ألا هاج قلبي العام ظعنٌ بواكر = كما هاج مسحوراً إلى الشوق ساحر
سليمى وهندٌ والرباب وزينبٌ = وأَرْوى وليلى صِدْنَني وتُماضِرُ
كواعب أترابٌ كأن حمولها = من النَّخلِ عُمْريُّ النخيلِ المَواقِرُ
تعلّق ديباجٌ عليهنَّ باجلٌ = وعقلٌ ورقمٌ يملأ العين فاخر
دخلن خدوراً فوق عيسٍ كنينة ً= كما كنست نصف النهار الجآذر
من الهيف قد رقت جلوداً تصونها= وأَوْجُهها قد دَقَّ منها المَناخِرُ
تلوث فروعاً كالعثاكيل أينعت = عناقيدُها وابيضَّ منها المحاجِرُ
كُسْينَ من الألوانِ لوْنا كأنَّهُ = تَهاويلُ دُرٍّ يَقبلُ الطيبَ باهِرُ
عِتاقٌ جوازي الحسن تُضحي كأنَّها= ولو لم تُصِبْ طيباً لآلٍ عَواطِرُ
إذا ما جرى الجادي فوق متونها = ومِسْكٌ ذكيٌّ جفّفتها المجامِرُ
لَهُنَّ عيونُ العِين في صُوَرِ الدُّمى = وطرْفٌ ضعيفٌ يَسْتبي العَقْلَ فاتِرُ
أبانت حصيداً عن يمينٍ وياسرت = وسارت وفيها عن رماحٍ تزاور
فَظِلْتُ وفي نفسي همومٌ تنوبُني = وفي النفسِ حُزْنٌ مستسرٌّ وظاهِرُ
عَساكرُ من وَجْدٍ وشَوْقٍ تنوبُني = إذا رفهت عني أتتني عساكر
وإن قلت هذا حين يسلى حبائبي = أبى القلب أن يسلى الذي هو ذاكر
فلو أن حياً مات شوقاً صبابة ً = لقام على أوصالي العام قابر
عفت دمنة ٌ منهن بالجو أقفرت = كأنْ لم يَكُنْ فيها من الحيِّ سامِرُ
تبدت بها الأرواح كل عشية ٍ = وغير آيات الرسوم الأعاصر
وغيثٌ سماكيٌّ ركامٌ سحابه = دَلوحٌ من الوَسْميِّ بالماءِ باكرُ
يبيت إذا أبدى بروقاً كأنها= سيوف زحوفٍ جردتها الأساور
كأنَّ طُبُولاً فوقَ أعجازِ مُزْنِهِ = يُجاوبُها من آخِرِ الليلِ زامِرُ
كأنَّ حنينَ وُلَّهٍ في سحابهِ = يُجاوبُها خُلْجٌ وَعُطفٌ جَراجِرُ
لهُ زِبْرِجٌ: برق ورعدٌ كأنَّهُ= مزامير جونٌ هيجتها مزاهر
فغيّر رسَم الدارِ من بَعْدِ عُرْفها= أجشُّ هزيمٌ يحفِشُ الأُكْمَ ماطرُ
يَبيتُ يَصُبُّ الماءَ صَبّاً ويَنْتحي = لهُ نَزَلٌ فيه تُجَرُّ حَضاجِرُ
فأزلق ورلاناً فبالأكم أعصمت = وقد زلقت من الضباب الجواحر
كساها رياضاً كالعهون عشية ً = لها صبحٌ مثل الدرانيك ناضر
إذا اكْتَهَلتْ واعتمَّ أزواجُ نبتها = نما بعده بقلٌ تؤامٌ وزاهر
عفت غير ظلمانٍ كأن نعامها = إذا راعها رَوْعٌ إفالٌ نوافرُ
بِها النُّؤيُ والمشجوجُ بالفِهْر أُسُّهُ= وآرِيُّ أفْراسٍ بِها وأياصِرُ
وسُفْعٌ ضَبَتْ أنصافَها النارُ رَكَّدٌ = وأورقُ هاب كالحَمامة ِ داثِرُ
فهيّجَ دمعي رَسْمُ دارٍ كأنَّهُ = وحي السلام فالدموع بوادر
وحبك ما لا تستطيع طلابه = ومن لا يُجِدُّ الوصْلَ، داءٌ مُخامِرُ
ويهماء يجري آلها فوق أكمها = كما فاض ماءٌ ألبس الأكم غامر
إذا الشمس كانت قم رأسٍ سوية ٍ= وظلّتْ تُساميها الحرابي الخواطرُ
تجشّمتُها حتى أَجوبَ سَرابَها = ومن يعْملِ الخيراتِ أو يُخطِ خالياً
بناجية ٍ أجدٍ كنازٍ كأنها= إذا رُدَّ فيها الطَّرْفُ فحلٌ عُذافِرُ
تمد الزمام والجديل إذا مشت = مواشكة ٌ غلباء كالبرج عاقر
بأتلع كالجذع السوادي طوله = نفى الليفَ عَنْهُ والكرانيفَ ناجِرُ
وطالَ شَواها ثُمَّ تَمَّ نَصيلُها = وقد طال منها خطمها والمشافر
عَلَيْها من الفِتْيانِ جَوّابُ قَفْرة ٍ = وأبيضُ هنديٌّ من العُتْق باتِرُ
وحلسٌ عليه نسعتان ونمرقٌ = وكورٌ علافيٌّ من الميس قاتر
أقضي عليها حاجتي وأردها = مَنيناً كما رَدَّ المنيحَ المُخاطِرُ
وتعجبني اللذات ثم يعوجني = ويسترني عنها من الله ساتر
ويَزْجُرني الإسْلامُ والشيبُ والتقى = وفي الشِّيْبِ والإسلامِ للمرءِ زاجِرُ
وقُلْتُ وقد مَرَّتْ حُتوفٌ بأهلِها: = ألا ليْس شيءٌ غير ربّي غابِرُ
هو الباطن الرب اللطيف مكانه = وأول شيءٍ ربنا ثم آخر
كريمٌ حليمٌ لا يعقب حكمه= كثير أيادي الخير للذنب غافر
يُنيمُ حصادَ الزَّرْعِ بعدَ ارْتفاعِهِ = فَتَفْنى قُرونٌ وَهْوَ للزَّرْعِ آبِرُ
ومن يعيَ بالأخبار عن من يرومُها = فإنّي بما قد قُلتُ في الشعر خابِرُ
ألا أيها الإنسان هل أنت عاملٌ = فإنك بعد الموت لابد ناشر
ألم تر أن الخير والشر فتنة ٌ = ذخائرُ مَجْزِيٌّ بهنَّ ذخائرُ
فإنْ عُسْرة ٌ يوماً أضرّتْ بأَهْلِها = أتت بعدها مما وعدنا المياسر
ونازلِ دارٍ لا يُريدُ فراقَها= سَتُظْعِنُهُ عمّا يُريدُ الجَرائِرُ
ومن ينصف الأقوام ما فات قاضياً = وكل امرئٍ لا ينصف الله جائر
يُعَذَّرُ ذو الدَّيْنِ الطلوبُ بِدَيْنهِ = وليس لأمر يظلنم الناس عاذر