أم حبيبة بنت أبي سفيان
أم المؤمنين
قد كـان يكـون بيننـا ما يكـون بيـن "
" الضرائر ، فتحلَّليني من ذلك
أم حبيبة
هي رملـة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
وُلِدَت قبل البعثة بسبعـة عشر عاماً ، أسلمت قديماً وهاجرت الى الحبشة
مع عبيد الله بن جحش ، تُكنّى أم حبيبة ، تزوّجها رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- وهي في الحبشة ، وقدمت عليه سنة سبع000
الهجرة والمحنة
لمّا اشتد الأذى من المشركين على الصحابة في مكة ، وأذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمستضعفين بالهجرة بدينهم الى الحبشة ، هاجرت أم حبيبة مع زوجها عُبيد الله بن جحش معَ من هاجر من الصحابة إلى الحبشة ، لقد تحمّلت أم حبيبة أذى قومها ، وهجر أهلها ، والغربة عن وطنها وديارها من أجل دينها وإسلامها000وبعد أن استقرت في الحبشة جاءتها محنة أشد وأقوى ، فقد ارتـد زوجها عن الإسـلام وتنصّر ، تقول أم حبيبـة -رضي الله عنها- :( رأيت في المنام كأن زوجي عُبيد الله بن جحش بأسود صورة ففزعت ، فأصبحت فإذا به قد تنصّر ، فأخبرته بالمنام فلم يحفل به ، وأكبّ على الخمر حتى مات000
الزواج المبارك
فأتاني آت في نومي فقال :( يا أم المؤمنين )000ففزعت ، فما هو إلا أن انقضتْ عدّتي ، فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن ، فإذا هي جارية يُقال لها أبرهة ، فقالت :( إن الملك يقولُ لك : وكّلي مَنْ يُزوِّجك )000فأرسلت إلى خالـد بن سعيـد بن العـاص بن أمية فوكّلته ، فأعطيتُ أبرهة سِوارين من فضّة )000
فلمّا كان العشيّ أمرَ النجاشي جعفـر بن أبي طالـب ومَنْ هناك من المسلميـن فحضروا ، فخطب النجاشي فحمد اللـه تعالى وأثنى عليه وتشهـد ثم قال :( أما بعد ، فإن رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- كتب إليّ أن أزوّجه أم حبيبة ، فأجبت وقد أصدقتُها عنه أربعمائة دينار )000ثم سكب الدنانير ، ثم خطب خالـد بن سعيـد فقال :( قد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- وزوّجته أم حبيبة )000وقبض الدنانير ، وعمل لهم النجاشي طعاماً فأكلوا000
تقول أم حبيبة -رضي الله عنها- :( فلمّا وصل إليّ المال ، أعطيتُ أبرهة منه خمسين ديناراً ، فردتّها عليّ وقالت :( إن الملك عزم عليّ بذلك )000وردّت عليّ ما كنتُ أعطيتُها أوّلاً000ثم جاءتني من الغَد بعودٍ ووَرْسٍ وعنبر ، وزبادٍ كثير -أي طيب كثير- ، فقدمتُ به معي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000
ولمّا بلغ أبا سفيان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نكح ابنته قال :( هو الفحلُ لا يُجْدَعُ أنفُهُ )000أي إنه الكُفء الكريم الذي لا يُعاب ولا يُردّ000
عودة المهاجرة
لقد كانت عـودة المهاجـرة ( أم حبيبة ) عقب فتح النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- خيبر ، عادت مع جعفر بن أبي طالب ومن معه من المهاجرين الى الحبشة ، وقد سُرَّ الرسـول -صلى الله عليه وسلـم- أيّما سرور لمجـيء هؤلاء الصحابـة بعد غياب طويل ، ومعهم الزوجة الصابرة الطاهرة000وقد قال الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- :( والله ما أدري بأيّهما أفرحُ ؟ بفتح خيبر ؟ أم بقدوم جعفر )000
الزفاف المبارك
وما أن وصلت أم حبيبة -رضي الله عنها- الى المدينة ، حتى استقبلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسرور والبهجة ، وأنزلها إحدى حجراته بجوار زوجاته الأخريات ، واحتفلت نساء المدينة بدخول أم حبيبة بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن يحملن لها إليها التحيات والتبريكات ، وقد أولم خالها عثمان بن عفان وليمة حافلة ، نحر فيها الذبائح وأطعم الناس اللحم000
واستقبلت أمهات المؤمنين هذه الشريكة الكريمة بالإكرام والترحاب ، ومن بينهن العروس الجديدة ( صفية ) التي لم يمض على عرسها سوى أيام معدودات ، وقد أبدت السيدة عائشة استعدادا لقبول الزوجة الجديدة التي لم تُثر فيها حفيظة الغيرة حين رأتها وقد قاربت سن الأربعين ، وعاشت أم حبيبة بجوار صواحبها الضرائر مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- بكل أمان وسعادة000
أبو سفيان في بيت أم حبيبة
لقد حضر أبو سفيان ( والد أم حبيبة ) المدينة يطلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يمد في أجل الهدنة التي تمّ المصالحة عليها في الحديبية ، فيأبى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الطلب ، فأراد أبو سفيان أن يستعين على تحقيق مراده بابنته ( زوجة الرسول -صلى الله عليه وسلم-) فدخل دار أم حبيبة ، وفوجئت به يدخل بيتها ، ولم تكن قد رأته منذ هاجرت الى الحبشة ، فلاقته بالحيرة لا تدري أتردُّه لكونه مشركاً ؟ أم تستقبله لكونه أباهـا ؟000وأدرك أبو سفيان ما تعانيـه ابنته ، فأعفاها من أن تأذن له بالجلـوس ، وتقدّم من تلقاء نفسه ليجلس على فراش الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ، فما راعه إلا وابنته تجذب الفراش لئلا يجلس عليه ، فسألها بدهشة فقال :( يا بُنيّة ! أرغبتِ بهذا الفراش عني ؟ أم بي عنه ؟)000فقالت أم حبيبة :( بلْ هو فراشُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت امرءٌ نجسٌ مشركٌ )000فقال :( يا بُنيّة ، لقد أصابك بعدي شرٌّ )000ويخرج من بيتها خائب الرجاء000
إسلام أبو سفيان
وبعد فتح مكة أسلم أبو سفيان ، وأكرمه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال :( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، من أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن )000ووصل هذا الحدث المبارك الى أم المؤمنين ( أم حبيبة ) ففرحت بذلك فرحاً شديداً ، وشكرت الله تعالى أن حقَّق لها أمنيتها ورجاءَها في إسلام أبيها وقومها000
وفاتها
وقبل وفاتها -رضي الله عنها- أرسلت في طلب السيدة عائشة وقالت :( قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر ، فتحلَّليني من ذلك )000فحلّلتها واستغفرت لها ، فقالت :( سررتني سرّك الله )000وأرسلت بمثل ذلك الى باقي الضرائر000وتوفيت أم حبيبة -رضي الله عنها- سنة أربع وأربعين من الهجرة ، ودفنت بالبقيع000
أسماء بنت أبي بكر الصديق
ذات النطاقين
" أبدلك اللـه بنطاقك هذا نطاقين في الجنة "
حديث شريف
أسماء بنت أبي بكر الصديـق ، وأمها قتلة أو قتيلة بنت عبد العزى
قرشية من بني عامر بن لؤي ، وأسماء هي والدة عبد الله بن الزبير
وزوجة الزبير بن العوام رضي الله عنهم أجمعين000
ذات النطاقين
لمّا أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق الهجرة الى المدينة جهزت أسماء لهما سفرة ، فاحتاجت إلى ما تشدها به ، فشقت خمارها نصفين ، فشدّت بنصفه السفرة ، واتخذت النصف الآخر منطقاً ، فقال لها الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- :( أبدلك اللـه بنطاقك هذا نطاقين في الجنة )000فقيل لها ذات النطاقين000
الزوجة
تزوجت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- من الزبير بن العوام ، وما له في الأرض من مال ولا مملوك غير فرسه ، فكانت تعلف الفرس وتكفيه مؤونته ، وتدق النوى لنَاضِحِه ، وتنقل النوى من أرض الزبير ، حتى أرسل إليها أبو بكر خادماً فكفتها سياسة الفرس000
الأم
كانت الأم أسماء بنت أبي بكر حاملاً بعبـد الله بن الزبيـر، وهي تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة الى المدينة على طريق الهجرة العظيم ، وما كادت تبلغ ( قباء ) عند مشارف المدينة حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين أرض المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من الصحابة ، وحُمِل المولود الأول الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقبّله وحنّكه ، فكان أول ما دخل جوف عبـد اللـه ريق الرسول الكريم ، وحمله المسلمون في المدينة وطافوا به المدينة مهلليـن مكبرين000
الأم المربّية
في الساعات الأخيرة من حياة عبد الله بن الزبير ذهب إلى أمه أسماء ، ووضع أمامها الصورة الدقيقة لموقفه ومصيره الذي ينتظره ، فقالت له أمه :( يا بني أنت أعلم بنفسك ، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق ، فاصبر عليه حتى تموت في سبيله ، ولا تمكّن من رقبتك غِلمَان بني أمية ، وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا فلبِئس العبد أنت ، أهلكت نفسك وأهلكت من قُتِلَ معك )000قال عبد الله :( والله يا أماه ما أردت الدنيا ولا رَكنْتُ إليها ، وما جُرْتُ في حكم الله أبداً ولا ظلمت ولا غَدَرْت )000قالت أمه أسماء :( إني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن سبَقْتَني الى الله أو سَبقْتُك ، اللهم ارحم طول قيامه في الليل ، وظمأه في الهواجر ، وبِرّه بأبيه وبي ، اللهم إني أسلمته لأمرك فيه ، ورضيت بما قضيت ، فأثِبْني في عبد الله بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين )000وتبادلا معا عناق الوداع وتحيته000
الأم الصابرة
وبعد ساعة من الزمان تلقّى الشهيد ضربة الموت ، وأبى الحجّاج إلا أن يصلب الجثمان الهامد تشفياً وخِسة وقامت أم البطل وعمرها سبع وتسعون سنة لترى ولدها المصلوب ، وبكل قوة وقفت تجاهه لا تريم ، واقترب الحجّاج منها قائلا :( يا أماه إن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قد أوصاني بك خيرا ، فهل لك من حاجة ؟)000فصاحت به قائلة :( لست لك بأم ، إنما أنا أمُّ هذا المصلوب على الثّنِيّة ، وما بي إليكم حاجة ، ولكني أحدّثك حديثا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :( يخرج من ثقيف كذّاب ومُبير )000فأما الكذّاب فقد رأيناه ، وأما المُبير فلا أراه إلا أنت )000
وتقدم عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- من أسماء مُعزِّيا وداعيا إياها الى الصبر، فأجابته قائلة :(وماذا يمنعني من الصبر ، وقد أُهْدِيَ رأس يحيى بن زكريا إلى بَغيٍّ من بغايا بني إسرائيل )000 يا لعظمتك يا ابنة الصدّيق ، أهناك كلمات أروع من هذه تقال للذين فصلوا رأس عبد الله بن الزبير عن جسده قبل أن يصلبوه ؟؟000أجل إن يكن رأس ابن الزبير قد قُدم هدية للحجاج ولعبد الملك ، فإن رأس نبي كريم هو يحيى عليه السلام قد قدم من قبل هدية ل ( سالومي ) بَغيّ حقيرة من بني إسرائيل ، ما أروع التشبيه وما أصدق الكلمات000
أم سلمة هند بنت أبي أمية
أم المؤمنين
أم سلمة أول المهاجرات الى الحبشة "
" وأول المهاجرات الى المدينة
أعلام النبلاء
أم سلمـة هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن
يقظـة بن مرّة المخزومية ، بنت عم خالد بن الوليد وبنت عم أبي جهل عدو الله
أبـوها يلقب بـ( زاد الراكب ) فكل من يسافر معه يكفيـه المؤن ويغنيه000
ولِدت في مكة قبل البعثة بنحو سبعة عشر سنة ، وكانت من أجمل النسـاء و
أشرفهن نسبا ، وكانت قريباً من خمس وثلاثين سنة عندما تزوّجها النبي الكريم
سنة أربع للهجرة وكانت قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند أخيـه من
الرضاعة أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي الرجل الصالح000
الهجرة الى الحبشة
أم سلمة -رضي الله عنها- امرأة ذات شرف في أهلها ، وهي ابنة أحد أجود رجال العرب ، جادت بنفسها في سبيل إيمانها ، فكان أول من خرج من المسلمين الى الحبشة من بني مخزوم أبو سلمة بن عبد الأسد ، معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية ، وولدت له بأرض الحبشة زينب بنت أبي سلمة000وتعود أم سلمة مع زوجها الى مكة مستخفية عن أنظار الظالمين ، وتصبر في سبيل الله وتوحيده ، حتى آذن الله لهم بالهجرة الى المدينة المنورة000
الهجرة الى المدينة
تروي أم سلمة -رضي الله عنها- قصة هجرتها الى المدينة فتقول :( لما أجمع أبو سلمة الخروج الى المدينة رحّل بعيراً له ، وحملني وحمل معي ابني سلمة ، ثم خرج يقود بعيره ، فلما رآه رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا :( هذه نفسك غلبتنا عليها ، أرأيت صاحبتنا هذه ، على مَ نتركك تسير بها في البلاد ؟)000ونزعوا خطام البعير من يده ، وأخذوني ، فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد ، وأهووا الى سلمة وقالوا :( والله لا نترك ابننا عندها ، إذا نزعتموها من صاحبنا )000فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده ، وانطلق به بنو عبد الأسد ، ورهط أبي سلمة ، وحبسني بنو المغيرة عندهم ، وانطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة ، ففرق بيني وبين زوجي وابني000
فكنت أخرج كلّ غداة ، وأجلس بالأبطح ، فما أزال أبكي حتى أمسي سبعاً أو قريبها ، حتى مرّ بي رجل من بني عمي فرأى ما في وجهي ، فقال لبني المغيرة :( ألا تخرجون من هذه المسكينة فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها ؟)000فقالوا :( الحقي بزوجك إن شئت )000وردّ علي بنو عبد الأسد عند ذلك ابني000
فرحلت بعيري ، ووضعت ابني في حجري ، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة ، وما معي من أحد من خلق الله ، فكنت أبلغ من لقيت ، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بني عبد الدار ، فقال :( أين يا بنت أبي أمية ؟)000قلت :( أريد زوجي بالمدينة )000فقال :( هل معك أحد ؟)000فقلت :( لا والله إلا الله ، وابني هذا ؟)000فقال :( والله ما لك من منزل )000فأخذ بخطام البعير ، فانطلق معي يقودني ، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب أراه أكرم منه ، وإذا نزل المنزل أناخ بي ثم تنحى الى الشجرة ، فاضطجع تحتها ، فإذا دنا الرواح قام الى بعيري فقدمه ورحله ثم استأخرعني وقال :( اركبي )000فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه ، فقادني حتى نزلت ، فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي المدينة ، فلما نظر الى قرية بني عمرو بن عوف بقباء ، قال :( إن زوجك في هذه القرية )000
وكان أبو سلمة نازلاً بها ، فيستقبل أبو سلمة أم سلمة وابنه معها ، بكل بهجة وسرور ، وتلتقي الأسرة المهاجرة بعد تفرّق وتشتّت وأهوال000
وفاة أبو سلمة
ويشهد أبو سلمة غزوة أحد ، ويصاب بسهم في عضده ، ومع أنه ظنّ أنه التأم ، عاد وانفض جرحه فأخلد الى فراشه ، تمرضه أم سلمة الى أن حضره الأجل وتوفاه الله000وقد قال عند وفاته :( اللهم اخلفني في أهلي بخير )000فأخلفه الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- على زوجته أم سلمة بعد انقضاء عدّتها حيث خطبها وتزوجها ، فصارت أماً للمؤمنين ، وصار الرسول -صلى الله عليه وسلم- ربيب بنيه ( عمر وسلمة وزينب )000
البيت النبوي
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند أم سلمة ، فدخل عليها الحسن والحسين -رضي الله عنهما- ، ثم أدخلهما تحت ثوبه ، ثم جأر الى الله عزّ وجل ثم قال :( هؤلاء أهل بيتـي )000فقالت أم سلمـة -رضي الله عنها- :( يا رسـول الله ، أدخلني معهم !)000فقال -صلى اللـه عليه وسلم- :( أنتِ من أهلي )000وبهذا أدخل على نفسها الطمأنينة000وكان -صلى اللـه عليه وسلـم- يهتم بأبنائهـا كأنهم أبنائه فربيبتـه زينـب بنت أبي سلمة أصبحـت من أفقه نساء أهل زمانها000وبلغ من إعزازه -صلى الله عليه وسلم- لربيبـه سلمة بن أبي سلمة أن زوجـه بنت عمه الشهيد حمـزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه-000
المشاركة في الغزوات .
لقد صحبت أم المؤمنين أم سلمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غزوات كثيرة ، فكانت معه في غزوة خيبر وفي فتح مكة وفي حصاره للطائف ، وفي غزو هوازن وثقيف ، ثم صحبتْهُ في حجة الوداع000
ففي السنة السادسة للهجرة صحبت أم سلمة -رضي الله عنها- النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الحديبية ، وكان لها مشورة لرسول الله أنجت بها أصحابه من غضب اللـه ورسولـه ، وذلك حين أعرضوا عن امتثال أمره ، فعندما فرغ الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- من قضية الصلـح قال لأصحابه :( قوموا فانحروا ثم احلقوا )000فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أم سلمة فذكر لها ما لقي من عدم استجابة الناس ، وما في هذا من غضب لله ولرسوله ، ومن تشفي قريش بهم ، فألهم الله أم سلمة -رضي الله عنها- لتنقذ الموقف فقالت :( يا نبي الله ، أتُحبُّ ذلك ؟) -أي يطيعك الصحابة- فأومأ لها بنعم ، فقالت :( اخرج ثم لا تكلّمْ أحداً منهم كلمةً حتى تنحر بُدْنَكَ وتدعو حالِقكَ فيحلقُكَ )000
فخرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلم يُكلّم أحداً ، ونحر بُدْنَهُ ، ودعا حالِقَهُ فحلقه ، فلما رأى الصحابة ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمّاً ، وبذلك نجا الصحابة من خطر مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000
أم سلمة وعائشة
لقد كان لأم سلمة -رضي الله عنها- مشورة ثانية لأم المؤمنين عائشة ، وذلك حين عزمت الخروج لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ، فكتبت لها في عُنف وإنكار شديد فقالت :( إنك سُدّةٌ بين رسول الله وأمته ، وحجابك مضروبٌ على حرمته ، قد جمع القرآن الكريم ذيلكِ ، فلا تندحيه ، وسكّن الله عقيرتك فلا تصحريها -أي صوتك لا ترفعيه- الله من وراء هذه الأمة ، ما كنت قائلةً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو عارضك بأطراف الجبال والفلوات ؟000ولو أتيتُ الذي تُريدين ، ثم قيل لي ادخلي الجنة لاستحييتُ أن ألقى الله هاتكةً حجاباً قد ضربَهُ عليَّ )000وذكرت كلاماً تحرضها فيه على عدم الخروج000
فكتبت لها السيدة عائشة -رضي الله عنها- تقول :( ما أقبلني لوعظك ، وما أعلمني بنصحك ، وليس مسيري على ما تظنين ، ولنِعْمَ المطلعُ مطلعٌ فزعتْ فيه الى فئتان متناجزتان )000
وفاتها
كانت أم سلمة -رضي الله عنها- أخر من مات من أمهات المؤمنين ، فتوفيت سنة إحدى وستين من الهجرة وعاشت نحواً من تسعين سنة000
أم كلثوم بنت رسول الله
رضي الله عنها
أم كلثـوم بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أمها السيدة خديجة
قيل أنها ولِدَت بعد رقية ، وأسلمت مع أمها وأخواتها ، تزوّجها عتيبة بن
أبي لهب قبل البعثة ولم يدخل عليها ، كما تزوّج أخاه عتبة رقيـة بعد
البعثة ولم يدخل عليها أيضاً000
قدوم المدينة
استقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ابنتيه أم كلثوم وفاطمة وزوجه سودة بنت زمعة بكل شوق وحنان ، ويأتي بهنّ إلى داره التي أعدّها لأهله بعد بناء المسجد النبوي الشريف ، ويمضي على أم كلثوم في بيت أبيها عامان حافلان بالأحداث000
الزواج
بعد أن توفيت رقيـة بنت رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- ومضت الأحزان والهموم ، يزوّج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عثمان بن عفان من أم كلثـوم فيتبدل الحال وتمضي سنة الحياة000وقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :( أتاني جبريل فقال :( إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها )000وأصبح عثمان ذا النورين ، وكان هذا الزواج في ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة000وعاشت أم كلثوم عند عثمان ولكن لم تلد له000
وفاتها
توفيت أم كلثوم -رضي الله عنها- في شهر شعبان سنة تسع من الهجرة000وقد جلس الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قبرها وعيناه تدمعان حُزناً على ابنته الغالية000فرضي الله عنها000
أُثَيْلة بنت راشد الهُذَليّة
رضي الله عنها
رويَ أنّ حَمَل بن مالك بن النابغة الهذلي ، مرَّ بأُثَيْلةَ بنت راشد وقد رفعت برقعَها عن وجهها ، وهي تهش على غنمها ، فلمّا أبصرها ونظر إلى جمالها أناخَ راحلته ثم عقَلَها ، ثم أتاها ، فذهب يُريدها عن نفسها فقالت :( مهلاً يا حَمَل !! فإنك في موضع وأنا في موضع ، واخطبني إلى أبي ، فإنّه لا يردّك )000فأتى عليها ، فحملتْهُ فجلدَتْ به الأرض وجلست على صدره ، وأخذت عليه عهداً وميثاقاً أن لا يعود ، فقامت عنه000
فلم تدعه نفسَه فوثبَ عليها ، ففعلت به مثل ذلك ثلاث مرات ، وأخذت في الثالثة فِهْراً -حجراً- فشدختْ به رأسه ، ثم ساقت غنمها ، فمرّ به ركبٌ من قومه فقالوا :( يا حَمَل مَنْ فعلَ بكَ هذا ؟)000قال :( راحلتي عثرت بي )000قالوا :( هذه راحلتك معقولة ، وهذا فهرٌ إلى جانبك قد شُدِختَ به ؟!)000قال :( هو ما أقول لكم ، فاحملوني )000
فحملوه إلى منزله ، فحضره الموت فقالوا :( يا حَمَل ! من نأخذ بك ؟)000قال :( الناس من دمي أبرياء ، غير أثيلة !!)000فلما مات جاءت هذيل الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت :( إن دم حَمَل بن مالك عند راشد )000فأرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاه فقال :( يا راشد إن هذيلاً تزعم أن دمَ حَمَل عندك ؟)000وكان راشد في الشرك يسمى ظالماً ، فسمّاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- راشداً فقال :( يا رسول الله ! ما قتلت !)000قالوا :( أثيلـة )000قال :( فأما أثيلـة فلا علم لي بها )000فجاء إلى أثيلـة فقال :( إن هذيلاً تزعم أن دمَ حَمَل عنـدك )000قالت :( وهل تقتل المرأة الرجلَ ؟!)000ولكن رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- لا يُكْذَبُ ، فجاءتْ فأخبرت النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- فقال :( بارَكَ الله فيك )000وأهدر دَمَهُ000
نسيبة بنت كعب
أمُّ عمارة
" ومَنْ يُطيقُ ما تُطيقينَ يا أمَّ عمارة "
حديث شريف
نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف000بن مازن بن النجار الأنصارية
وكنيتهـا أمُّ عمارة ، كانت هـي وأختها في بيعـة العقبة الثانية وبايعتا
الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وقد حضر معها زوجها زيد بن عاصم
وابنها حبيب000
غزوة أحد
خرجت نسيبة يوم أحد ومعها سقاء وفيه ماء ، فانتهت الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في أصحابه ، والدولة والربح للمسلمين ، فلمّا انهزم المسلمون انحازت الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فكانت تباشر القتال وتذود عنهم بالسيف ، وترمي عن القوس حتى جُرِحَت على عاتقها جُرحاً أجوفاً له غَوْر ، أصابها به ابن قُميئة000وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( لمقامُ نسيبة بنت كعب اليومَ خيرٌ من مقام فلانٍ وفلان )000وكان يراها تقاتل أشدَّ القتال ، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جُرِحَت ، وقد قالت للرسول -صلى الله عليه وسلم- :( ادْعُ الله أن نرافقك بالجنة ؟!)000فقال :( اللهمَّ اجعلهم رفقائي في الجنة )000فقالت :( ما أبالي ما أصابني من الدنيا )000
وقد جُرِحَ يوم أحد ابنها عبد الله في عَضُده اليسرى ، ضربه رجل ورحل عنه ، وجعل الدم لا يرقأ ، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( اعْصِبْ جُرْحَك )000فأقبلت أمه نسيبة ومعها عصائب قد أعدّتها للجراح ، فربطت جُرْحَه ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- واقف ينظر إليه ، ثم قالت :( انهضْ بنيّ فضارِب القومَ )000فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول :( ومَنْ يُطيقُ ما تُطيقينَ يا أمَّ عمارة ؟!)000وأقبلَ الرجلُ الذي ضرب ابنها فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( هذا ضارب ابنك )000فاعترضته وضربت ساقه فبرَكَ ، فابتسم الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى رأت نواجذه وقال :( اسْتَقَدْتِ يا أمَّ عمارة )000وعندما أتوا على نفسه قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :( الحمدُ لله الذي ظفّركِ وأقرّ عينك من عدوّك ، وأراك ثأرَكِ بعينِك )000
ولمّا انكشف الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقيت السيدة نسيبة وزوجها وابناها بين يديه يذُبّوا عنه ، والناس يمرون به منهزمين ، ورآها الرسـول الكريـم ولا ترسَ معها فرأى رجـلاً مُوليّاً معه ترس ، فقال له :( ألقِ تُرْسَـكَ إلى مَنْ يُقاتِل )000فألقى تُرْسَـه ، فأخذته نسيبة وتروي ذلك قائلة :( فجعلت أتترَس به عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وإنّما فعلَ بنا الأفاعيلَ أصحابُ الخيل ، لو كانوا رجّالةً مثلنا أصبناهم إنْ شاء الله ، فيُقبل رجلٌ على فرسٍ فضربني ، وتترّسْتُ له فلم يصنع سيفه شيئاً ، وولّى ، وأضرب عُرْقوب فرسِهِ ، فوقع على ظهره ، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصيح :( يا ابن أم عمارة أمَّكَ أمَّكَ !)000فعاونني عليه حتى أزْوَرْتُهُ شَعُوب )000
ثم نادى منادي الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد لملاحقة قريش ، فشدّت عليها ثيابها ، فما استطاعت من نزف الدم ، ولمّا رجع رسول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- أرسل إليها عبد اللـه بن كعب المازنيّ يسأل عنها ، فرجع إليه يخبره بسلامتها ، فسُرَّ الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- بذلك000
مقتل حبيب
رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يبعث لمسيلمة الكذاب رسالة ينهاه فيها عن حماقاته ، وحمل حبيب بن زيد الرسالة ، وفض مسيلمة كتاب رسول الله له فازداد ضلالا وغرورا ، فجمع مسيلمة قومه ، وجيء بمبعوث رسول الله وأثار التعذيب واضحة عليه ، فقال مسيلمة لحبيب :( أتشهد أن محمدا رسول الله ؟)000وقال حبيب :( نعم ، أشهد أن محمدا رسول الله )000 وكست صفرة الخزي وجه مسيلمة ، وعاد يسأل :( وتشهد أني رسول الله ؟)000وأجاب حبيب في سخرية :( اني لا أسمع شيئا !!)000 وتلقى الكذاب لطمة قوية أمام من جمعهم ، ونادى جلاده الذي أقبل ينخس جسد حبيب بسن السيف ثم راح يقطع جسده قطعة قطعة ، وبضعة بضعة وعضوا عضوا000والبطل العظيم لا يزيد على همهمة يردد بها نشيد اسلامه :( لا اله الا الله ، محمد رسول الله )000
معركة اليمامة والثأر
أقسمت أم البطل نسيبة بنت كعب على الأخذ بالثأر لابنها حبيب من مسيلمة الكذاب فشهدت اليمامة مع ابنها عبدالله تحت إمرة خالد بن الوليد وقُتِلَ مسيلمة وقُطِعَت يدها في الحرب ، وجُرِحَت اثني عشر جُرْحاً000 وقد كان أبو بكر الصديق الخليفة آنذاك يأتيها يسأل عنها000 رضي الله عنها وأرضاها000