الشذوذ الجنسي، الظروف والعوامل النفسية، الأسباب والحلول:
دور الأم:
ينشأ بين الطفل وأمه ارتباط عاطفي مفرط ، تغذيه الام بحنانها الزائد ، وبالغلو في حماية ولدها وتدخلها بكل شاردة وواردة في حياته . ينتج عن ذلك أن هذا الولد ، إذا كبر ، يجد صعوبة في التحول من أمه الى نساء أخريات ( خاصة و إن الأم ، في هذه الحالات ، إذ أصبح ولدها مراهقا و بدأ يهتم في الجنس الآخر ، تحاول بشتى الطرق مكافحة اهتمامه هذا وتحويله عن الفتيات ، بحجة المحافظة عليه ، متعامية عن أن ما يدفعها في العمق الى مثل هذا السلوك انما هو رغبتها المستترة في الاستئثار به ) . هكذا لايبقى أمام هذا الولد إلا سبيل التماهي بأمه ( ليحتفظ بها في داخله ) و إشباع نزعته الجنسية من خلال علاقات يقيمها مع ذكور مثله يخلد معهم علاقته العاطفية بأمه فيحاول أن يمنحهم ( أو بالأحرى أن يمنح ذاته من خلالهم ، لأنه يتخذهم صورا عنه ) المد العاطفي الذي كان يتلقاه من أمه والذي لايزال متشبثا به .
وقد يكون الدافع الى الشذوذ الجنسي ، محاولة المرء الذي تربطه بأمه هذه العلاقة العاطفية المفرطة ، أن يهرب من هذا الرباط الطاغي الذي يهدد بإغراقه وتذويبه . وذلك برفضه للمرأة عامة ، التي لايسعه أن يرى فيها إلا صورة الأم الكاسحة ، مما يدفعه الى إ‘شباع ميله الجنسي مع الذكور حصرا . تقول الكاتبة فرنسواز مليه _ جوريس عن أحد الشبان الشاذين جنسيا ، وعن ارتباط ذلك بعلاقته بأمه : ((أوليس كونها غالت بحبها له، كان السبب في شدة رغبته بأن يهرب من عالم الحب ، كما يصر المرء على التنفس؟))
دور الأب:
يلعب اضطراب العلاقة بالوالد، دورا مكملا لدور العوامل السابقة. ذلك أن للأب في الأصل ، ما يُسمى ب((وظيفة فاصلة)) fonction separation بالغة الاهمية بالنسبة للنمو السوي للطفل، وهي عبارة عن أن حضوره المعنوي في حياة كل من الأم والطفل ، يجعل حائلا دون اندماجهما معا كما كانت الحال قبل الولادة ، والى حد ما في الفترة التي تليها مباشرة . كأنه يقطع بحضوره هذا ، حبل السرة النفسي الذي لايزال يجمع بينهما بعد أن انقطع اثناء الولادة حبل السرة العضوي ، فيستقل الاثنان احدهما عن الآخر ويتحرر الطفل من طغيان ارتباط آسر بأمه .
ولكن هذه الوظيفة الأبوية تتعطل ، اذا توارى الاب عن حياة الطفل ، من جراء غيابه الجسدي أو المعنوي ، أو بفعل ضعف شخصيته ، أو نتيجة لاستعباده من قبل أم مسترجلة تحتل وحدها المساحة كلها ، مما يجعل الأب عاجزا ، في هذه الحالات عن الحد من غلو تعلق الطفل بأمه ، الذي رأينا دوره المحتمل في نشأة الميل الى الجنس نفسه .
هذا وقد كون الوالد دافعا أيضا الى الشذوذ الجنسي إذا تراءى لابنه بصورة مرعبة ، ساحقا ، قامعا بشكل مفرط للعلاقة الاوديبية الطبيعية التي تقوم بين كل طفل ذكر وأمه ، بحيث يمتد هذا القمع ليشمل كل ميل الى الجنس الآخر ( وهو الميل الذي تشكل العلاقة الاوديبية بين الطفل وأمه ، بين السنة الثالثة والسنة السادسة ، اول تجربة له ) . هذا الوالد يصبح بالتالي محرما على ابنه ان يتمتع بصفة الذكورة و أن يقيم أي علاقة أنثوية أيا كانت ، مما لايترك له ، بصدد اشباع نزعته الجنسية ، إلا مجال الاتصال بالذكور ، الذين يجد أيضا ذكورة يتمثلها بعد أن حرم من التماهي بها في شخص والده بسبب تصدع العلاقة بينهما .
وهناك أيضا ظروف أخرى غير ظروف الطفولة ، تتدفع المرء الى الشذوذ الجنسي ، ومنها الصعوبات التي يصادفها المراهق في إقامة علاقات حميمة مع الجنس الآخر . فالفتاة تبدو للمراهق عالم غريبا عنه بالكلية وقد يبدو لهذا السبب محفوفا بالمخاطر . ولكن أكثر المراهقين يقدمون ، على هذه المجازفة ، مجازفة مواجهة هذا العالم المجهول الذي تدفعهم إليه نزعتهم الجنسية المتيقظة بفعل التحولات الجسدية المراهقية . لكن بعضهم قد تعوزه الثقة بالنفس التي تفترضها قفزة من هذا النوع هؤلاء من يعانون من طبع خجول فيتهيبون بنوع خاص الانقياد الى النداء الغريزي الذي يدفعهم الى الجنس الآخر ، فينطوون على أنفسهم ، وتزداد حدة هذا الانطواء إذا أقدم هؤلاء على تجربة وفشلت . علما بأن الارتباك الذي يعاني منه الخجول يزيد من احتمالات هذا الفشل . عند ئذ فقد يجد هؤلاء التسوية لاشباع نزعتهم الجنسية دون المخاطرة بالخروج من الذات للقاء آخر مختلف بالكلية فيلجؤون الى علاقة جنسية تربطهم بآخر ، إنما بآخر يكون على شاكلتهم ، ذكرا مثلهم ، فيجدون فيه صورة لأنفسهم يألفونها ويطمئنون إليها . يشير الطبيب المعروف الدكتور h.broclman رئيس قسم الدراسات النفسية في جامعة كامبردج ، أنه ينبغي عدم التسرع في تشخيص شذوذ جنسي مقيم , قبل أن يبلغ الشخص المعني الخامسة والعشرين من عمره ، ذلك أن كثيرين من الشبان الذين كانوا يمارسون الشذوذ في حوالي العشرين من عمرهم ، تخلوا عن هذه الممارسة بعد أن صادفوا امرأة تناسبهم .
الشذوذ الجنسي في المجتمع العربي،أسبابه :
1-الفصل بين الجنسين ، والذي لا يزال قائما الى حد كبير في مجتمعنا، والذي يشكل أرضية صالحة لتحول النزعة الجنسية الى المثل. يذكر الدكتور جيلبر توردجمان ، بهذا الصدد، حصيلة اختبارات قام بها الباحث jenkins . فقد فصل ، في مختبره عددا من الجرذ ، بموجب جنسها، ولاحظ ، نتيجة لذلك، أن النزعة المثلية برزت لديها بنسبة امتداد فترة الفصل، بحيث انه، اذا تواصل هذا لفترة طويلة، اختفى لديها الميل الى الجنس الآخر ، ولم يعد بعد اعادة الاختلاط . ويضيف توردجمان أن المثلية تعاظمت في كل الحضارات التي عزلت المرأة عن مجتمع الرجال، مثلا في الحضارة اليونانية القديمة و---؟
2-التربية الجنسية القمعية:
التربة الجنسية القمعية، والتي لا تزال سائدة في مجتمعاتنا الشرقية ، من شأنها أن تذكي النزعة المثلية، ذلك أن القمع الذي تتعرض له النزعة الجنسية (يبدأ ذلك منذ اوائل العمر) وتأثيمها والتخويف منها، من شأنها أن تغذي ذلك التهيب التلقائي من الجنس الآخر ، في فترة المراهقة، يلازم بروز الانجذاب اليه، وأن تذكي بالتالي نزعة الى الانكماش على افراد من الجنس نفسه، سعيا الى التنفيس عن الغريزة المتيقظة. بهذا المعنى ينبه الطبيب النفسي البريطاني d.j.west الى أن الوالدين المغالين في القمع قد يدفعون اولادهم الى الشذوذ ، نتيجة الافراط في تحذيرهم من الجنس، وتهديداتهم أو عقوباتهم بشأنه.
ويقول الدكتور a.overing عن التربية القمعية،موضحا أن المحاولة الشائعة لضبط الحياة الجنسية بالركون الى اثارة القلق والخوف، من شأنها أن تنشئ موقف احتماء من الجنس قد يُترجم أحيانا بالجنسية المثلية.
محاربة الشذوذ الجنسي:
آ-اعادة الاعتبار للجنس السوي:
ينبغي اعادة الاعتبار للجنس السوي، وذلك بأن يُتاح لهذا أن يتخذ سائر ابعتده ، فيستعيد بذلك تكامله ، وبالتالي قدرته على انعاش الانسان واسعاده . هذا يفترض أن يبرز الاهل والمربون ووسائل الاعلام ذلك الارتباط غير المنفصم، الذي يتميز به الجنس الأصيل ، بين الرغبة والحنان.
ان اعادة الاعتبار هذه للجنس السوي تقتضي ايضا ، في مجتمعنا بالذات، الابتعاد عما لا يزال شائعا فيه من قمع وتأثيم للجنس . واعتماد تربية جنسية مقوماتها، منذ الطفولة. التوعية بدل من التعتيم. المواجهة بدل من التجاهل. تهذيب النزوات بدل من محاولة سحقها.
ب- اسناد دور أكبر للوالد في الأسرة :
ينبغي أن يعاد للأب كل حجم الدور الذي لا بد أن يعود له في أسرة متوازنة . هذا ما يستبعد خطر طغيان العلاقة بين الأم وولدها، ذلك الطغيان الذي يعد من الأسباب الرئيسية للشذوذ الجنسي . حضور الوالد لا يخفف فقط من خطر استئثار الام لولدها ، ولكنه يضعف لديها الرغبة بهذا الاستئثار ، من جراء الاشباع العاطفي الذي يمنحها اياه حضور زوجها الى جانبها.
ج- تحرير المرأة:
نصل الى النتيجة نفسها من خلال تحرير المرأة ، بافساح المجال أمامها للعمل خارج المنزل، باحاطتها بشتى مظاهر الاعتبار، باطلاق مبادرتها في شتى الميادين. فاذا استعادت المرأة ملء انسانيتها عبر تحررها هذا، لم يعد من دافع يدفعها الى التعويض عن انتقاصها واحباطها، بالتشبث المفرط ، الاستيلائي، بولدها، مما يحرر هذا الأخير ويبعد عنه خطر الشذوذ الجنسي.
د-ازالة الفصل بين الجنسين:
مكافحة خطر الشذوذ تقتضي ايضا ازالة الفصل بين الجنسين الذي يمارسه مجتمعنا. وهذا لا يعني الاختلاط العشوائي الذي تنطلق فيه النزوات على سجيتها ، بل تشجيع علاقات بين الجنسين مسؤولة ، مبنية على التعارف والتبادل والتعاون والاحترام المتبادل، مما يفرض رعاية لهذه العلاقات ووجود مرشدين اجتماعيين واعيين الى جانب الشبان والفتيات ، يوجهون بوعي وتفهم ومرونة وخفر خبراتهم الاولى في هذا المجال. ولا بد من الانتباه الى أن الاختلاط ليس مرادفا للاباحية ، كما يظن أصحاب النيات السيئة، بل انه اذا مورس بشكله الصحيح ، افضل وسيلة لتهذيب النزعة الجنسية.د
المصادر:
sigmund freuid: un souvenir d enfance de leonard de vinci(1910 trad l allemand et annote par janine atounian
s.fruid psychologie colective et analyse du moi 1920
s. fruid : sur quelques mecanismes nevrotique dans la jalousie,la paranoia et l homosexuealite 1922
kart abraham: esquisse d une histoire du developpement de la libido basee sur la psychnalyse des troubles mentaux 1924
منقول