع المدني، لاسيما منظمات وجمعيات المزارعين، صوت أكبر في تحديد الأجندة الزراعية». وتناول التقرير ثلاث مسائل رئيسية، هي: ماذا يمكن للزراعة أن تفعل من أجل التنمية؟ وأجاب في هذا الجانب ان الزراعة كانت أساس تحقيق النمو وتقليص الفقر في العديد من البلدان، ولكن يمكن للمزيد من البلدان الاستفادة إذا قامت الحكومات والجهات المانحة بعكس سنوات من إهمال السياسات وعلاج قلة وسوء الاستثمار في الزراعة. لكن التقرير شدد على ان الزراعة غير كافية لوحدها لتقليص الفقر تقليصاً هائلاً، ولكنها أثبتت قوتها الفريدة في القيام بتلك المهمة، داعيا الى انه قد حان الوقت لإدراج الزراعة مجدداً في برنامج التنمية.
الشرق الاوسط