عندما سئل الأديب الإنجليزي الشهير وليم شكسبير عن العوامل والظروف التي تصنع العظماء والقادة فأجاب ( إنهم يولدون عظماء ) وعندما سئل القائد الشهيد عبد المنعم رياض عن القادة وهل الإنسان يولد قائد بطبعه فأجاب ( إن القادة لا يولدون بل يصنعون ، يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة) ورأيي الشخصي أن إجابة عبد المنعم رياض كانت أكثر دقة وواقعية وموضوعية من إجابة شكسبير والتي أهملت دور العلم والعمل في صناعة القادة والعظماء .
وفي كتابه ( كيف تصبح عظيماً ) للدكتور عادل صادق رحمه الله يقول في مقدمته ، إن العظيم هو من كانت له رسالة نبيلة من أجل المجتمع ، فلا تكون عظيماً إذا كانت أحلامك وطموحاتك تدور حول نفسك فقط ، والعظيم هو من يسجله التاريخ في صفحة العظماء ويهمل التاريخ الأناني والنرجسي حتى وإن كان نجماً ساطعاً متألقاً فالعظيم هو من يستطيع أن يدخل قلوب الناس بإخلاصه وإنسانيته وتواضعه
وينهي الدكتور صادق مقدمة كتابه بالقول ، إن التواضع ليس أن تنكر قدراتك ولكن التواضع هو أن تحترم قدرات الآخرين وألا تتعالى عليهم ، فالله لا يجب كل مختال فخور .
والعظيم الحقيقي لا يبحث عن النجاح الخارجي المتمثل في جائزة أو وسام أو منحة مالية أو منصب رفيع مصحوباً بتصفيق وتهليل الناس له ، بل يبحث عن النجاح الداخلي لك النجاح الي يكون مع الله ، مع النفس ، مع الغير ، يجد ويتعب كي يرى نتاج نجاحه وصدقه يترجم إلى أعمال خالدة تنعكس بالإيجاب على حياة المحيطين به ، بل وغير المحيطين به .
لذلك لا عجب في أن يستحق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لقب أعظم العظماء والخالدين لأن أعماله وأفكاره الموحاة إليه من السماء أسهمت بشكل مباشر ليس في تقدم قومه الذين كانوا يعيشون في ظلمات الجهل والتخلف والضياع فحسب بل في تغيير حياة وفكر العديد من الامم التي جاءت من بعده ،فكانت رسالته هي البوابة التي أخرجت العالم من الظلمات إلى النور ثم إستكمل أصحابه وأتباعه بعد ذلك المسيرة مستلهمين قوتهم من القرآن المنزل عليه من رب السماء والأرض ومن سنته الشريفة التي ترجمت حياته وأفعاله .
ووبالبحث والتدقيق في سجلات وصفحات التاريخ المصري فسنجده ملئ بكثير من الصفحات المضيئة عن الأبطال والعظماء ، في جميع المجالات وليس المجال العسكري وحده ، منهم من يعرفهم الأغلبية منا كالشهيد عبد المنعم رياض والزعيم أحمد عرابي ومصطفى كامل ومحمد فريد واللواء أحمد حمدي وغيرهم ومنهم من لا يعرفه البعض منا كالبطل احمد عبد العزيز .وغيره من أبطال الأدب والعلم والرياضة .
وبناءً على ما سبق فإن هذا الموضوع هو محاولة لتسليط الضوء على بعض اللمحات من حياة هؤلاء العظماء حتى نوضح الدور الذي يمكن أن تلعبه العوامل التي أشار إليها القائد الشهيد رياض في حديثه عن صناعة العظماء والقادة وكيف أنهم لا يخرجون إلى الوجود كطفرة أو حالة إستثنائية بل نتاج مجهود وعرق وعمل من أجل البشرية والأوطان وأيضاً كيف أن هؤلاء العظماء لم تنحصر طموحاتهم وأحلامهم حول شخصهم فقط ولكنها إمتدت لتشمل المجتمع المحيط بهم ، بل والمجتمع الإنساني ككل.
هذا من ناحية أما الناحية الأخرى فإن هذا الموضوع هو رد على كل من تسول له نفسه أن يدعي أن مصر قد عقمت عن إنجاب القادة والعظماء حيث ان الدولة التي أنجبت مصطفى كامل وأحمد عرابي وسعد زغلول قديماً وعبد المنعم رياض وأحمد حمدي وغيرهم من الأبطال حديثاً قادرة على الإستمرار في إنجاب الأبطال والقادة ما دامت قد توفرت العوامل والظروف المؤدية لذلك من علم وعمل وإدارة وقبلهم إرادة .
لذا في هذا الموضوع سنستعرض وبشكل ملخص حياة خمسة ممن بحثوا عن النجاح الداخلي ولم تنحصر طموحاتهم حول شخصهم فقط فإستحقوا أن يسجلوا في صفحات العظماء لما حققوه من إنجازات سنستعرضها مع سيرتهم الذاتية والشخصيات الخمسة هم :
عبد المنعم رياض في المجال العسكري
أحمد زويل في المجال العلمي
عبد الحليم محمود في الدين
زكي نجيب محمود في الفكر والفلسفة
صالح سليم في الرياضة
ولنبدأ بالشخصية محور الحديث ، القائد الشهيد عبد المنعم رياض