تفاصيل عن المشكلة :
تحدثت الأم إلى الطبيب النفسي عن طفلتها الوحيدة بقلق وتوتر بسبب ظهور سلوكيات جديدة للطفلة منذ بضعة أشهر ، وتتلخص هذه السلوكيات بأن الطفلة وعمرها ست سنوات أصبحت تضع في فمها أشياء كثيرة وغريبة وتعلكها وتمصها لفترات متفاوتة .. مما أدى إلى حدوث إسهالات وإقياءات .. وكان آخرها ليلة البارحة حيث قضت ليلة مزعجة إلى جانب طفلتها ترعاها بسبب الإقياء المتكرر .. وقد فكرت بأخذها إلى المشفى خشية حدوث التجفاف الذي ينتج عن الإقياء والإسهال المتكرر والذي يؤدي إلى فقد الوعي أو التشنجات إذا لم يعالج وإذا لم يبقى في داخل الجسم سوائل كافية .. حيث يجب إعطاء محاليل وريدية في المشفى إضافة لإعطاء مضادات الإقياء وغير ذلك ( الأم طبيبة عامة مطلقة .. ممتلئة حناناً وحباً وذكاءً ) .
وفي ذلك اليوم قامت الطفلة بوضع جوربها المتسخ في فمها وأخذت تعلكه وتمتصه فترة طويلة .. وقد كانت تضع أشياء متنوعة في فمها ( بعيداً عن الأهل ومراقبتهم ) مثل ألعاب بلاستيكية وأدوات متنوعة وقطع قماشية .. وعندما لاحظتها أمها وبختها على ذلك وشرحت لها خطورة هذا السلوك .. وقد وعدت الطفلة بعدم تكراره .. إلا أنه كان يتكرر ..
وتبين من خلال الحوار المتبادل مع الطبيب أن الطفلة قد بدأت منذ عدة شهور بالذهاب إلى الصف التمهيدي في المدرسة . وهذه هي المرة الأولى التي تبتعد فيها عن البيت خلال ساعات الصباح حيث تبقى عادة مع جدها وجدتها بينما تمارس الأم عملها إلى فترة بعد الظهر حيث تبقى الأم غالباً في المنزل برفقة ابنتها تلاعبها وتعلمها وتعتني بها ثم تنام الطفلة في سرير أمها .
ولم تكن الشهور الماضية المرتبطة بذهاب الطفلة إلى المدرسة سهلة أبداً .. وقد رفضت الطفلة الذهاب في البداية ثم وافقت بعد الإصرار والتشجيع .. ومرت أسابيع بين رفض وقبول وتمنع عن الذهاب إلى أن استقر موضوع دوامها في المدرسة نسبياً ، وأصبحت تحب المدرسة وصديقاتها والمعلمة .
والطفلة اجتماعية ومحبوبة .. ذكية ونشيطة ومرحة.. إلا أنها مدللة ووحيدة لأمها ، ولم تألف أن تكون واحدة بين مجموعة من التلميذات في المدرسة .. حيث تعودت على أن تكون مركز الانتباه والاهتمام .. ووضعيتها الجديدة في المدرسة كطفلة مثل بقية الأطفال يسبب لها ضغطاً وقلقاً وتوتراً وجروحاً تترتبط بنرجسيتها وتقديرها لذاتها .. فهي ليست مركزاً للاهتمام الخاص وليست سيدة الصف المدرسي وهناك أخريات مثلها .
معلومات إضافية عامة :
كانت ولادة الطفلة طبيعية وكان الحمل تسع أشهر .. ولم تتعرض لأمراض أو عمليات جراحية . وكان تطورها الجسمي والعقلي ممتازاً . وقد رضعت من حليب أمها حوالي سنتين .. وتم إدخال الأطعمة المتنوعة إضافة لحليب الأم منذ أن كان عمرها ستة أشهر . ولم تتعرف على الرضاعة من قارورة الحليب " المصاصة " ، حيث لم يكن ذلك ضرورياً برأي الأم . ولم تكن تستعمل " اللهاية - وهي قطعة بلاستيكية يقوم الطفل بوضعها في فمه ومصها أثناء النهار أو قبل النوم " ، حيث كانت الأم تعتبرها مصدراً للتلوث والأمراض .
ومن النواحي النفسية كان نموها اعتيادياً وقد تربت مع أمها وجدتها وجدها منذ أن كانت في شهورها الأولى ، وأبوها يراها في أوقات متنوعة ، ولم تظهر عليها مشكلات سلوكية أو معاناة واضحة .. وكانت سعيدة راضية ومحبوبة وقوية الشخصية . وفي عاداتها الطعامية كانت تشبع بسرعة ووزنها عادي وليست ناقصة التغذية أو نحيلة جداً ، وهي أقرب إلى الرشاقة والنحول . وعندما تصر أمها على إطعامها أكثر كانت تغلق فمها أو تحاول الإقياء فتتوقف الأم عن إعطائها مزيداً من اللقمات .
تعليقات :
تضمنت الاستشارة تطمين الأم والتخفيف من قلقها .. وأن مايحدث هو سلوك مفهوم ومؤقت ويرتبط بالتكيف مع المدرسة وسوف يختفي ، وهو يعبر عن قلق الطفلة ومحاولتها للتخفيف من هذا القلق من خلال اللذة الفموية والتي تعطي مشاعر مريحة مضادة للقلق والتوتر .. وبالطبع تم التأكيد على ضرورة السيطرة على الإقياء وعلى إعطاء السوائل بكمية كافية في الوقت الحاضر إلى أن يختفي الإقياء . ومن ثم ضرورة الحزم والتشديد على ضبط السلوك المرضي وهو وضع أشياء في الفم وعلكها ومصها .. ويعتمد الضبط على التوضيح المبسط وبعبارات محدودة حازمة دون الشرح الطويل الذي لايبقى في ذهن الطفلة عادة ، إضافة للاتفاق على سلسلة من العقوبات المتدرجة في حال تكرار السلوك . ومن جهة أخرى تم استعراض عدد من السلوكيات البديلة غير المرضية مثل الإكثار من العلكة والتي تعطي مشاعر فموية إيجابية ، وتناول كميات أكبر من الطعام في الوجبات الرئيسية وبشكل تدريجي وضمن خطة متفق عليها . إضافة لاستعمال كأس بلاستيكية خاصة بالأطفال لها مايشبه النتوء أو المصاصة كي تستعملها للشرب بدلاً عن الكأس العادية المخصصة للكبار .
يضاف إلى ماسبق ضرورة تفهم قلق الطفلة من قبل أمها والسعي إلى تطمينها باستمرار ، وتشجيعها لتقبل المدرسة بكافة الأشكال الممكنة ، والاستماع إلى قلقها حول المدرسة وتعديل نظراتها السلبية إلى المدرسة والآخرين حين ظهورها ، وتشجيع نموها الطبيعي وتكيفها واستقلاليتها دون دلال زائد وبالتدريج .. ودون سلوكيات مرضية .
وقد تفاعلت الأم مع الاستشارة بشكل ممتاز واكتشفت أموراً مفيدة وساهمت في وضع خطة العلاج المتناسبة مع الظروف .. وخرجت راضية متفائلة وأكثر حزماً وتصميماً .. وتم الاتفاق على متابعة الحالة ومناقشة التطورات أسبوعياً