الهجرة وعلاجها لمشاكل المجتمع
إخواني جماعة المؤمنين.. يا من أغناكم الله بهذا الدين ووضع لكم وبين أيديكم كنوز الغنى التي بها لا تحتاجون للأولين ولا للآخرين فما من شئ يصيبكم في أنفسكم أو في مجتمعكم أو في بيوتكم أو في أزواجكم أو في أولادكم أو في أرزاقكم أو شئ من أحوالكم إلا وتجدون الشفاء التام فيه جاهزاً إما في كتاب الله وإما في سنة سيدنا ومولانا رسول الله وإني لأعجب كيف يتيه عبد عن علاج نفسه؟ أو كيف يتعب في علاج زوجه؟ أو كيف ييأس من إصلاح ولده؟ أو كيف يبحث عن سبيل لإصلاح مجتمعه؟ وبين يديه كتاب الله يقلبه وبين يديه سنة سيدنا ومولانا رسول الله يستوضحها وهو القائل{أَيُّها النَّاسُ إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ الله وسنتي}[1]إذن من ضل ومن ذل ومن هوى ومن بعد ومن تعب فإنما هو لأنه لم يتمسك بما أمره به ونحن في العام الهجري الجديد هل من جديد يصلح حالنا؟ أو هل من جديد يغير شأننا؟ هل من جديد يحول أحوالنا إلى أحوال ترضي ربنا ؟تعالوا جميعاً نفتح كنز الهجرة ونأخذ منه العبرة فإن هجرة سيدنا ومولانا رسول الله فيها العبرة لمن اعتبر وفيها الحل لكل مشكلات البشر فمثلاً وهو مثالٌ واحدٌ نسوقه كي لا نشق عليكم ما نعاني منه الآن من مشكلات اقتصادية ونفسية واجتمعاية استشرت حتى وصلت إلينا جميعاً فلم ينجو منها أحد لأننا نحتاج إلى بعضنا في أمور الحياة فمنا من يشكو من ماله ومنا من يشكو من رفيق في العمل ومنا من يشكو من التجار ومنا من يشكو من الزراع ومنا من يشكو من المرءوسين ومنا من يشكو من الحكام والمديرين ومنا من يشكو من أحوال المجتمع بالمرة نشكو من ماذا؟ أصبحنا وكل واحد منا مشغولٌ بنفسه لا يفعل إلا عن نفسه ولا يريد أن يجلب الخير إلا لنفسه ولا يريد أن يدفع المكروه إلا عن نفسه ونسى جاره ونسى أخاه بل ربما أحياناً ينسى أباه وأمه حتى يضطرهما أن يرفعا ضده شكاوي في المحاكم لأنه لا يهتم بأمرهما ولا يحس بمشاعرهما ولا يشاركهما في مشاكلهما فالتاجر لايهتم إلا بالكسب السريع سواء احتكر على المسلمين أو رفع السعر وغالى فيه على المؤمنين أو غشهم في بيعه أو في وزنه أو سلعته وصنفها ونوعها أو في الجودة لا يهتم بذلك لأن همه كله هو المكسب السريع ولا شأن له بذلك والموظف يريد أن يتسلق على أكتاف رفاقه وإخوانه تارة بالكيد لهم وأخرى بالتجسس على أحوالهم وثانية بالقيل والقال لرؤسائه ومديريه ليغير قلوبهم على إخوانهم ليأخذ مكانهم الذي جُعل لهم ولا يهتم إلا بنفسه وهكذا هل لهذا الشأن من علاج فيما نحن فيه من أحكام وقوانين؟ لا والله فلو سنت الدولة ألف قانون وقانون فإنهم يتعلمون كيف يتهربون منها؟ وكيف يجدون المخرج فيها؟ لأن الغالب عليهم هو حب الذات والأثرة والأنانية التي أمتلأت بها النفوس وأصبحت تعيش وكأنها في يوم القيامة والكل يقول نفسي نفسي لا أريد غيرها ما العلاج؟لا يوجد علاج إلا إذا نظرنا إلى كنز الهجرة ونظرنا إلى ما فيه من علاج هؤلاء القوم تركوا دورهم وأموالهم وأهليهم وزراعاتهم وتجاراتهم وهاجروا ولا يجدون حتى الكفاف بل لا يجد الواحد منهم ما يستر عورته أو ما يلبسه في قدمه وذهبوا إلى الأنصار بالمدينة فأفاء الله عليهم الخير ووجدوا عندهم الحدائق الغناء وعندهم التجارة وعندهم الزراعة ماذا فعلوا؟ وماذا صنعوا؟ إن هذا ما يخبرنا عنه الله وهو العلاج الأوحد لمجتمعنا يا أحباب الله ورسوله{يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}هذا هو العلاج أننا نصلح القلوب فنطهرها من الذنوب ومن الأثرة ومن الأنانية ومن حب الذات ومن الغل والحقد ومن الحرص على الدنيا الفانية ونملأها إيماناً بالله ونملأها ثقة في وعد الله حتى تكون بما في يد الله أوثق منها بما في يد أنفسها ونملأها يقيناً أن ما قدر لها يكون وأن الرزق لا يسوقه حرص الحريص ولا يناله طالب إلا بما كتب له الواحد ولن ينال بسعيه وحرصه وكده وطلبه ما يناله غيره إلا ما قدره وكتبه له ربه نملأها يقيناً بأن الآخرة خير وأبقى فيؤثرون الآخرة على الحياة الدنيا ويقبلوا على أعمال الآخرة وأحوال الآخرة وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويفرح إذا رأى الخير عند إخوانه ويسر إذا رأى السرور والطرب عند جيرانه ويحزن لحزن إخوانه ويتألم لآلام جيرانه قال النبى{لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الّذي يَبيتُ شَبْعاناً وَجَارُهُ جائِعٌ إِلى جَنْبِهِ وهو لا يشعر به}[2] أي لا يؤمن إيماناً صحيحاً عند الله ينال به الدرجة العالية من الله إلا إذا كان يحس بإخوانه ويشعر بآلام جيرانه ويشارك أقاربه وخلانه هذا هو الذي صنعه لكم ومعكم الله على يد سيدنا ومولانا رسول الله فأصبح الرجل منهم يسارع فيما يرضي الله حتى كان الرجل المهاجر عندما ينزل المدينة المنورة يحضر أهلها ويتنافسون ويتصارعون وكل يريد أن يأخذه إلى بيته ليحظى بالفضل والرضوان من الله ومن شدة تهافتهم وصراعهم كان لا يذهب الرجل المهاجر إلى أحدهم إلا إذا أجروا القرعة والمساهمة فيما بينهم فمن وقعت عليه القرعة فهو الذي يفوز بهذا الغنم الأكبر وهذا الفوز الأعظم وهذا الأخ الذي يأخذه ويواسيه ويطعمه ويجالسه ويقيمه في بيته لأنه يعلم أن هذا هو الفضل الأعظم عند الله وهذا عكس ما نراه الآن - فيرى بعضنا أنه إذا أخذ شخصاً ضيفاً إلى بيته يراه غرماً يراه سيغرمه كوب شاي وسيغرمه بضع أرغفة وسيغرمه مبلغاً من النقود يراها غرامة وهم كانوا يرونها غنيمة لأنهم يرجون الفضل من الله حتى أنه بلغ الأمر من أحدهم - لأنهم يتعاملون مع ربهم - أن أخذ أخاه وكان هذا الرجل المهاجر هو عبد الرحمن بن عوف والرجل الأنصاري هو سعد بن الربيع فأحضر ماله وقسمه نصفين وقال له: اختر أيهما شئت وقسم بيته قسمين، وقال له: اختر أيهما شئت ثم قال له: هل تزوجت؟ قال: لا قال: إن لي زوجتين فانظر إليهما فأيهما أعجبتك أطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجتها حلالاً هم تربوا على مائدة القرآن وكانوا كما وصفهم الحنان المنان {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}هذا بالإيثار وهذا بالعفة فزهدوا في الدنيا فسخرت لهم الدنيا وكانت لهم الدنيا فقال له عبد الرحمن:بارك الله لك في زوجك، وبارك الله لك في بيتك وبارك الله لك في مالك ولكن دلني على السوق بماذا كافأه الله على هذه العفّة؟ كان كما قال: لو تاجرت في تراب لحوله الله إلى ذهب وعندما مات وقد هاجر لا يملك قليلاً ولا كثيراً ووزعوا الذهب الذي خلفه على زوجاته من كثرة هذا الذهب أخذوا يضربونه بالفئوس ليوزعوه على زوجاته وبنيه لماذا؟ لأنه فتح بالعفة كنز فضل الله وكنز أخلاق الله وكنز خير الله له ولزوجه وولده فهؤلاء تعاملوا بالإيثار وهؤلاء تعاملوا بالعفة والكل تربى على مائدة القرآن وتأسى بالنبي العدنان فلم يكن لهم في مجتمعهم مشكلة ولم يكن لهم في مجتمعهم معضلة ولم ينتابهم في جميع أمورهم أي شئ يعكر صفوهم أو يشغلهم عن ربهم أو عن عبادة الله أو عن طاعة سيدنا ومولانا رسول الله لأنهم شغلوا أنفسهم بكتاب الله وبهدى سيدنا ومولانا رسول الله فعلاج أمراضنا في هؤلاء الثلاث: أولاً الحب{يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}إذا أحببنا بعضنا ويكفينا في هذا حديث واحد لوطبقناه على أنفسنا وفي مجتمعنا ما وجدت مشكلة بيننا وهو قوله{لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ }[3] فكما لا أحب أن يوشي أخي عليّ وشاية فلا أوشي على أخي وكما لا أحب أن يستأثر أخي عليّ فلا استأثر على أخي وكما لا أحب أن يسبّني أخي فلا أسبّ أخي، وكما لا أحب أن تتطاول علي زوجة جاري فلا أسمح لزوجتي أن تتطاول على جاري وكما لا أحب أن يؤذيني ابن أخي أو جاري أو قريبي فلا أسمح لابني أن يؤذي أخي أو جاري أو قريبي، وكل شئ لا أرضاه لنفسي لا أرضاه لغيري إذا فعلنا ذلك لم يكن هناك مشكلة ولا يصير بيننا مشكلة{وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا}
العلاج الثاني: إذا وثقت أن المعطي هو الله ويعطي بحكمة لا يعلمها إلا الله فلماذا تحزن إذا لم يعطي لك ولداً كفلان ولماذا أغتم إذا حلى زوجة هذا ولم يحل زوجتي؟ ولماذا أحمل الهم فوق رأسي إذا جاء لزميلي في العمل ترقية ولم أنالها، وقيل شعراً لأحدهم[4]:
أَلا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِدًا
أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الأَدَبْ
أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي حُكْمِهِ
لأَنَّك لَمْ تَرْضَ مَا قَدْ وَهَبْ
فَجَازَاك رَبِّي بِأَنْ زَادَنِي
وَسَدَّ عَلَيْك وُجُوهَ الطَّلَبْ
الحسود يعترض على المعطي لأنه هو الذي قسم الأرزاق وهو الذي قسم الأخلاق وهو الذي قسم العطاء وهو الذي أيضاً قسم البلايا والعناء ولو نظرت على التحقيق لوجدت أن الكل سواء فكما أن هذا عنده عطاء فلابد أنه عنده جانب من البلاء وإن كنت لا أراه ولا أشعر به ولكن اعلم يقيناً أن الله{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}فإذا رأيت على أخي نعمة أو رأيته في منة فيجب عليّ أن أفرح وأن أشكر الله وأن أحمد الله وأن أدعو الله أن يزيده نعماً على نعمه وخيراً وبراً على خيره وبره وفضلاً على فضله ولا تطلب من الله أن يمحق هذا الفضل أو أن يذهب هذا البر لأن هذا ليس من خصال المؤمنين وإنما من خصال الجاحدين والمنافقين والعياذ بالله فالمؤمن لا يحمل في قلبه ضغينة لأحد ولا حقداً على احد ولا حسداً لأحد بل يتمنى الخير والبر لجميع عباد الله حتى أنه يتمنى الهداية للكافرين ويتمنى العناية للجاحدين ويتمنى أن يوفق الله المشركين ليهتدوا لهذا الدين ويحب الخير حتى للكافرين يحب لهم أن يؤمنوا بالله وأن يهتدوا بهدى الله فما بالك بإخوانه المؤمنين إنه يحب لهم الخير في الدنيا والسعادة في يوم الدين{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}يفضل إخوانه على نفسه لأنه يعلم أن الدنيا فانية وأن النعم الحقيقية هي النعم الباقية في جوار الله{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}النعم الفانية تحتمل البلاء وتحتمل العطاء فهي فتنة{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} حتى المال والولد فتنة{لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} فإذا وفق لشكر الله على نعمة الولد فقد فاز وجاز وإذا وفق لشكر الله على نعمة الزوجة فقد فاز وجاز ولكنه إذا نسى الله ولم يشكره على نعمه وعطاياه فقد جحد ورسب في الاختبار الذي أجراه له الله{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}لماذا {لِيَبْلُوَكُمْ}[أي يختبركم] {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}لكن النعم الخالصة التي ليس فيها احتمال وإنما هي محض عطاء أن يوفقك للعبادات، وأن يفتح لك باب القبول على الطاعات والقربات وأن يلهم لسانك ذكره وشكره وحُسن عبادته وأن يحبب إليك تلاوة القرآن وأن يحبب إليك متابعة النبي العدنان، وأن يحبب إليك فعل الخير في كل وقت وآن، وأن يذكرك بالدار الآخرة لتستعد لها، وأن يذكرك بالموت لتتأهب له هذه هي النعم الحقيقية التي يفرح بها المؤمنون وليس فيها ابتلاء وليس فيها فتن وليس فيها اختبار وإنما هي كما ورد فى الأثر{إذا أكرم الله عبدا ألهمه ذكره وألزمه بابه وآنسه به يصرف إليه بالبر والفوائد، ويمده من عند نفسه بالزوائد ويصرف عنه أشغال الدنيا والبلايا فيصير من خالص عباد الله وأحبابه فطوبى له حيا وميتا لو علم المغترون بالدنيا ما فاتهم من حظ المقربين وتلذذ الذاكرين، وسرور المحبين لماتوا كمدا}[5]إذا أحب الله عبداً يلهمه بذكره وشكره وحسن عبادته فإذا استطعنا أن نحيي في نفوسنا هذه المعاني الحب لعباد الله وأن نحمي نفوسنا من البغضاء والشحناء والحقد والحسد لجميع عباد الله وأن نملأ قلوبنا بالرغبة في العمل الدائم الذي ينفعنا بعد هذه الحياة من الإيثار ومن المعونة ومن المساعدة ومن المواصلة ومن البر ومن كظم الغيظ ومن العفو عن الناس ومن الإحسان إلى المظلومين ومن مساعدة المنكوبين ومن التفريج عن المكروبين إذا أحببنا هذه الأعمال وقمنا بها فلن يكون في مجتمعنا مشكلة أبداً يا إخواني جماعة المؤمنين ورد عن أصحاب نبيكم الكريم أن رجلاً ذبح شاة وتصدق برأسها على رجل من الفقراء فجلس مع زوجته فنظر في أمر نفسه وأمر إخوانه ثم قال: يا أم فلان إن أخي فلان أحوج إليها مني وذهب وأعطاها له فجلس الثاني مع زوجته ونظر في أمر إخوانه المؤمنين وقال يا أم فلان إن أخي فلان أحوج إلى هذه الرأس مني وذهب وأعطاها إليه فطافت الرأس على سبعة دور ثم رجعت إلى الأول مرة ثانية لتثبت سلامة صدورهم ورقة شعورهم وإحساسهم واستحقاقهم للوسام الذي نسبهم به ربهم{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}قال النبى{ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء}[6]وقال{ المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ، والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه }[7]اعلموا علم اليقين أن آخر هذه الأمة لن يسعد إلا بما سعد به أولها وأولها لم ينالوا السعادة بالعمارات الشاهقة والأرصدة الزائدة والمصانع الشامخة وإنما نالوا السعادة بما في نفوسهم من حب وشوق وزهد وورع ونقى وغنى بالله وعفاف عما حرمه الله ولن ينصلح حال مجتمعنا إلا إذا عدنا لهذه الأخلاق النورانية ولهذه الخصال الإلهية التي أوصانا بها الله في كتابه وبينها لنا الرسول الكريم في هديه وفي سنته فإن المجتمع الذي أسسوه أسس على هذه الأخلاق فكان الرجل منهم لو عرضت عليه كنوز الدنيا لأتلفته عن خلق تخلق به لله وهداه إلى التمسك به سيدنا ومولانا رسول الله انظروا إلى هؤلاء القوم وقد خرجوا من المدينة حفاة عراة لا يملكون قليلاً ولا كثيراً وفتح الله لهم كنوز كسرى وكنوز قيصر وكانت شيئاً يدهش العيون لم تفكر فيه عقولهم ولم يرواد خيالهم مما فيه من مجوهرات ومما فيه من ذهب وفضة وما فيه من عسجد واستبرق وما فيه من أصناف المباهج والرياش التي لم تخطر ببال واحد منهم قط في حياته كلها، ولكنهم عندما فتحت لهم الكنوز لم تشغل بالهم وما سلبت عقولهم ولم تغير طباعهم وأخلاقهم وهذا هو المهم فقد قال لهم القائد من وجد شيئاً فليؤده لنا فكانوا يحضرون كل شئ حتى أن الرجل الذي وجد إبرة وليست بذات شأن كان يأتي ويسلمها إليه لا يدس شيئاً في ثيابه ولا يخفي شيئاً في متاعه لأنه يراقب الله ويحرص على هذا الخلق الكريم الذي خلقه به الله والذي وصاه به سيدنا ومولانا رسول الله وهو الأمانة في كل شئ فحملت الكنوز على جمال كان أولها في المدينة المنورة وآخرها في بلاد فارس كما يقول الرواة فى الأثر وعندما وضعت أمام عمر بن الخطاب لم تطرف عينه ولم تشغل باله ولم يجد صراعاً لاكتسابها أو للحصول عليها وإنما جلسوا متعجبين ولسان حالهم يقول كما قال القائد عندما رآها {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ}علموا أن هؤلاء ضاعت منهم النعم لأنهم لم يشكروا واهب النعم فرجعوا إلى الله شاكرين حتى لا يشغلهم بالنعم عنه لأنهم يريدون أن يكونوا مع المنعم في جميع أحوالهم وفي جميع أوقاتهم فقال عمر بن الخطاب عندما رأى هذه الكنوز الفارهة(إن قوماً أدوا هذا لأمناء)فقال علي بن أبي طالب(عففت فعفت رعيتك يا أمير المؤمنين)هذا الذي نحتاجه نحتاج إلى بناء الأمانة في أولادنا وفي أنفسنا وفي أزواجنا نحتاج إلى بناء الإخلاص في قلوبنا وفي قلوب عمالنا ليكون خالصاً لله لأنهم لا يرجون سواه ولا يراقبون إلا إياه نحتاج لبناء الصدق في قلوب أهل مجتمعنا حتى نطمئن في بيعنا وفي شرائنا لأننا صرنا لا نثق في بعضنا حتى ضاعت الثقة في الأمين لأن الثقة أصبحت مفقودة بانتشار الكذب بين جماعة المسلمين. حتى أنه لو جاء رجل منهم وقد قرأ عن دين الله ويريد أن يرى العباد الذين يتبعون هذا الدين فيرى أحوال المسلمين هل يعتقد أن هؤلاء اتباع سيد الأولين والآخرين؟هل يعرفهم بأوصافهم؟إنه ينظر إلى وصفهم في القرآن أنهم لا يكذبون ويرى أمام عينيه كل تعاملاتهم مبنية على الكذب يقرأ أنهم لا يخونون ويرى أن كل همهم الخيانة وليست للأمانة عندهم صيانة يقرأ عن أمانتهم ويقرأ عن شهامتهم ويقرأ عن كرم ضيافتهم وينظر إلى الموجودين فيرى مسلمين بغير إسلام يرى مسلمين بالاسم وبشهادة الميلاد وبالبطاقات لكن أخلاقهم أخلاق الكافرين أو أخلاقهم أخلاق المنافقين أو أخلاقهم أخلاق غير المسلمين فأخوك فى الدين هو كما قال سيد الأولين والاخرين{من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته}[8] وكما ورد فى الأثر الشهير : الدين المعاملة ... الدين المعاملة ... الدين المعاملة
[1] رواه ألإمام مالك في الموطأ عن أنس، ورواه الترمذي والطبراني في الفتح الكبير عن زيد بن أرقم.
[2] رواه الطبراني والبزار عن أنس بن مالك.
[3] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان وأبو يعلى في مسنده وأحمد في مسنده والدارمي في سننه عن أنس.
[4] : غذاء الألباب شرح منظومة الأداب لمحمد بن أحمد السفارينى
[5] الزهد الكبير للبيهقي رواية عن ذى النون
[6] رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر.
[7] رواه ابن حبان والطبراني في الكبير والحاكم عن فضالة ابن عبيد رضي الله عنه.
[8] مسند الشهاب عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه.
.................................................. .................................................. ..............
هذه المشاركات من كتاب الخطب الإلهامية فى الهجرة ويوم عاشوراء
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...C1&id=48&cat=3
.................................................. .................................................. ............
دروس الهجرة
إن أحداث الهجرة في ذاتها والحمد لله معظمنا بل أغلبنا يعلمها ويحفظها جيداً لكن الله أمرنا أن نستلهم العبر ونأخذ المثل والقدوة من سير الأنبياء والمرسلين وذلك حين يقول عز شأنه{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}وسنأخذ ثلة صغيرة من الدروس التي ينبغي على شبابنا وفتياتنا أن يتعلموها ويتعلمنها من هجرة النبي أولاً وقبل كل شيء قبل الهجرة بوقت قصير أخذ الله رسوله بصحبة الأمين جبريل من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ثم صعد به سماءاً تلو سماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى ولنعلم مدى عظمة هذه الرحلة فقد قال{كِثَفُ الأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَبَيْنَ الأَرْضِ الْعُلْيَا وَالسَّمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ بَيْنَ كُل سَمَاءٍ وَالسَّمَاءِ الدُّنْيَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَكِثَفُ السَّمَاءِ سِتُّمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ كُلُّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ بَيْنَ كُل سَمَاءٍ مِثْلُ ذٰلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ إِلى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثُم مَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلى الْعَرْشِ مَسِيرَةُ مَا بَيْنَ ذٰلِكَ كُلهِ}[1]فكم من الأعوام يقطعها المسافر في هذه السماوات والأقطار وبعد سدرة المنتهى زار الجنة ونزل إلى النار ثم بعد ذلك ذهب إلى قاب قوسين أو أدنى ورجع وفراشه الذي ينام عليه لم يبرد بعد يعني في أقل من لمح البصر الذي فعل معه ذلك ألم يكن في استطاعته جل شأنه أن يأخذه من مكة إلى المدينة في طرفة عين؟ كان ذلك سهلاً ويسيراً والله على كل شئ قدير لكن الله لو فعل ذلك معه كانت هذه ستكون حجة نتعلق بها جميعاً فنقول: هذا نبي الله ورسول الله ولا طاقة لنا بما فعل ولا نستطيع أن نصنع كما صنع فضرب الله المثل والقدوة لنا أجمعين رجالاً ونساء شيوخاً وشباباً بأنبياء الله ورسله فمثلاً نبي الله موسى كيف دفع مهره ليتزوج امرأة مؤمنة كان صداقه أن يشتغل برعي الأغنام في الصحراء لمدة عشر سنوات حتى لا يظن شبابنا أن الطريق مفروش بالورود ولكن يسعوا ويجدوا ويجتهدوا{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }فجعل الله هجرة المصطفى عن طريق الأسباب التي هيأها الله للعالمين لأن الأسباب مهيئة للكل والكل يستطيع أن يستخدمها أو ينتفع بها لأنها صنع الله الذي سخره لجميع الخلق لم يكن رسول الله يخاف فهو الذي لا يخاف إلا من الله، لكنه خطط التخطيط السليم ليعلم كل مؤمن أن أي عمل ينوي فعله لابد له من خطة سواءاً كان ذلك في استذكار دروس أو كان ينوي زواجاً أو كان ينوي بناء بيت أو كان ينوي تحقيق اختراع أو كان ينوي إحداث اكتشاف أي أمر لابد أن يبنيه المرء على خطة والخطة لابد أن تكون محكمة ومدبرة تدبيراً جيداً ولا بأس أن يجعل في خطته نصيباً لأهل الخبرة حتى ولو كانوا غير مسلمين مادام هذا هو التخطيط المكين إن الرسول لما وضع الخطة الدقيقة بأن يتوارى عن القوم هو وصاحبه في الغار لمدة ثلاثة أيام كيف يعرف أخبار القوم؟ تستطيع أن تقول أنت عن طريق الوحي لأن الله ينزله عليه لكنه يريد أن يجند الشباب ويعلمهم المنهج السديدالذي يرضي الله فجند فتى وفتاة وهيأهما وعلمهما الفتى يجلس طوال النهار بجوار نادي القوم قرب الكعبة يتسمع الأخبار والفتاة تصنع الطعام وثالثاً يمشي خلفهما إذا مشيا في الذهاب أو في الرجوع ومعه غنمه ليعفي على آثار القدمين فلا يكتشف أقدامهما الكفار وقد كانوا يجيدون ذلك فكان في كل ليلة يأتيه الفتى بالأخبار التي يتسمعها من قريش وتأتيه الفتاة بالطعام، وبعد الثلاثة أيام كان قد جهز الراحلتين ولما لم يكن في وسط المسلمين خبيراً بالطريق استدعى خبيراً كافراً هو عبد الله بن أريقط حتى أن أئمة السيرة الأعلام قالوا: لم يصل إلينا خبر هل أسلم بعد ذلك أم لا؟ لكنه تخيره أميناً حتى لا يكشف سره لأعدائه فجاء الخبير الذي يستطيع أن يجتاز بهم طريقاً غير معروف بعد الثلاثة أيام والحمد لله هو هذا الطريق المعروف الآن الذي يسافر عليه الحجيج والمعتمرون من مكة إلى المدينة وهو طريق الهجرة ولم ينس وهو في هذا العمل كله يرجو تحصين الله وحفظ الله وعناية الله أن يتمسك بأهداب الفضيلة التي جاء بها لنا من عند الله فالكافرون من أهل مكة أخرجوا المسلمين من بينهم بدون شئ من أموالهم أو متعلقاتهم فقد استولوا على بيوتهم واستولوا على أموالهم وأستولوا على كل أشياء يتملكونها والعجب أن هؤلاء القوم مع كفرهم إلا إنهم كانوا يقرون للداعي إلى الله بالصدق والأمانة فلو نطق بكلمة قيل لهم قال محمد كذا. قالوا: إن كان قال فقد صدق لأنهم ما جربوا عليه كذباً فكانوا يحفظون عنده أماناتهم التي يخشون عليها لعدم وجود البنوك في هذا الزمن، ولما جاءه الأمر من الله بالهجرة لقن فتيان المسلمين درس عملياً عظيماً في الأمانة فجاء بابن عمه علياً بن أبي طالب وكان سنه لا يزيد عن ثلاثة عشرة عاماً وأمره أن يبيت في مكانه مع أن أربعين رجلاً مُدججين بالسيوف يحيطون بالمنزل وينتهزون فرصة للدخول عليه في أي ساعة من الليل ويقضون عليه عرضه للموت في سبيل أن يتمسك بالأمانة وأن يكون مثلاً فذاً في خُلق الأمانة، وأمره أن يمكث ثلاثة أيام بعده حتى يؤدي لكل رجل أو امرأة أمانته أو أمانتها استوعب هؤلاء القوم هذا الدرس فتربوا على فضيلة الأمانة فكانت هي الصفة الأولى في نشر الإسلام في كافة ربوع العالم وأسوق لكم مثلا آخر يروى أن رجلاً كان في عداد الكافرين اسمه العاص بن الربيع وكان تزوج ابنة النبي زينب وبعد الهجرة بعامين كان آتياً على رأس تجارة لقريش من بلاد الشام وشرح الله صدره للإسلام على مقربة من المدينة ولكن سرية فذهب إليه بعض المنافقين. وقالوا: ما دمت قد أسلمت أنت تعلم أن هؤلاء القوم قد أخذوا أموال إخواننا ودورهم فلا عليك أن لا تذهب إلأى مكة مرة ثانية ووزع هذه الأموال على من أخذ ماله عنوة من المسلمين لكن الرجل قال له بصرامة وشدة: ما كنت لأبدأ عهدي في الإسلام بالخيانة وواصل مسيرته حتى وصل إلى مكة ودعا أشراف أهلها وقال: يا أهل مكة هل بقى لأحدكم شئ عندي؟ قالوا: لا وجزاك الله خيراً قال: أشهدكم إني آمنت بدين محمد فالدرس الأول الذي نستوعبه من الهجرة النبوية وما أحوج شبابنا جميعاً إليه الآن بل إننا للأسف نستمع هنا وهناك أن هذا هو الخلق القويم لدى الأمم المتمدينة وهو أولاً وقبل كل شئ خلق نبي الإسلام وخلق الإسلام في كل زمان ومكان هو التخطيط السليم بالأسباب التي في استطاعتنا وما دام الإنسان يخطط على حسب استطاعته فإن الله يعينه بقدرته كما أعان حبيبه ومصطفاه في رحلة الهجرة على أن أخطط على حسب وسعي وطاقتي وإمكاني وجهدي واستخدم كل ما هو متاح لي من طريق حلال وبعد ذلك يقول لي رب العزة{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} لكن أكف عن التخطيط وامتنع عن المذاكرة وأقول ما قدره الله يكون، وما اختاره لي سيتحقق هذا ليس توكلاً على الله لكنه تواكلاً وسلبية حاربها الله، ونهى عنها رسول الله
الدرس الثاني: أن المؤمن لابد ألا يفرق بين العادات والأخلاق والمعاملات في ظلال الإسلام فإن كل ما أصاب مجتمعنا من تدهور في الأخلاق ومن سوء المعاملات في الأسواق ولدى التجار ومن انتشار النفاق وصفاته وأمراضه سبب ذلك كله هو ضعف اليقين وعدم الاستمساك بكلية هذا الدين يظن الإنسان أنه أدى ما عليه لله إذا حافظ على الفرائض في وقتها وصام شهر مضان وتلا القرآن أو تمسك بالأشياء والسنن الظاهرة ربى لحيته وجعل له عدبة طويلة واستخدام السواك كل هذا خير لكن لابد مع ذلك كله من مكارم الأخلاق ومن حسن المعاملات الإسلامية وإلا خبروني لو أن تاجراً يغش في وزنه أو في كيله أو في سعره أو في بضاعته ويؤدي العمرة في شهر رمضان كل عام ويحج بيت الله الحرام كل عام هل ينفع حجه وعمرته؟كلا لقول النبى{لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَه}[2]وفى الأثر المشهور{الدين المعاملة} فلا يقبل الله من يصلي في الليل ولو ألف ركعة ثم في الصباح لا يتورع عن الكذب ولو في مباح لأن ديننا لا يعرف كذبة بيضاء وأخرى حمراء أو سوداء فقد قال النبى{إِني لأَمْزَحُ وَلاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقّاً }[3] حتى المزاح لا يكون إلا في الحق وبالحق
عن عبدِ الله بنِ عامرٍ قالَ{جاءَ رسولُ الله بَـيْتَنَا وأَنَا صَبِـيٌّ صغيرٌ، فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ فقالتْ لِـي أُمِّي: يا عبدَ الله تعالَ أُعْطِيكَ، فقالَ رسولُ الله: مَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قالتْ: أَرَدْتُ أَنْ أُعْطِيَهُ تـمراً قالَ: أَمَا إِنَّكِ لو لَـمْ تَفْعِلـي لَكُتِبَتْ علـيكِ كِذْبةً}[4] إن من يستاك بالسواك يفعل فعلاً طيباً لكن الأطيب منه من يطهر فمه عن الغيبة والنميمة والسب والشتم والقذف واللعن وهذه الأقوال الخبيثة التي تخرج من فيه، لكن الذي يستاك ثم يسب أو يشتم أو يلعن أو يغضب فإنه لم يدرِ الحكمة النبوية من استخدام السواك عند رسول الله ديننا لا يفرق بين ثلاثة أمور: العبادات، والأخلاق والمعاملات. فمن قال أنا على خلق طيب؟ والمهم طهارة القلب وتكاسل عن الصلاة نقول له هذا لا ينفع إذا كان خلقك طيباً وقلبك طاهراً فلماذا تتباطئ عن نداء الله؟ولماذا لا تؤدي الصلاة لتفوز بحق الله ولا تندم على ذلك يوم القيامة؟ومن حافظ على الصلاة وارتكب ما لا يحله الله في أخلاقه ومعاملاته مع عباد الله نقول له قال النبى{مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ الله إِلاَّ بُعْداً }[5]فالذي يستبيح الرشوة بحجة أنه يحتاج وأن دخله لا يكفيه نقول له: هذه حجة واهية والذي يستبيح استغلال الناس بحجة أنه ينفق هذه الأموال على الدعوة الإسلامية أو طباعة الكتب الدينية أو نشر الشرائط الإسلامية نقول له قال الحبيب{إِنَّ الله طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً}[6] والرسول كان هو المثل الأعلى في الأمانة في بعثته وفي هجرته قد يقول له البعض:كيف تصل إلى منصب مرموق بدون التزلف والتقرب لكبار المسئولين كان هذا هو الدرس الرابع فإن الرسول لما تمسك بهذه الفضائل حماه الله بأشياء قد لا نعيرها بالاً حماه في الغار بشجرة نبتت فوراً على باب الغار فسدته وأمر العنكبوت الضعيف{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ}أن تنسج على هذه الشجرة بيتاً لها وكلف حمامتين أو يمامتين وحشيتين غير مستأنستين أن تصنعا عشاً في الحال وتبيضا فيه فستره عن الكفار بأشياء لا تخطر على البال وعندما لحق به فارس منهم والتفت سيدنا أبو بكر وقال: يا رسول الله أدركنا الطلب فقال{لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} سخر الله له الأرض ونزل الأمين جبريل وقال: يا محمد الله يقرئك السلام ويقول لك الأرض طوع أمرك فمرها بما شئت فالتفت إلى الفارس وفرسه وقال: يا أرض خذيه فانشقت الأرض وأمسكت بالفرس وبقدميه أكثر من مرة والأرض تتلقى الأمر منه لأن الله أعزه وأمر الكل أن يكون طوع أمره لأنه تمسك بدين الله وبأخلاق الله ولم يتنازل قدر أنملة ولم يتزحزح عن مبدأه طرفة عين ولا أقل ثم زاد الله في إكرامه وزاد الله في إعزازه لأن من يتمسك بهدى الله يعزه الله{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}فدخل المدينة مُعززاً مُكرماً{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}لنعلم علم اليقين أن الذي يتمسك بهدى الله مهما واجهته الفتن ومهما تعرض للمحن ومهما أحاطت به الظروف لابد أن يؤيده الله ويعزه الله وينصره الله فتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً قال النبى{لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ}لماذا خرج رسول الله في الليل؟ ولماذا اختبأ ولم يتوجه مباشرة إلى المدينة ويأخذها في لحظة؟ أو في لمح البصر؟لماذا ؟من أجل أن يعطي الفرصة للضعفاء وهذه هي السنة التي علمها الله للهداة المهديين والعلماء العاملين في كل زمان ومكان وهي:
{ أقدر القوم بأضعفهم فإن فيهم الكبير والسقيم والبعيد وذا الحاجة }[7]وليس في التقدير عند المشى فقط أو الحركة فقط بل يتجاوز ذلك بل الذي يصلي قال له{ إِذَا صَلَّىٰ أَحَدُكُمْ بالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّىٰ أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ}[8]هذه هي السنة أن نأخذ الناس باليسر فكان يأخذ نفسه بالعزيمة والقوة ويأمر غيره باليسر اسمعوا له إذ يخاطب سيدنا أبا هريرة قائلاً{يا أبا هريرة إذا كنت إماما فقس الناس بأضعفهم} وفي لفظ { فاقتد بأضعفهم }[9]وعلَّم أصحابه على هذه الطريقة الإلهية وعلى هذه الهداية الربانية حتى يكونوا صورة من رحمة رسول الله للخلق أجمعين وخذوا مثالً آخرا فى أمر أذق كيف يتعامل أححدنا مع زوجته ؟ قد كان عندما يريد أن يخلد للنوم عند السيدة عائشة ينام على سريرها ويتغطيا بغطاء واحد ثم يقول لها{ " يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي }[10]وفى رواية :{ أئذنى لى ياعائشة أن أتعبد لربى الليلة؟}يستأذنها لا ينهرها ولا يقول لها سوف أقوم الليل فلماذا تنامي؟ سوف تذهبن إلى جهنم تعالِ معي أويضربها وإنما يأخذ نفسه بالأشد ويتركها على راحتها لأنها أدت فرض الله أما السنن فالأمر فيها على السعة فمن قدم فيها فإنما يقدم لنفسه ومن أخر فربما لعذر لا أعلمه أنا وتلك هى السنة وليس كل إنسان يستطيع أن يتحدث بعذره فإن الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة كان يخرج ليصلي الجُمع والجماعات وكان يشيع الجنازات ويعزي المصابين وبعد فترة ترك الجماعة وكان يصلي في منزله ولا يخرج إلا للجمعة وترك تشييع الجنازات وطبعاً أشبع من المريدين القيل والقال ولما اقترب خروج روحه وبجواره أعز تلامذيه قال لهم: لو لا أن هذه الساعة هي التي أقابل فيها الله ما حدثتكم عن عذري وكان تلاميذه عندما يسألونه قبل ذلك يقول لهم: (ليس كل عذر يستطيع الإنسان أن يتحدث عنه) والمؤمن كما ورد فى الأثر: { المؤمن عذري}يعني يلتمس العذر لإخوانه المسلمين قالوا له: ما الذي منعك؟ قال: أنا مصاب بسلس البول منذ كذا وكذا سنة وإذا حضرت إلى المسجد فإن الناس لا يتركوني أتخلف عن الإمامة، والإمامة لا تجب في حقي ماذا يفعل؟إذا قال عندي سلس البول لا يصدقونه سيقولون إنه تواضع أو إنه متكبر لكنه أباح بهذا العذر عند خروج روحه لإخوانه حتى تنشرح صدورهم ويعلمون أن الأئمة الهداة لا يتحركون ولا يعملون عملاً صغيراً أو كبيراً إلا على نور من الله
[1] رواه البزار عن أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
[2] رواه البيهقي في سننه وابن حبان في صحيحه عن أنس ورواه الطبراني في الكبير وصاحب مسند الشامين عن أبي أمامة.
[3] رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عمر والخطيب عن أنس.
[4] سنن البيهقى الكبرى .
[5] رواه السيوطي في الفتح الكبير عن ابن عباس.
[6] رواه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والدارمي في سننه والترمذي والسيوطي في الفتح الكبير عن أبي هريرة.
[7] رواه الشافعي في مسنده وكذا الترمذي وحسنه، وابن ماجه والحاكم
[8] أخرجه أحمد والشيخان والترمذي عن أبي هريرة بألفاظ متقاربة.
[9] المقاصد الحسنة للسخاوي، عن أبي هريرة
[10] صحيح بن حبان عن عطاء
.................................................. ............................................
هذه المشاركات من كتاب الخطب الإلهامية فى الهجرة ويوم عاشوراء
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...C1&id=48&cat=3
.................................................. ..............................
الهجرة معاني وأسرار
انشغل بالي بأمر هذه الهجرة العظيمة والنعمة الكريمة التي أكرم بها الله حبيبه ومصطفاه وأكرم الله بها المهاجرين والأنصار المعاصرين لسيدنا ومولانا رسول الله ونحن لم نحضرها رغماً عنا لأننا لم نكن ولدنا ولا خلقنا في ذلك الزمان وفي هذا العصر والمكان ولكن ما ذنبنا؟نحن نريد أن نهاجر ونريد أن نحصل ونحصل على ثواب المهاجرة وعلى ثواب المناصرة ماذا نفعل؟ ترى باب الهجرة قفل أم لا زال مفتوحاً؟فوجدت بفضل الله أن باب الهجرة مفتوح لكل عبد من عباد الله يؤمن بالله ويتبع سيدنا ومولانا رسول الله سواء كان العبد متعلماً أو جاهلاً، موظفاً أو فلاحاً رجلاً أو امرأة فالكل مطالب ليس بهجرة واحدة وإنما بهجرات كثيرة لكن ليست كما حصرها البعض أن تكون من مكان لمكان لا النبي قال هجرة المكان انتهت{لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ}[1]يعني هجرة معنوية وهجرة روحانية وهجرة بالمعاني الإيمانية وليس بالحركات والجوارح الجسمانية مثل ما بعض الناس فسروها وأولوها وخالفوا بذلك كلام رسول الله وهذه الهجرة من أين؟ وإلى أين؟كل واحد فينا مطالب أن يهاجر من النواهي التي نهى عنها الله إلى الأوامر التي أمر بها الله. هذه هجرة لابد منها وبصيغة أخرى نحن مطالبون أن نهاجر من المعاصي وأماكن المعاصي وكل ما يقرب من المعاصي إلى الطاعات وأماكن الطاعات وكل ما يقرب إلى الله من أعمال صالحات كل مؤمن مطالب بهذه الهجرة سواء كان جاهلاً أو عالماً رجلاً أو أمرأة أو شاباً فالكل مطالب أن يهاجر من المعاصي إلى الطاعات. ومن الأماكن التي بها المعاصي إلى الأماكن التي بها الطاعات وهذا ما وضحه الرسول وبين طريقه وسبيله وقال فيه{المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ، والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه }[2] هذا هو المهاجر وكلنا نريد أن نحصل على هذا اللقب ونسمى عند الله مهاجرين فالمهاجر عند الله في زماننا هذا من هجر(أي ترك)ما نهى الله عنه قلنا أن الهجرة للمؤمنين والمؤمنات قائمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها لكنها هجرة معنوية بعد أن كانت في عصر سيدنا رسول الله هجرة مكانية من مكة إلى المدينة وأنواعها كثيرة لكن أصولها ثلاث: هجرة بأمر الله من المعاصي والمخالفات إلى الطاعات.
وهجرة بفضل الله من الدنيا إلى الآخرة وهجرة بتوفيق الله من الدنيا والآخرة إلى وجه الله فالهجرة الأولى هي ترك المعاصي خوفاً من عذاب الجحيم والهجرة الثانية فعل الطاعات طمعاً في ثواب الله في جنات النعيم والهجرة الثالثة هي التقرب إلى الله بالتخلق بأخلاق الله رغبة في مزيد فضل الله وجميل عطاياه لعباده المؤمنين الموحدين فالذي لا يزال جالساً في المعاصي وهو في المعاصي لا يكون في الدنيا في حالة تلبسه بالمعاصي بل يكون في الجحيم لأن العمل الذي هو فيه باب مفتوح إلى الجحيم قال تعالى{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}كيف تراها؟ أنت عندما تعلم علم اليقين أن هذه المعاصي هي الطريق والباب للجحيم تكون نفس المعصية هي النار والجحيم ولأجل ذلك قال النبى{ لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ }[3] وهو في هذا العمل يكون عاصياً ويكون من أهل الجحيم والعياذ بالله فهو إذا في هذا العمل يكون متلبِّساً ومجرماً وعليه فصريح أمر الله له أنه عندما يخرج من هنا وينهي مدته وهو داخل من جمرك الدنيا إلى الدار الآخرة أول ما يصل إلى الدار الآخرة يقبضون عليه ويقولون له: تعال فيقول إلى أين؟إلى دار المجرمين هذا مثل الذي فعل شيئاً وظن أنه هرب لكن أين يهرب من الله؟إذا الهجرة من المعاصي هي الهجرة الأولى التي يقول رسول الله في صاحبها{المهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}[4] فقد هاجر إلى الآخرة لأنه ترك الدنيا وترك المعاصي والهجرة الثانية من الدنيا إلى الآخرة فالدنيا هي الأعمال الدنيئة التي لا تليق بالمؤمن سميت الدنيا من الدنو والدناءة فكل عمل دنئ لا يليق بالمؤمن عمله يهاجر منه إلى الطاعات فيصير إلى الآخرة ومن أهل الآخرة؟ هم الملائكة. وما أعمال الملائكة؟{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }فالذي يراهم يجد منهم الذي يسبح الله والذي يقف يذكر الله والذي يقف يقدس الله والذي يتلو كتاب الله والذي يستغفر الله ليس لأنفسهم لكن لنا{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا} يا سبحان الله ربنا وظفهم يستغفرون لنا فكأنهم موظفون عندنا ومن هم؟ حملة العرش وليس الملائكة العاديين وحملة العرش الرسول يقول في الواحد منهم { أُذِنَ لِي أَنْ أحَدِّثَ عن مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ الله تَعَالَى مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمَائَةِ عَامٍ }[5]ومع ذلك فالله سخرهم لكي يستغفروا لي ولك لكي تظهر مكانتك أنت عند الله وتعلم أنها ليست مكانة هينة أو عادية وإنما هي مكانة عظيمة جداً جداً فلأجل أني مهاجر إلى الآخرة مثله فأترك الأعمال الدنيئة التي ذكرناها كاللعب واللهو وأكون ليس لي بها شأن فأما غيري الذي يلعب إذا كان يلعب على نقود يكون من أهل الجحيم لأن هذا هو القمار وإذا كان يلعب على غير نقود فهو من أهل الغفلة ومن أهل الذنوب ومن أهل الدنيا لأن هذا يقول فيه رسول الله{اللاَّعِبُ بالنِّرْدِ كَوَاضِعِ يَدِهِ في لحْمِ الخِنْزِيرِ وَالنَّاظِرُ إِلَيْها[الكوتشينة الطاولة الدومينو] كَواضِعِ يَده في دَم الخِنْزير }[6]ودم الخنزير طاهر أم نجس؟إنه أنجس النجاسة فالذي يلعب ويقول: الكلب راح الكلب جاء أو شيش بيش كل هذا كغامس يده في دم خنزير لأن هذا في اللعب والمؤمن ليس لديه وقت لهذا الكلام ليس لديه وقت للعب ولا للزينة ولا للتفاخر والتكاثر إذا أين يكون المؤمن؟نجده مع كتاب الله أو نجده يذكر الله أو نجده ينصح عبداً من عباد الله أو يزور مريضاً طلباً لمرضاة الله أو يشيع جنازة ابتغاء وجه الله هذا هو عمل المؤمن يتقلب في الطاعات{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}أي يتقلب مع الساجدين دائماً وبهذا يكون في عمل الآخرة ومثل هذا من أهل الآخرة.
الهجرة الثالثة : وهي لرجل ثانٍ قال ماذا أفعل بالآخرة؟سوف أذهب إلى هناك والذي حرمت منه هنا أجده هناك لكن أنا يعجبني شئ ثانٍ فليست تعجبني الجنة والذي فيها أنا يعجبني الأخلاق العظيمة الكريمة التي يعاملنا بها الله انظر كيف نعصي ونغفل ونجهل وهو حليم علينا وتاركنا؟ وما يفتأ يرزقنا وينعم علينا ويستر علينا فيقول أنا أريد أن أكون حليماً مثل الحليم الواحد يبعد عنه سنين ويلطخ نفسه بالمعاصي والطين ويرجع يقول له: أنا تبت فيقول وأنا قبلت ما هذا العفو العظيم؟أنا أريد أن أكون عفواً مثل عفوه لا أركب رأسي ويقولون لي فلان جاء يعتذر إليك وأقول له يدفع خمسة عشر أو عشرين ألف يا أخي إن رسول الله قال{ مَنْ أَتَاهُ أَخُوهُ مُتَنَصلاً [معتذراً] فَلْيَقْبَلْ ذٰلِكَ مِنْهُ مُحِقّاً أَوْ مُبْطِلاً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُ لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الْحَوْضَ }[7]، يقول أنا ليس لي شأن بهذا الكلام يا أخي ما دام جاء إليك ويقول لك أنا أعتذر لك، ألا ترى أن الذي خلقه ورباه وكلأه بنعماه ويعصاه وهو يراه لكن أنت لم تره أو تسمعه وإنما أحد أبلغك أنه قال في حقك كذا. لكن هو سامعه ويراه وعندما يقول له تبت، يقول له وأنا قبلت ولما ينشط العبد ويصطلح مع مولاه يفرح به الله وهو الغنى عنه فرحا يقول فيه الحبيب يقول الله للملائكة اعملوا له فرح عندكم{لله أَفَرْحُ بِتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ قَدَ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ فِي أَرْضٍ مُهْلِكَةٍ، يَخَافُ أَنْ يَقْتُلَهُ الْجُوعْ }[8]وهل ربنا يحتاج من العبد شيئاً؟هل ينفعه العبد أو يقدم له شيئاً ؟ لكن هو يعلمنا نحن أن نقول{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}حتى لو لم أكن أنا فى ظاهر الأمر أو فى تقديرى الشخصى الدنيوى ورؤيتى القاصرة والمحدودة محتاجٌ إلى من جاء ليصالحنى .. أو لو كنت غنياُ عنه فيجب علىَّ أن أفرح بالصلح عندما يأتي أحد يصالحني علىَّ أن أفرح له تعالَ ياأخى قال لنا النبى{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ[طفل يشد لجام الجمل فيمشي وراءه مع أن الجمل لو هاج لا يقف أمامه سبعة رجال لكنه سبحانه وتعالى حليم] وإن استنيخ على صخرة أناخ }[9]لا يطلب شيئاً ليناً ينيخ عليه والمؤمن نفس النظام إذا قيل له اصطلح فإنه يقول على بركة الله لايطلب شروطاً أو غيرها ويريد أن يقيم الدنيا أو يقعدها ليقبل أن يصطلح مع أخيه فالشروط ليست مع المؤمنين وهو يريد أن يتخلق بخلق العفو و خلق الجود يبحث عن الأشياء التي فيه فيجد أن الله جبله عليها كيف ذلك{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}في أصل خلقته كان ظالماً وجاهلاً ماذا يفعل؟يغير الظلم ويغير الجهل كان ظلوماً جهولاً إذا لم يحافظ على الأمانة كما طلب الله وكما أراد الله وحملها الإنسان أي حملها باختياره ولم يقل حملناها وإنما هو الذي حملها وهو الذي طلب وما دام طلب حملها فإذا لم يقدر أن يقوم بها يصير جاهلاً ما الأمانة؟أعظم أمانة أنت وأنا حملناها هى(لا إله إلا الله محمد رسول الله) أخذناها رغماً عنَّا أم باختيارنا؟ باختيارنا أنا قلتها إذاً لابد أن أقوم بحقها قال رسول الله{مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ الله مُخْلِصَاً دَخَلَ الجنَّة، قِيلَ: وَمَا إِخْلاَصُها؟قال: أَنْ تَحْجزَهُ عَنْ مَحَارِمِ الله}[10]ما معنى هذا ؟أي أن يحرم ما حرمه الله ويعمل بما أمره الله به فأنت عندما اخترت لا إله إلا الله، واخترت الإسلام، لم يعد لك عذر في أن تترك خردلة من تعاليم الإسلام ولم يعد لك عذر في أن تقع في أي بند من بنود المحرمات التي حرمها الإسلام بعد نطق هذه الكلمة لست حراً ولذا هذه قائمة بالمحرمات وهذه قائمة ثانية بالمستحبات وهذه قائمة ثالثة بالفرائض التي إن لم تفعلها نسجنك، أنت اخترت لا إله إلا الله محمد رسول الله انتهى الأمر فالإنسان من أي صفات يا ربَّ خلقته يقول{وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } أي يحب أن يجادل دائماً وماذا يفعل يا رب؟ مع المؤمنين لا جدال ومع الآخرين يكون بالحسنى{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}لا بالشدة ولا بالسيف وإنما بالتي هي أحسن الحجة بالحجة افرض مع الشدة قال لا إله إلا الله هل يريد الله هذا الإيمان؟ لا إنه قال {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}إن لم يدخل عن اقتناع فالله لا يريده والاقتناع يكون الحجة بالحجة أما المؤمنون فقد قال رسول الله{أَنَا الزَّعِيمُ بِبَيْتٍ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلاَهَا، وَبِبَيْتٍ فِي أَسْفَلِهَا لِمَنْ تَرَكَ الْجِدَالَ وَهُوَ مُحِقٌّ وَتَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ لاَعِبٌ وَحَسُنَ خُلُقُهُ لِلنَّاسِ }[11] إذاً لماذا نهى الله عن الجدال؟قال النبى{ مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ }[12] فالجدل دليل على غضب الله ولذا فالمؤمنون لا يتجادلون أبداً وإنما يتناقشون ويتناظرون والمناظرة التي يقول فيها سيدنا الإمام الشافعي{ما ناظرت أحداً وأحببت أن يخطئ بل أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه من اللّه رعاية وحفظ وما كلمت أحداً قط وأنا أبالي أن يظهر الحق على لساني أو لسانه }[13]تريد أن تصل للحق لكن المجادل يريد أن يكون هو الذي غلب بالباطل أو الحق وهذا الأمر لا ينفع لأننا سوف نخرج أعداء لذلك نهى الله عن الجدال وطلب أن يتخلص المؤمن من الجدال{وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً}قتوراً يعني بخيلاً وربنا اسمه الكريم. إذاً يهاجر فوراً من البخيل إلى الكريم إذاً الهجرة الثالثة كيف يهاجر العبد فيها؟ يترك أخلاقه ويتخلق بأخلاق الله قال النبى{ إن الله يحب من خَلقِهِ من كان على خُلُقِه }[14] فهذا يحبه وهو غير الذي يكافئه على الطاعات والصالحات فيعطي لهم مكافئة وهي قصور وحور في الجنة، لكن الذي يحبه له وضع آخر إذا من الذي يحبه؟ الذي يتخلق بأخلاقه وما المراد بأخلاقه؟قال النبى{إِنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مائَةً غَير وَاحِدٍ مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الْجَنَّةَ }[15]فأنت إذا هاجرت الهجرة العالية الكبيرة فالله تعالى يبدل صفاتك بصفات من عنده وأخلاقك بأخلاق من لدنه والذي يصير على هذه الشاكلة.. ماذا له من مكافأة عند الله؟لهم مكافأة يقول فيها الله: { أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَىٰ قَلْبِ بَشْرٍ }[16] للجماعة المؤمنين الذين يأخذون المكافأة على عملهم الصالح لكن الجماعة المقربون لهم عند ربهم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فهؤلاء لا يجالسون إلا ملك الملوك وهناك فرق كبير بين الذي يجلس مع جارية أو خدم أو حشم أو فى النعيم الذى أنت تريده وبين الذي هو جالس مع الملك نفسه فرق كبير بين الذي ينزل ضيفاً على رئيس الجمهورية فيقول أنزلوه قصر الطاهرة وانظروا ماذا يريد من طعام وشراب لكن أنا ليس عندي وقت لكي أقابله فهل يتلذذ هذا بأكل أو شرب؟لكن الثاني يقول أنا أقابله الساعة كذا أو الثالث يقول أنا لا أستغنى عنه اجعلوه معي ليلاً ونهاراً فالذي يدخل الجنة ويتمتع بالحور والقصور والولدان لكنه لا يحظى ولا يتمكن من رؤية الحنَّان المنَّان يبقى في عذاب كأنه عذاب أهل النار عذاب اسمه عذاب الحجاب وعذاب الصدود وعذاب الإعراض {وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}فهو نوع من أنواع العذاب المعنوي إذا فالذي لا ينظر الله إليه في نوع من أنواع العذاب لذلك الجماعة المؤمنون مثلما يقول النبي يأتون لهم بالحور والمتع فيقولون لا نريد هذا ماذا تريدون؟ والذي يكلمهم الله من علياءه مع تنزهه عن المكان والزمان والحيطة والإمكان فيقولون تركناها أحوج ما نكون إليها في الدنيا أي كنا نريد الطعام والشراب في الدنيا ولماذا كنا نصوم ولماذا كنا نزهد؟ فيقول لهم وماذا تريدون؟يقولون وعزتك وجلالك لا نريد إلا وجهك أنت متعتنا !وأنت مسرتنا وأنت هناؤنا وأنت حبورنا لأن هؤلاء الجماعة الذي هاجروا من أخلاقهم إلى أخلاق الله فكانوا متصفين بصفات الله على قدرهم وليس بصفات الله على قدر كمالات الله وعلى قدر جمال الله ولكن على قدرهم وعلى قدر اتساع ما عونهم وعلى قدر معرفتهم بأخلاق الله فلذلك عندما ننظر المقام العالي الذي مدح الله به النبي نجده قال له مخاطبا{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}أي أنت على خلق الله لأن العظيم هو الله وأنت على خلقه إن المؤمنين في هجرتهم إلى الله على ثلاثة منازل: إما واحد يجاهد نفسه لكي لا يقع في الذنوب والعيوب وهذا يجاهد ليهاجر من المعاصي إلى الطاعات وهذا يوم القيامة من أهل{أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}أي ليس لهم شأن بجهنم ولا طريقها ولا عملها والمؤمن الثاني نفسه لا تحدثه بالمعاصي لكن تحدثه بالغفلة أو باللهو أو باللعب أو بالراحة فيقول لها أنا لا أضيع وقت لأن الدنيا عمرها قصير وكل نفس يحاسبني عليه العلي الكبير أنا أريد أن تكون أوقاتي كلها في الطاعات والقربات{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }هذا يوم القيامة مثل ما يقول الله{لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ}لهم ما يشاءون عند ربهم في الآخرة الجماعة المقربين يريدون أن يكونوا في مقعد صدق عند مليك مقتدر فتقول لهم نفوسهم نريد أن نأخذ لنا مقعداً من مقاعد الصدق أو نجلس على كرسي من الذهب أو نجلس على منبر من نور أو نجلس على كرسي المجد المهم نكون في المكان الذي يقول فيه النبي العدنان{أهل الكثيب في جنة عدن يتراءون ربهم كما تتراءون القمر في ليلة التمام}[17]فالجماعة الذين يجلسون على الكثيب يرونه والذين يجلسون على الأرض أيضاً يرون والذي على كرسي ينظر لكن كل واحد على حسب منزلته وهؤلاء هم المعنيون بقوله {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}فالذين أمر الله نبيه أن يصبر نفسه معهم يقول فيهم: هؤلاء الذين معك هناك هم أصحابك هنا عندنا{لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } لهم الذي يريدونه وزيادة وما الزيادة؟قال: الزيادة اجعلوها عندي لأنكم لا تعرفونها{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ولمن الزيادة؟ للذي على مثل أخلاقه حتى نحن في البشر أنت تجالس من؟ الذي مثلك مع الفارق الكبير بين تشبه العبد بصفات العلي الكبير وبين ظهور هذه الصفات في العلي العظيم عز شأنه لكن كونك أنك تتشبه بصفاته فهذه تستوجب محبة الله ورضاه عنك لأنك تحاول أن تكون على نهج صفات الله وأخلاقه ها هو موقف المؤمنين الصادقين والمقتصدين والمقصرين وكلهم كما قال الله ورثة لكتاب الله{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [وهم أنتم جماعة المؤمنين]{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}
[1] متفق عليه والحديث برواية مسلم عن عائشة رضي الله عنها وقد رواه احمد والترمذي والنسائي عن ابن عباس
[2] متفق عليه من حيدث ابن عمر
[3] أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه.
[4] متفق عليه من حديث ابن عمر
[5] رواه الطبراني عن أنس وأبو داود والضياء عن جابر.
[6] رواه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجة عن أبي موسى رضي الله عنه,
[7] أخرجه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[8] سنن النسائى الكبرى عن أبى هريرة، وررد فى روايات عديدة باختلاف ألفاظ.
[9] أخرجه البيهقي والقضاعي والعسكري عن ابن عمر
[10] رواه الطبراني من حديث زيد بن أرقم.
[11] للطبراني في الكبير عن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما
[12] أخرجه الترمذي وابن ماجة عن حديث أبي أمامة
[13] فيض القدير للمناوى
[14] رواه الطبراني عن أنس رضي الله عنه.
[15] رواه البخاري مسلم والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة.
[16] أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة عن رسول الله فيما حكاه عن ربه
[17] رواه الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة.
.................................................. .................................................. ........................
هذه المشاركات من كتاب الخطب الإلهامية فى الهجرة ويوم عاشوراء
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...C1&id=48&cat=3