للكاتبه
بدرية البشر
تجمع التقارير الصحافية العربية الصادرة من صنعاء ومن الجزائر ومسقط وجدة على أن شبابنا المراهقين وحتى صغار السن وأطفالنا غارقون في بركة استهلاك الألعاب الالكترونية حتى النخاع، مسلوبين بمتعة اللعب مسحورين بقيم النصر المزيف وتمجيد العنف، مما يؤثر في شكل العلاقات الاجتماعية، ويضعف مستواهم التعليمي. وفيما يظن البعض ان الخليجيين هم فقط الأكثر عرضة لهذه المظاهر السلبية بسبب توفر عامل القوة الشرائية والبذخ، فإن المصري المهاجر للخليج يشتكي هو الآخر من أن ابنه «يعمل جمعية» ليشتري واحدة من هذه الألعاب ويشترك فيها مع آخرين.
المجتمعات التي أنتجت هذه المنتجات، لا تشتكي بقدر ما نشتكي، نحن، صحيح أنها تشكل لديهم ظواهر جديدة، وأسلوب حياة، لكنها لا تسيطر عليهم، ولاتقهرهم ولا تتحكم فيهم مثلما تفعل بنا. فلا نجد أطفالهم في العاشرة والتاسعة يحملون موبايلات آخر موديل بكاميرا ديجتل وبلوتوث و «واي فاي» أو بلاك بيري وكمبيوتر محمول.
أرسلت مرة ابني المراهق ليعيش مع عائلة أميركية لسنة دراسية كاملة في برنامج تبادل الثقافات العالمي، أول ما فعلته العائلة الأميركية أنها سحبت الهاتف المحمول من يده، وتركت له هاتفاً مشتركاً يحمله معه متى أراد الخروج، ويظن أنه يحتاج إليه، وهناك ساعة واحدة فقط يومياً لاستخدام الانترنت. وفي المدرسة يتعلم أضرار الكحول والمخدرات نفسياً وبيولوجياً، وضرورة احترام الأديان والأعراق، والبحث عن مكامن قدراتك الفردية ورعايتها. أصبح ابني يقص العشب في الصيف ويكشط الثلج في الشتاء، ويكنس البيت أسبوعياً، ويركض ساعتين كل يوم في ملعب الكرة ويتدرب، لأن العائلة الرياضية التي يعيش معهم تصحو كل صباح وتسبح ساعتين في مسبح البلدة، وتكسب الميداليات، وهي تعرف أن مراهقاً لايلعب أي نوع من الرياضة يشكل خطراً على نفسه وعلى المجتمع.
ترى لماذا لا تشتكي المجتمعات المصنعة لهذه المنتجات مما نشتكي نحن؟ على سبيل المثال، لماذا لا ترتفع نسبة حوادث المرور في البلدان مخترعة السيارات، كما هي في بلدان الخليج؟ لأننا ببساطة نصر دائماً على أن نستورد المنتج ونرفض معه القيم التي انتجت هذه المنتجات التي نعترف أنها متقدمة ومفيدة وضرورية. نستورد السيارة ونشتريها لأبنائنا من دون الثامنة عشر هدية نجاحهم فيما نحرم أمهاتهم من قيادتها لأنهن نساء، ونغضب من أصدقائنا أو أقربائنا إذا ما تهاونوا في التوسط لنا في المرور، للقفز على قوانين السرعة. البيئة العربية السلبية تتدحرج لكن باتجاه القاع، ولأن قدرتنا العربية تتجلى في اللغة فنحن وحدنا من يجيد قلب الحقائق لغوياً فنجعل من القاع مجداً وانتصاراً إلهياً وفلاحاً.