بسم الله الرحمن الرحيم
وقفة على أطلال رمضان
محمد بن حسن
وقفت على مشارف العيد ..أقلب صفحات رمضاني المنصرم .. أودعها الوداع الأخير قبل أن تطوى فلا تنشر وتنسى فلا تذكر إلا يوم لا ينفع مال ولا بنون .
قرأتها فوجدت أولها مليئا بالأمل البراق والهمة المشرقة والعزيمة المحرقة فما أتيت على آخرها حتى بان لي ضياع سعايتي وبوار تجارتي .. خرج الصالحون بأثواب غير الأثواب ونفوس غير النفوس .. وخرجت أجر ذيول حسرتي و ألملم بقايا ندامتي
ولا أملك في مثل هذه اللحظات إلا أن أهنئ الجميع بقدوم العيد السعيد ..
وأخص منهم البعض فلهم تزف أرقى التهاني وتبث إليهم أرقى وأسمى التبريكات
فهنيئاً للعاكفين في المقاهي القائمبن في الملاهي الممسكين عن القرآن المفطرين على الضحكات والمسلسلات
هنيئا لمن نام نهاره فلاذكر ولا قرآن وسهر ليله فلا صلاة ولا قيام ...
هنيئاً للمجتهدين في متابعة كل جديد وممتع في عالم الفضائيات المزدهر في رمضان ...
هنيئاً لصاحب الهمة العالية والعزيمة العاتية والاجتهاد المطلق إذ لم تشغله الصلاة والذكر وانكباب الناس على قراءة القرآن وتلاوة الذكر عن الحرص على متابعة جميع حلقات مسلسه المفضل ... فلم تفته حلقة ولا بعض حلقة ولم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وقد وعاها وأحاط بمعناها واستمتع بمغناها ....
هنيئا لكل من سكب دموع الحزن والأسى على لقطة مبكية وحادثة مشجية حدثت لأحد ابطال مسلسله ... هنيئا له مشاعره الصادقه ودموعه الحارة وعواطفه الجياشة ومشاركته لإخوانه الممثلين حزنهم وأساهم ...
هنيئا لكل من رفه عن نفسه وخرج عن جو الخشوع والروحانية الذي يغشى الناس في هذا الشهر وجاهد نفسه ليمنعها من الخوض في بحر التخشع و الخضوع لله رب العالمين ، حيث استشعر خطورة الخشوع وخاف من تتابع الدموع فحصن نفسه بحصن منيع من الضحك أمام البرامج الفكاهية و كحل عينيه بزينة المتزينات وجمال الساقطات حتى لا تخرج منها دمعة خشية أو توبة في صلاة التراويح (( لا سمح الله !!!))...
وهنيئا لكل من لم يتأثر بغياب شيطانه عن حياته فناب عنه خير نيابة وأحكم أسر نفسه بقيود الشهوات وأغلال الملذات خوفاً عليها من أن تحلق في سماء الخشوع والتبتل و حرصاً عليها من أن تتخطفها يد التوبة (( لا سمح الله )) فأسعد إبليس في أصفاده ورد الابتسامة على وجهه ورسم ملامح الفرح والطمئنينة على محياه المقفر ،ولسان حاله يقول : لا تخف ولا تحزن يا إبليس ، فإني على سالف العهد باقٍ ولن تثني عزيمتي كل هذه المواعظ ولن تستطيع زعزعة غوايتي جند الرحمة والهداية ، فقر عينا في قيدك ونم مطمئن البال ،أسأل الله أن لا ينقض هذه الخلة التي بيننا أبد الدهر حتى نلتقي بك في أسفل سافلين مع العصاة والكافرين والملاحدة والمنافقين في خير مجمع لنا ...
هنيئا لكل من فرط ...هنيئا لكل من عربد ...هنيئا لكل من غرد في روضة المعاصي في رمضان ...فطار مع عصافير الغفلة في ربيعها... وجمد عن الطاعات جمود الأمواه في صقيعها...
هنيئا لكل من لم يحزن على فراق هذا الشهر العظيم ...
هنيئا لكل من شنف أذنه بسماع كلام الشيطان ، فحال دونها ودون التلذذ بلقرآن...
هنيئا لكل فاجر ...هنيئا لكل عاهر ...هنيئا لكل فاسق لم يمنعه رمضان من الاستمتاع بعشيقته ،والنوم على سرير كبيرته ،والتنعم بمعاقرة خمرته ...
هنيئاً لكم دموع الندامة يوم القيامة ... هنيئا لكم ضياع أجر جوعكم وظمئكم ... هنيئا لكم السير في مقدمة ركب الخاسرين و السبق إلى موارد المحرومين ... هنيئا لكم المؤخرة .. هنيئا لكم ضياع الآخرة .. هنيئا لكم التخلف عن الأنبياء . هنيئا لكم مخالفة الأولياء .. هنيئا لكم مشابهة الأشقياء
أنتم احق الناس بالفرح بالعيد ...فمن لم يعرف قدر رمضان كيف له أن يحزن على فراقه
سبق السابقون ... وبلغ المؤملون ... وبقينا في غفلتنا ... نرزح في قيود شهواتنا ... ونسبح في بحار لذاتنا... ذهب ألم الجوع والعطش ..والقيام والسهر .. والأجر باق ... وذهبت لذة المنكرات .. وانقضت حلقات المسلسلات .. ومضت ضحكة الفكاهيات ... وبقي الإثم والوزر ... فرحماك رحماك يا أرحم الراحمين.
أسأل الله ان يجعلنا من المقبولين ... وأسأله ان يعيننا على تدارك ما بدر منا من تقصير في شهره.. وتفريط في جنبه .. إنه ولي ذلك والقادر عليه