--------------------------------------------------------------------------------
ملأنا البرّ حتى ضاق عنّـا ... كذاك البحر نملاؤه سفينا
إذا بلغ الفطام لنا رضيـع ... تخرّ له الجبابـر ساجدينـا
لنا الدنيا ومن أضحى عليها ... ونبطش حين نبطش قادرينا
.
.
الأخ قائل الكلام أعلاه هو من أوائل النصابين وقطاع الطرق في التاريخ العربي ، والذي يقول أنه ملأ البر حتى ضاق وأصبح أصغر من مقاسه وفي طريقه لأن يملأ البحر سفينا ، مع أني أعتقد أنه لم ير سمكة في حياته ، ناهيكم عن السفين !
وعلى نفس المنوال الجاهلي يستمر الحديث عن القبيلة وعدد حميرها وكلابها وجمالها وضبانها وكافة حيواناتها الزاحفة والتي تمشي على أربع أو حتى التي تمشي على اثنتين !
ولأني شخص مهووس بتقليد الآخرين فقد قررت الافتخار بقبيلتي العريقة لكنني لشديد الأسف لم أجد في تاريخها المجيد أي ذكر لأي ناقة ولابعير ، وكل ما أذكره من تاريخ هذه القبيلة هو بعض الأبقار وحمار جدي الأسود !
وهذه ليست من الأشياء التي يمكن إدراجها في قصائد الفخر ، وستُخرج شاعرنا من مسابقة شاعر المليون من الجولة الأولى ، فليس من الممكن الادعاء أننا هاجمنا الأعداء ومرغنا بأنوفهم الأرض ونحن نمتطي ظهور أبقارنا ، ووجود أي ذكر للحمار في غزواتنا المباركة سيجعل منها غزوات كوميدية !
أي إحباط هذا !
ولأني لم أكن وحدي المهووس بهذا الأمر فقد قرر أبناء قبيلتي العريقة والضاربة في جذور التاريخ أن يجعلوا لها موقعاً رسمياً ، يتحدث باسمها ويبين مدى عظمتها وتأثيرها على الأحداث في كوكب الأرض ، وكان من ضمن تقسيمات ذلك المنتدى منتدى اسمه ( تاريخ القبيلة ) ! هههههههه
لا أخفيكم أني فرحت بهذا الأمر كثيراً ، فأخيراً سأعرف تاريخنا المجيد ، وسأملأ الدنيا حديثاً عن بطولاتنا ، وسأضع على زجاج سيارتي الخلفي رمز القبيلة الذي سيتم اختياره لاحقاً ، وطفقت أفكر في لقب يليق بالقبيلة ، كتلك الألقاب التي تتسمى بها بقية القبائل ، والتي تدل على مدى قوتهم وكثرتهم وعراقة تاريخهم ، وفكرت في أن أقترح على مشائخ قبيلتنا لقب " ملوك السامبا " ، ولكني وجدت أن هذا اللقب سبقتنا به البرازيل ، فقلت هم " ملوك التانجو " إذن ! ، ولكنه لم يرق لأحد ناهيكم عن أنه لقب أرجنتيني بحت !
المعضلة أن تاريخ القبيلة والذي تقرر أن يكون له قسم كامل لا يمكن أن يكتب فيه أكثر من موضوع واحد ، فعن أي تاريخ سنتحدث ؟!
اللهم إلا أن كان الحديث سيتطرق لجميع أفراد القبيلة والـ CV الكامل لكل واحد منهم وأين درس ومتى تخرج وفي أي قطاعات وزارة الداخلية يعمل الآن ومتى سيتقاعد !
وحتى إن تم هذا الأمر فلن يكون هناك مادة كافية فنحن إضافة إلى عدم وجود أي أحداث تاريخية تخص قبيلتنا فإن عددنا قليل لايكاد يكفي لملء مدرجات الدرجة الثانية في ملعب كرة قدم !
حتى الملك عبدالعزيز رحمه الله حين وحد المملكة العربية السعودية فإنه أرسل مندوبه إلينا ليخبرنا ويطلب منّا الانضمام لهذه الدولة على .... ـ ربما احترماً لتقاليدنا العريقة ـ وعندما وصلنا وأخبرنا بالأمر لم نفكر في الاعتراض أو حتى السؤال ، قلنا له أن يخبر الملك أننا موافقون وعرضنا عليه خدماتنا باستبدال ..... الذي أرهقه السفر فالخير " واجد " والحمير في خدمة الدولة ومندوبيها دائماً وعلى مر العصور !
إحباط آخر والله المستعان !
لا أخفيكم سرّاً أني بدأت أشعر ببعض الحقد على أجدادي الأُوَلْ ، فلو أنهم ضربوا مندوب الملك بمشعاب من " العتم " حتى يعرف أن الله حق ويعود إلى الملك ويخبره بمقاومتنا ويعود إلينا بجيش عرمرم على أية وسيلة مواصلات أخرى ، ثم " يحوس مريرنا " كما فعل بالقبائل الأخرى ، ونوافق على الانضمام للدولة ويسجل في تاريخنا أسماء بعض المعارك ونقول للأجيال أننا قاومنا بن سعود ، وقد يصاهرنا لارضائنا وهذا أيضاً مما يستحق التدوين !
أو لو أنهم كانوا لصوصا أو قطاع طرق ونهبوا عدد من القبائل الآخرى بما يكفي لإيجاد غزوات وبطولات تكفي لإنشاء منتدى عن تاريخنا العظيم لكنت الآن أمشي بين الناس مفتخراً بتلك البطولات والأمجاد !
صحيح أنها بطولات لاجزاء لها إلاّ السجن لدى أي أمة تحترم نفسها ، لكنها الموضة السائدة ويجب ألا نكون أقل من غيرنا !
فكل ما تفتخر به القبائل الآن هي أشياء فعلتها في الماضي لا تختلف كثيراً عما تفعله عصابات المافيا وتجار المخدرات في العصر الراهن ، حتى أن هذه العصابات لها أيضاً قوانينها وعاداتها وتقاليدها ، وليس أمراً مستبعداً أن نشاهد يوماً ما مهرجاناً كبيراً لمزاين إبل " آل كابوني " !
أحبطني أنه لايوجد في تاريخنا أسماء معارك ولا حروب ، وكل الذين ماتوا في حروب من تلك القبيلة قتلوا في شجارات جانبية بين أبناء القبيلة نفسها أو قتلوا في فلسطين مع آخرين ، وهذه حماقة أخرى ، فمالنا ولفلسطين ولليهود ؟!
ثم إنهم سامحهم الله ـ أي أجدادي ـ لم يفكروا في استيراد الإبل لنملأ بها سفوح جبالنا ووديانها ، الأمر سهل ويسير ، وفي استراليا ـ على سبيل المثال ـ أعداد هائلة من الجِمال لدرجة أن الحكومة الاسترالية كما قرأت مؤخراً تفكر في إعدام مايقارب من مليون بعير لضررها البالغ وعدم فائدتها ..
أقترح على مشائخ قبيلتنا أن يتفقوا مع الاستراليين لاستيراد تلك الجمال وتصحيح الخطأ التاريخي الذي وقع فيه أجدادهم ، بإمكانهم استيرادها وشحنها عن طريق " السفين " الذي تحدث عنه النصاب الوارد ذِكره في أول هذا الموضوع !
بإمكاننا إضافة بعض الأمور إلى هذا التاريخ ولنقل مثلاً أن قبيلتنا كانت تخطط لفتح الأندلس لكنها لم تستيقظ مبكراً لأنها في الليلة السابقة كانت مشغولة بفتح بلاد السند ، وفاتتهم الرحلة إلى قرطبة !
أو فلنقل أن طارق بن زياد هو هو أحد أفراد القبيلة ، وهذا أمر يمكن تصديقه بقليل من الاجتهاد والاصرار على ذلك ..
أو فلنفكر بطريقة أشمل ونقول أننا أحفاد جنكيز خان الذي كان في جولة استطلاعية في ربوع ديارنا ـ التي لم تكن مأهولة بالسكان طبعا ـ ثم ترك بعض أفراد اسرته هناك ومنها تكونت قبيلتنا الضاربة في عمق تاريخ البطولات والإجرام !
قد يعترض أحدهم على مسألة التزوير تلك ولكننا سنجد لها مخرجاً ولن نعجز في أن نجد من يفتي بجواز هذا الأمر ، وعلينا التحلي بقليل من الصبر فماهو محرم اليوم قد يكون غداً حلالاً زلالاً !
فبعض مشائخ هذه الايام هم أقرب ما يكونون إلى راقصة التعري ، التي تتعرى على خشبة المسرح وكلما خلعت قطعة من ثيابها صفق لها الجمهور كثيراً ..
ففي كل يوم يخلع أحد المشائح ثابتاً من الثوابت التي أشغلنا بها على مر سنوات وهو يصور من يخرج عنها أنه خارج من كل دين وملة ولاتقبله حتى الديانة البوذية !
وكلما خلع ثابتاً أو مبدأ تحييه الجماهير ، وتصفق له فيزداد حماساً ويخلع ثابتاً آخر !
ابتداء بالربا ومرواً بالحوار مع الآخر الذي قضينا سنين من أعمارنا ندعي عليه في صلاة الجمعة وانتهاء بالـ mbc ..!
دون إغفال للنقلة التاريخية من " أكرمكم عند الله أتقاكم " إلى جمالنا أكثر من حميركم !
ونحن كقبيلة عريقة لنا سابقة في هذا الأمر فقد انتقلنا من تحريم الأغاني القطعي وتحريم حتى مجرد القاء السلام على من يمتهن هذه المهنة إلى كتابة الكلمات لأغنياتهم ، وقد يكون من المفيد أن يتبرع أحد مشائخنا الأفاضل بكتابة نص أو نشيد اسلامي لهيفاء وهبي من باب ( إن فاتك اللحم فاشرب من المرق ) وبما أنه لاناقة لنا ولاجمل في مزايين الإبل فيمكننا اعتبار هيفاء من " المغاتير " ولو لمرحلة انتقالية حتى وصول الشحنات من استراليا !
ولا غنى عن الإبل لأنه لاشيء غيرها يمكن أن يكون مقنعاً ، وكلما حاولت إقناع أحدهم أنه يمكن أن نبحث عن مخلوق آخر قال لي بلهجة المتهكم على ضعف وازعي الديني : ألم تقرأ قول الله سبحانه وتعالى " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت " !
وهذا ربط عجيب غريب ولكنه مفيد على أية حال فقد أتمكن يوماً من تعميم الفائدة واقناع سكان جدة بحكم أنهم جيران " بحيرة المسك " بإقامة مزاين للبعوض ، وإن أحتج عليهم أحد فليردوا عليه بكل احتقار لثقافته الدينية ويسألوه بثقة ألم تقرأ قوله تعالى " إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها " !
وحتى من يربي الكلاب يستطيع أن يبرر مزاين " السلق " بأن الكلب كان شريك المسكن لعباد الله الصالحين في الكهف وورد ذكره في القرآن أكثر من مره .. !
لن نعدم الحيلة ، ونحن قادمون !
-
ودمتم في ود ..
أهداء من سهيل إلى لابته العظيمة : البفانا بفانا !
للكاتب الكبير
(( سهيل اليماني ))