دعوة للبكاء
أدعوكم للبكاء، وأرجوكم أن تذرفوا الدموع ولا تكبتوها، فبالبكاء تحيَوْن وتَدَعُون سواكم يحيا، وهناك أجيال من البَشَر بعدد الأوراق على الشجر بكتْ من قبْلِكم، فمواسم السرور اختفت، والبلادة التي قيل عنها: «إنها نوم العقول» انتشرت، والسكاكين بلغَت العظم، والمجانين كُثُر، والحكماء قِلّة، ومع أنّ موْت الإنسان أقرب إليه مِن حبْل الوريد، إلاّ أن بعض الناس ما زال يظلِم، ويتجبّر، ويهاجم بقرون، وقَلْ أنْ يجد أحداً يعاقبه، أو يحاسبه، أو يسائله.
ابكوا - فضلاً لا أمراً - فقد ثبت علمياً أنّ البكاء مفيد، وقد قيل: «لا شيء يجف أسرع من الدمعة «ابكوا» فلن يكون للنفس قوْس قُزَح، فيما لو لم يكن للعينين دموع «ابكوا فالبكاء ليس عيْباً كما يظن بعض الناس، وليس دليلاً على ضَعْف الإنسان كما يعتقد آخرون، ابكوا على إعلام بعضه مزّق الإنسان نفسياً واجتماعياً، ألا ترون كيف يتناقض بعض ابكوا من خشية الله
فبكاؤكم منها
يُليّن قلوبكم الإعلاميين مع مجتمعاتهم؟ هل بوسعكم أنْ تصمتوا عنهم أم تذرفوا الدموع عليهم؟ اعلموا أنّ الدموع «تغسل العيْن، وتنظفها من كل جسم غريب وضار بها، وتعمل كأحد أنظمة طرح النفايات خارج الجسم» ولذلك أنصحكم ألا تكبتوا دموعكم، بل دعُوا عيونكم تترقرق بالدمع، ودعُوا هذه السوائل تخرج من مآقيكم.
ومن المؤلم أنّ هناك مجتمعات لا تبكي كثيراً، مِثْل المجتمع الفرنسي، الذي يقال عنه -وِفْقَا لإحصائيات-: «إنّ 8 % فقط منه يبكون» كما يقال: «إنّ 51% في بعض المجتمعات المتقدمة لا يبكون أبداً» الأمر الذي دفع أحد الأطباء إلى القول: «إنّ المجتمعات التي لا تذرف الدموع كثيراً، والتي دُرّبتْ على عدم البكاء، وتخاف من الوقوع فيه، تقع فيما هو أسوأ وهو: الإصابة بقُرَح المعِدَة» ولذلك عليكم بالبكاء ذكوراً وإناثاً فإنّ «مَنْ لا يعرف الدموع لا يعرف الرحمة» فاذرفوا دموعكم فهي ترجمان نبَضات قلوبكم إزاء المواقف الإنسانية المؤلمة.
ابكوا على حجم النفاق الاجتماعي الذي اتسع، وعلى ظلم الإنسان لنفسه قبل غيره، وعلى بُغْض اجتماعي متأهل فيه رائحة الدم، وعلى إعلام شُُيّدَ بناؤه بحجارة الإهانات، وعلى أُسَر تهدّمت بفعل العنف، والعدوان، والاستبداد.
ربما لا يعلم بعضكم أنّ الحيوانات وحدها لا تعرف الدمع أبداً (الناجم عن الشعور بالألم) ولا تبكي أبداً، وقد أعلنت دراسة حديثة «أنّ الخوف كل الخوف، أن تكون خطوات الإنسان تتجه في نهاية هذا القرن، إلى تصرفات الحيوان الذي يجهل معنى الدموع، والذي يتألم حتى دون أن يستطيع التعبير، إلى أن يموت الألم بداخله».
ابكوا من خشية الله فبكاؤكم منها يليّن قلوبكم، ويُذْهِبُ عنها أدرانها، وينبغي أن تَخِرُّوا سُجّدا وبُكيّا إذا تُليَتْ عليكم آيات الرحمن، فقد ذرفت قبل دموعكم دموع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودموع الصحابة رضوان الله عليهم، والقرآن الكريم مَدَحَ البكّائين من خشية الله.
عكاظ