كنت أقول لنفسي حقاً ماهذا الذي نفعله؟.. إننا حتى لا نقول لا.. لا نقوى على أن نقاوم ولا نعرف حتى كيف تقاوم الشعوب.. أي شعب على هذه الأرض يحمل قدراً ولو كان ضئيلاً من الإحترام لنفسه وكيانه لا بد وأن يرفض وأن يقاوم وهو يُقاد حثيثاً إلى المذبح.. لا أن يبتسم في سماحة وهو يسنّ لقاتله السكين كي يكون شديد الرضا عنه حين يذبحه !!.. لا بد أن العالم بأسره يحسد إسرائيل على أن يكون عدوها في متناول اليد هكذا
لا.. ليس الأمر كذلك.. الأدهى من ذلك أنه لا يذبحني أنا وإلاّ كنت مغفلاً لكنني في حقيقة الأمر أناوله السلاح كي يذبح أخي المطحون في فلسطين والعراق ولبنان.. في الحقيقة أكون مغفلاً وخائناً أيضاً حين أناول قاتلي الرصاص كي يحصد أرواح الأبرياء ثم يغتصب النساء ويبقر بطون الحوامل ويضرب الأطفال الرضّع بالحائط لينتهي بعد ذلك من مهمته السامية كي يتلقى في النهاية المكافآت والحوافز على ما أنجزه من عمل شجاع.. ولربما ساهمنا من أجل توفير حوافز لأفراد الجيش الاسرائيلي حتى يؤدّوا عملهم بصورة أفضل في المرات القادمة
*******
أذكر أنني حين بدأت مقاطعة المنتجات الأمريكية والإسرائيلية وفي أقل من أسبوع واحد من اشتعال فتيلها كنت أسمع الكثير من أحاديث الشباب حول جدوى المقاطعة من البداية.. وماسوف يقع على العامل المصري المسكين من مصائب اذا لم اشتر المشروب الفلاني أو الوجبة العلانية حتى انتابني الشعور بان شراء هذه المنتجات ليس فقط أمراً طبيعياً بل ربما هو من صميم العمل الوطني !!.. وإني إن لم أجد في جيبي ثمن هذه الوجبة فإني بالتالي أضرّ بمصلحة أبناء بلدي واقتصاد الوطن الذي له انتمي حتى لو لم أكن مقاطعاً.. إنه ذلك الشعور الهزلي أنهم حين يشربون أو يأكلون تلك المنتجات فإنهم يفعلون ذلك وبحماس بل وربما يسمع أحدهم موسيقا رأفت الهجان ترن في اذنه لتملأه حماساً ووطنية ليطلب المزيد
*******
قال لي أحدهم وهو يشرب من الزجاجة الأمريكية الصنع في تلذذ: انت كده بتقفل بيوت ناس غلابة كتير
ثم يتذكر شيئاً مهماً آخر فيردف قبل أن تحاوره في جدال عقيم حول ما قال: ثم انت مش عارف ان اقتصاد الناس دي قوي أوي ومش ح يتأثّر لا بالمقاطعة ولا بالكلام الفارغ ده؟
ويأخذ رشفة من مشروبه الأثير في استمتاع ثم يهز رأسه شاعراً بالسعادة لما يتمتع به من وعي يرى به ما لا يراه غيره من بواطن الأمور
حسناً.. لقد سمعت هذا الكلام كثيراً في ذلك الوقت حتى انني لن أتعجب لو عرفت أن أصحاب هذه الشركات هم أنفسهم من يتولى النزول الى الشارع لإقناع الشباب بهذا الرأي كما يحدث في الحملات الانتخابية أو ان بعض من حولي لهم نصيب من أسهم تلك الشركات المذكورة
ولا أكذبكم خبراً حين أقول انني عندما كنت أسمع هذا الكلام المثبط ينتابني إحباط لا حدود له.. إن سلاح المقاطعة هو أسهل وأبسط أسلحة الحروب.. سلاح بلا دماء أو ألم.. إنه سلاح بلا أموال أو نفقات.. سلاح لا يعاقب عليه القانون ولا يمكن أن يجبرك أحد على تركه لانك حر فيما تأكله أو تشربه
*******
أحقاً لا نقدر على الرفض؟.. مجرد الرفض للكيان الصهيوني؟.. لا نقدر على أن نرفض ونكره هذا المنتج أو ذاك لأنه ينتمي الى بلد تعامل شعبنا كقطيع من الدواب وتنصر عدونا في كل شاردة وواردة؟.. ربما لن يخسروا الكثير لكنهم على الأقل سيشعرون أن العرب ليسوا مجموعة من البدو المغيّبن وأنهم يمتلكون المبدأ والإيمان بقضيتهم.. أنهم شعب راقٍ يملك الإرادة.. إرادة الرفض لما لا يريد
هذا مايكسبنا مانحتاجه الآن وبشدة.. احترام النفس.. أن تشعر باحترامك لنفسك ولإرادتك ومبدئك الذي يحدد هويّتنا جميعاً ويربطنا ببعضنا البعض
*******
أحياناً أفكر.. إذا كان هذا مانقوله لأنفسنا فماذا نقول للخالق سبحانه وتعالى حين يأتي حسابه على كل قرش أعطيناه راضين للأمريكيين واليهود في مقابل لا شئ.. ندفع لكي نبيع.. نبيع كرامتنا ويالها من صفقة عجيبة.. ليس أمامنا الاّ تلك الحجج الواهية.. فترى هل تشفع؟