اختفاء العائلة الكبيرة.. سبب.. العنف ضد الأطفالتحول العنف ضد الأطفال إلى ظاهرة تمثل لغزاً محيراً لدى العديد من الباحثين والمهتمين بقضايا المجتمع بعد ان تعددت حالات التعدي على الأطفال والتي وصلت في العديد من الحالات إلى حد الموت ولم تعد الظاهرة تقتصر على بلد دون الآخر أو تنتشر في وسط اجتماعي معين وهو ما دفع مراكز البحوث الاجتماعية لدراسة الدوافع والأسباب المؤدية اليها مابين أسري أو مهني أو اجتماعي خاصة وان دراسة عالمية للأمم المتحدة أكدت ان عدد الأطفال الذين يتعرضون لمشاهدة العنف المنزلي يصل إلى 275 مليون طفل غير ان الدراسات أشارت إلى انه من غير المعلوم عدد الأطفال الذين يؤثر فيهم هذا العنف، ناهيك عن عدد الأطفال الذين يقع هم العنف بالفعل بصورة مباشرة. ويرى د. هيثم شبايك أخصائي ورئيس قسم الطب النفسي في مستشفى خورفكان ان انتهاك حقوق الطفل يشمل أكثر من جانب منها الأسري والتمي والمهني والاجتماعي حيث تنتشر الظاهرة بصورة اكبر داخل المجتمعات التي تفتقد إلى التنظيم النفسي والاجتماعي، وعلى النقيض من ذلك تماماً فإن وجود الوالدين والعائلة ونظام اجتماعي وقانوني محدد وفعال تؤدي في النهاية إلى حماية حقوق الطفل وسلامته النفسية والبدنية.
الكائن الأضعف
ويضيف ان اتساع حجم الظاهرة يعود إلى انتشار الحروب والكوارث الطبيعية وتراجع دور العائلة الكبيرة إلى مستوى الأسرة الصغيرة ( أب ـ أم ـ أبناء ) وهو مادي إلى حدوث انهيار في التركيبة الاجتماعية والإنسانية للمجتمع والتي يكون أول ضحاياها الطفل باعتبار انه يمثل الحلقة الأضعف والكائن الذي يفتقد القدرة الدفاع عن حقوقه أو المطالبة بها ذلك عكس الإنسان البالغ القادر على الدفاع عن نفسه وحقوقه.
كما ان وجود العائلة الكبيرة فيما مضى «العم والخال والجد إلى اخره» كان يخلق حول الطفل عدة حلقات من الحماية والأمان في حالة غياب الأب والأم أو وفاة احدهما حيث كانت العائلة الكبيرة تتولي هذا الدور، ولكن ما حدث هو ان الأسرة أصبحت تقتصر على الأب والأم والأطفال خاصة في المجتمعات المتقدمة التي ينشغل فيها الوالدان بالتزامات الحياة اليومية إضافة إلى تحقيق طموحهما المادي والمهني وهو ما اثر بالتالي على عناصر الحماية للطفل.
وأضاف انه من الملاحظ ان العنف ضد الأطفال ينتشر أكثر داخل الطبقات الفقيرة بسبب غياب الوعي الجمعي وتقلص دور العائلة والميل إلى العنف في التعامل بين هذه الشريحة وهو ما يعني بالطبع الجور على الأضعف فالأضعف لأن العنف في مثل هذه الطبقات أشبه بالسلسلة وهو ما ينتج عنه في النهاية ظاهرة أطفال الشوارع، كما انه كلما قل المستوى الاجتماعي والحضاري زاد مستوى الانتهاك لحقوق الطفل من الناحية التمية والتربوية.
المواجهة
ويحذر د. هيثم من محاولات بعض الأسر إخفاء حالات الاعتداء على أطفالها سواءً كان ذلك الاعتداء جسدياً أو جنسياً لأن هناك اعتقادا خاطئا لدى البعض بأن إخفاء ذلك من شأنه ان يؤدي إلى الحفاظ على الطفل والحقيقة ان الأسرة في هذه الحالة تحافظ على ماء وجهها هي لا على الطفل.
وفيما بعد فإن مثل هذا التصرف هذا النحو سوف يؤدي إلى إفراز شخصية مضطربة حسب نوع الاعتداء وحجمه واستمراريته ويتدرج مابين الشخصية السيكوباتية والشخصية العنيفة الميالة إلى إيذاء الآخرين أو الشخصية الانطوائية بأنواعها المختلفة وفيما بعد تتحول الحالة إلى مرض نفسي حقيقي قد يؤدي إلى تدمير مستقبل هذا الطفل.
ويضيف ان المفروض في مثل هذه الحالات ان تقوم الأسرة بمواجهة المشكلة بكامل قواها من خلال استشارة المختصين الطبيب النفسي ـ الهيئات الاجتماعية ـ الجهات القانونية المسؤولة كما يجب الالتزام بنصائح المختصين وتوصياتهم خاصة في المراحل الأولى من الأزمة فالأطفال الذين يتعرضون للاختطاف أو الكوارث الطبيعية والبشرية «وفاة احد الوالدين» قد يؤدي إلى إصابتهم باضطراب نفسي» اضطراب ما بعد الصدمة اذا لم يتم التعامل مع المشكلة في بدايتها واحتوائها بصورة طبيعية حيث ان ذلك يؤدي إلى تلف الإرادة الشخصية للطفل.
كما انه يجب الأسرة أو العائلة في حالة تعرض الطفل لأية اعتداء جسدي في المدرسة عدم المبالغة في رد الفعل حتى لا يتحول الطفل إلى شخصية مكروهة من جانب المجتمع المحيط به وزملاء الدراسة العكس من ذلك يجب التعامل مع المدرسة بالذات كونها عنصراً مساعداً ولابد من منحها مساحة للتعامل وعلاج مثل هذه المشاكل اذا كان الاعتداء مرتبطاً بالمدرسة.
وأشار إلى انه لابد من متابعة الأطفال بصورة دائمة ومستمرة سواء كانوا في المدارس أو النوادي أو أماكن الترفيه التي قد يتواجد فيها الطفل بعيداً عن الأسرة.
نظرية الإسفنجة
وحذر د. هيثم من العنف الأسري بين الزوجين لأن الطفل مثل الاسفنجة يمتص ويتأثر بكل ما هو محيط به مهما كان سنه صغيرا وبالتالي فإن العنف بين الزوجين والمشاكل الزوجية المختلفة ورغم انها واردة في كل بيت فإنه يجب علاجها بحكمة وبعيداً عن الأطفال وفي اطار خاص حتى لا تؤدي إلى مزيد من المضاعفات، حتى العنف بالكلام الذي يراه الزوجين مجرد زوبعة في فنجان يترك تأثيره الطفل إلى مالا نهاية ويؤدي إلى تعميق شعوره بعدم الأمان نتيجة تلك الخلافات واللغة المستخدمة فيها وعدم فهم الطفل للإبعاد الحقيقية لتلك الخلافات.
دور الخادمة
ويضيف انه يجب عدم المبالغة في الاعتماد دور الخادمة داخل الأسرة مهما بدا منها من استعداد واهتمام أو ذكاء أو قدرة احتوائية تربية الأطفال، أولاً لأن هذه الخادمة لن تستمر مع الأسرة إلا لفترة محددة بالإضافة إلى ان معظم ان لم تكن غالبية الخادمات قادمات من مستويات اجتماعية قد تكون متدنية في بلادهم كما تلعب الضغوط النفسية التي تتعرض لها بسبب بعدها عن أبنائها أو طريقة التعامل معها داخل المكان أو البيت الذي تعمل به، وهو ما ينعكس في النهاية تعاملاتها مع الأطفال.
اخترته لكم من مفضلتي