... كثيرة هي الحالات التي تعترض سير حياة المراهقين ، ومتداخلة مع بعضها إلى درجة يصعب تفسير حالة منها بمعزل عن الحالات الأخرى ، وإذا كان من الصعب حصر تلك الحالات فمن الصعب أيضاً إيجاد حل واحد لكل حالة أو قضية من حالات وقضايا المراهقين لتعمم على مجموعهم .
إلا أن ذلك لا يعني استحالة تطبيق مبادىء وقوانين اجتماعية تشكل أساس انطلاق نحو حل مشاكل وقضايا المراهقين .
وإذا أحببت أن أنطلق في هذه الدراسة البسيطة نحو تفسير أسباب جنوح الأحداث فإني أتيت هنا لألقي نظرة شمولية فقط وإذا داخلتها بعض التفاصيل فما هي إلا لإلقاء الضوء على حالات عامة .
ـ لا يمكن القول أن حالة واحدة من حالات الجنوح يمكن تفسيرها بمعزل عن غيرها من الحالات :
فإذا كنا نريد أن نفسر أسباب جنوح الحدث نحو السرقة مثلاً ، فهل نستطيع أن نقول بأن السبب في ذلك هو ضيق ذات اليد ؟ أم أنّ الجنوح نحو السرقة مرتبط بمجموعة من الحالات التي نسميها حالات جنوح قد لاتصل في خطورتها إلى السرقة ولكنها تشكل درجات سلّم تكون السرقة أعلى درجاته ؟؟
ـ كما أننا أيضاً لا نستطيع أن نفسر سبباً من أسباب الجنوح بمعزل عن أسباب الجنوح الأخرى :
فإذا كانت علاقة الابن الجانج مع أسرته سبباً من أسباب الجنوح فإننا لا نستطيع أن نرد جنوحه إلى هذا السبب فقط وبمعزل عن علاقة الحدث بمدرسته ورفاقه أي الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه .
وأيضاً الصحة النفسية والجسدية التي ترافق حياة الحدث ..
ويوجد سبب رئيسي لأسباب الجنوح وهو سبب بارز بلا ريب وهو دور الدولة في القضاء على الجنوح وعلاج أسبابه ، فكما أنّ الجانح ينتمي إلى أسرة يفترض فيها راعيته ، فإن الدولة هي الجهاز الذي ينعكس نشاطه على مجموع الأسر في المجتمع وبالتالي على أبناء هذه الأسر ، وهي مسؤولة لأن عليها دوراً كبيراً في تحديد السلوك العام الإجتماعي لدى المراهقين إن لم يكن الدور الأول ، ومهما كانت القوانين التي تهتم برعاية الأطفال والأحداث رائعة فإن شخصية القائمين على تطبيقها تلعب دوراً بارزاً في إفشال أو نجاح هذه القوانين عند وضعها موضع التطبيق .
كم هي معقدة تلك العلاقات الاجتماعية عندما أتأملها بعد أن قطعت مسافة من العمر وعندما أخوض في قضية حدث ما أحاول أن أجد لها المخرج المناسب .
إن الأطفال والمراهقين يعتقدون ( كما عندما كنا صغارا) أنّ رحلة العمر أمامهم طويلة جداً وأن هذه الحياة ستكون شيقة وجميلة أو شقية ومعذبة وذلك من خلال وضع أسرهم المادي الذي يسمح لهم بتحقيق رغباتهم ، ومن خلال علاقاتهم بالمدرسة وزملاء الدراسة ، وفي هذه المرحلة تلعب فكرة الشقاء والنعيم في ذهن الطفل والمراهق دوراً بارزاً في تحديد نمط سلوكه على المدى البعيد عبر الحياة .