نداء غريق مغمض عينيه يرقد بجواره قلب محطم...
ساق الموج صوتا حانيا نحو شاطئ الحياة ..
يبحث عن الوفاء الغريق بين الأموات " لا يوجد أحياء ! ..
وانعدم الوفاء " همس الصوت حزينا ..
وصفعته الأمواج تاركة حبات من الدمع على وجنة القمر ...
وقف الصوت عن البكاء ..
ومسحت المياه ذرات الرمال ...سحبت الشمس بقية شعاعها..
ولملمت نفسها متجهة نحو المغيب .. حامت طيور البحر برحلتها الأخيرة ..
وتوجهت إلى أعشاشها مودعة شمس الغروب .. انطفأت مصابيح النجوم ..
وساد الكون هدوء.. وظلام شديد.. إلا من زفرات الأنين ...
وقف وحيدا شامخا .. يتأمل الرحيل بلا وداع وقلبه يتفطر حزنا كاتما نشيجه ..
تخترق صور الماضي وذكرياتها عينيه المحدقتين
في الأفق لعل طائرا من تلك الطيور تؤوب إليه .. ولكن ما من مجيب .. ر
غم نداءاته العديدة ...
انكب على وجهه وقد أثخنته الجراح بين رمال الشاطئ ومياه المحيط العاتية :
ليتك يا بحر قلبا تسمع الأنين ..
ما فعلت غير أني كنت لك خليل..
أفي المياه تغرقني .. وتقتل القلب العليل ...
أهذا الوفاء منك يا حبي .. يا شاطئي الجليل ..
دعني ارحل مع الراحلين ... حاملا قلبي الحزين ..
كاتما الألم الدفين .. لم اعد احفل بالحياة ..
إني راحل بلا أسف .. وداعا .. وداعا ..
هاجت الأمواج غضبا .. وزأرت الرياح ألما ..
واجتمعت الغيوم تترا ..
وتنادت العواصف .. يجلدها البرق بسوطه ..
وغطى القمر وجهه خوفا..
وهلعا ..وصبت الغيوم أمطارها بغزارة ..
وتدافعت الأمواج ثانية تحمل الغريق نحو
بريق أمل على شاطئ الحياة ..
ترافقه حورية البحر الساحرة تضئ له الطريق ،
همهمت قائلة:-
مسكين هذا الغريق .. عاش وحيدا بلا أمل ..
لم يعرف الحب يوما .. ولم يجد له أنيس ..
فارق الخلان بحثا عن وفاء بلا حدود ...
رافق الوحش في الغاب .. والطير آب إليه ..
توسد الأرض والشجر ، والتحف الغيم والمطر ..
جاب البراري والسهول.. والوهاد والجبال ..
قلبي يبكيه وروحي تناديه .. عيناي لا تفارقه..
تشحن قلبي بحبه .. طاقة عجيبة تملأ نفسي ..
أنا لا أحس بغيره .. ولا أحب سواه ..
عد أيها الملك الغريق .. عد إلى الحياة ..أيها الحبيب..
لتجدني بجوارك .. أحنو عليك .. فأنا التي عنها تبحث..
.. ولو كنت من غير جنسك وعالمك ..
فالقلب ينبض بالوفاء .. ويرنو للسعادة والهناء..
نبض القلب الراقد في الجسد الممدد على الشاطئ ،
وقد انقشعت الغيوم وأشرقت الأرض بنور السماء ..
وهدأ البحر وأقلعت الرياح وحلقت الطيور ثانية في أعالي
الجبال مع شروق شمس الحياة ..
نبض القلب الغريق نبضة واحدة .. ثم عاود النبضات بتململ ..
فتح عيناه ببطء ليرى أمامه حسناء البحر تبكيه .. سرورا وفرحا..
أخذت ابتسامتها لب قلبه فبادرها قائلا:-
من أنت يا جميلتي ؟! .. أنت عالمي الجديد ؟!..
أم أنت حبي الفقيد ؟!.. أم أنت السحر بعينه ..
وما هذا اللؤلؤ المنحدر على وجنتيك ؟!..
أمثلك يعرف الحزن أو يبكيه البكاء .. من أنت ؟!.."
قالت وهي ممسكة بيديه .. ناظرة إليه
:- " أنا يا صديقي من يبحث مثلك عن الحنان والوفاء ..
وقد جبت بحار الدنيا .. وسألت عنك طيور السماء..
وأرسلت الرياح تبحث عنك عبر البحار وفوق الهضاب ..
فجاءني ندائك مستغيثا مع غروب شمس الحياة ..
نداء غريق مغمض عينيه يرقد بجواره قلب محطم...
تشع منه آخر نبضات الحياة .. فاجتزت الزمن ..
بومضة برق .. ودفعت بك نحو بر الأمان ...
وهكذا يا صديقي لا تخلو الحياة من قلب كريم ..
يكن لك كل وفاء .. "
من بين دموع الفرح باللقاء .. خرجت كلماته متعثرة
"هل تقبلين يا حوريتي الجميلة وفائي الأبدي لك ونزرع الحب
معا ليختلط بالعظم واللحم فيسبر أغوار قلبنا فلا نفترق ابد الدهر ..
وينطلق إلى عقولنا فيعدلها عقلا واحدا .. ماذا تقولين ؟!. "
أطرقت طويلا إلى الأرض .. وأشاحت بوجهها نحو البحر ..
هو ينظر إليها مشفقا .. خائفا .. مترقبا ... داعب النسيم خصلات
شعرها الجميل .. أدارت بنفسها نحوه .. ونظرت إليه ..
ابتسمت ابتسامة ساحرة واللؤلؤ ينحدر من على وجنتيها .. اقتربا..
واقتربا .. واختلط القلب بالعقل .. وأبحرا نحو السعادة الأبدية...
تحيااااااتي
بقلم
(جريح الامس)